أرغمت الحرب الدائرة في
سوريا بين قوات
نظام الأسد والمعارضة ما يقارب الخمسة ملايين من السوريين على مغادرتها صوب أوروبا وبلدان أخرى تنعم بالأمان.
وبالرغم من وجودهم على بعد آلاف الكيلومترات، يواصل اللاجئون السوريون عبر هواتفهم الذكية متابعة أخبار عائلاتهم وأقربائهم، ويشعرون بالأسى حيال انتفاضة شعبية تحولت حربا دولية مدمرة.
ويقول جيمي شاهينيان (28 عاما) في تصريح: "عندما وصلت إلى ألمانيا شعرت أنني أعيش مع جرح نازف، كأنني فقدت روحي، أحسست بالذنب لأنني تركت كل شيء خلفي".
ويضيف شاهينيان الذي يعيش اليوم مع خمسة شبان داخل شقة في مدينة غينتين التي تقع على بعد نحو مئة كيلومتر غرب برلين: "كنا قطعنا عهدا على أنفسنا بأننا سنغير الوضع".
بدأ النزاع السوري منتصف آذار/مارس 2011 بحركة احتجاج سلمية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، مع نزول آلاف السوريين إلى الشوارع مطالبين بالحرية والديمقراطية.
واستلم الناشطون وبينهم شاهينيان زمام المبادرة، فاستخدموا موقع "فيسبوك" وتطبيق "سكايب" لتنظيم التظاهرات السلمية، والتواصل مع الصحافيين حول العالم، ونشر شعارات تدعو إلى إسقاط النظام.
وعلى خلفية نشاطه هذا، تعرض شاهينيان المتحدر من عائلة مسيحية من مدينة الرقة (شمال) للاعتقال والتعذيب. وبعد سيطرة تنظيم الدولة على مسقط رأسه في العام 2013، بدأ يتلقى تهديدات بالقتل دفعته إلى الفرار داخل سيارة إسعاف إلى تركيا، شأنه شأن خمسة ملايين سوري دفعتهم الحرب إلى النزوح خارج بلادهم.
وفي تركيا، حيث قتل ثلاثة ناشطين على الأقل مناهضين لتنظيم الدولة في الأشهر الأخيرة، لم يشعر شاهينيان بالأمان. ويقول: "لم يكن لدي خيار سوى المغادرة".
وعند وصوله إلى ألمانيا، ترتب عليه التوجه في أول محطة له في هذا البلد إلى مخيم مخصص لطالبي اللجوء، على غرار ما يفعله الوافدون الجدد إلى ألمانيا، حيث تقاسم غرفة مع عشرة أشخاص آخرين.
وسعيا منه للاستمرار في خدمة قضيته، تطوع شاهينيان مع مجموعة مدنية في برلين تحمل اسم "مواطنون من أجل سوريا". وفي الوقت نفسه، بدأ يتعلّم اللغة الألمانية. لكنه رغم ذلك يعترف بأنه "من الصعب جدا الاعتياد على هذه الحياة الجديدة".
ويقول: "أعتقد أن الأمور هكذا دائما، نحن كنا الشرارة (الاحتجاجات) ودائما الشرارة هي أول ما يحترق".
رأسي هي المحاصرة
من مدينة حمص التي أطلق عليها معارضو النظام السوري لقب "عاصمة الثورة"، انتقل يزن (30 عاما) إلى فرنسا حيث يقيم مع عمه حاليا ولا يمر يوم من دون أن يتابع أخبار مدينته وقضيته التي كان مستعدا ذات يوم للموت في سبيلها.
ويقول يزن، الذي كان من أبرز المواطنين الصحافيين في حمص: "في سوريا كان جسدي محاصرا، وهنا رأسي هي المحاصرة".
خلال عامين أمضاهما في مدينة حمص القديمة في ظل حصار مطبق فرضته قوات النظام، قبل أن تتمكن من السيطرة على المدينة في أيار/مايو 2014، أمضى يزن أيامه يلتقط صورا لأطفال يلعبون فوق الركام، وحراس من مقاتلي الفصائل، وجرحى يُنقلون إلى مشاف ميدانية غير مجهزة بالكامل، وقطط تتجول بين أنقاض الأبنية الأثرية.
أما في الليل، فكان يخصص وقته للتواصل عبر "سكايب" مع الصحافيين الذين يتولون تغطية أخبار سوريا، فيطلعهم على آخر التطورات الميدانية على جبهات القتال، وأخبار مدينته التي لحقها الدمار.
وبالرغم من أنه يعيش اليوم في وسط فرنسا بعيدا عن سوريا، لكنه يقول إنه يمضي لياليه متنقلا بين صفحات الناشطين على موقع "فيسبوك"، متابعا لحظة بلحظة آخر التطورات الميدانية. ويقر بأنه لا يمكنه بدء صفحة جديدة في حين لا يزال والده وشقيقه في عداد مائتي ألف معتقل في سجون النظام السوري.
ويقول: "هنا بإمكاني أن آكل وأنام بأمان، ولكن مهما حاولت لا يمكنني تخيل المستقبل"، مضيفا باللهجة المحكية: "لهلء (لحد الآن) موقف كل شي بحياتي الطبيعية حتى يسقط النظام".
"ملعب" للقوى الكبرى
يقيم أحمد الرفاعي (24 عاما) منذ العام 2014 في ألمانيا التي تلقت العام الماضي أكثر من مليون طلب لجوء. وهو انتقل إليها بعدما أمضى شهورا وهو يلتقط الصور متنقلا بين معاقل الفصائل المعارضة في شمال سوريا.
ينتقد الرفاعي الحكومة السورية، ولكن أيضا المجتمع الدولي قائلا إنهما حولا "الثورة" إلى حرب تسببت خلال خمس سنوات بمقتل أكثر من 270 ألف شخص.
ويقول مستذكرا انطلاقة الحركة الاحتجاجية: "خلال الأيام الجميلة، كان الشعب هو من يقرر زمان التظاهرات ومكانها، أو متى نبدأ الإضراب. أما اليوم، فلا يملك الشعب السوري القدرة على اتخاذ أي قرار. باتت سوريا ملعبا للقوى الكبرى كروسيا والولايات المتحدة وإيران".
وبرغم صعوبة متابعة الأحداث المتتالية التي تشهدها سوريا عن بعد، يحاول الرفاعي الاحتفاظ بتفاؤله. تعلم اللغة الألمانية، ويعمل كمترجم بين
اللاجئين الجدد الوافدين إلى ألمانيا ومتطوعي الصليب الأحمر.
وفي نيسان/ أبريل المقبل، يبدأ الرفاعي تدريبا مع مؤسسة إعلامية إلكترونية. ويأمل بالعودة في أحد الأيام إلى سوريا ليساهم في إعادة إعمارها.
ويختم قائلا: "من يرتدي ثوب الناشط، من الصعب جدا أن يخلعه".