تغير ميزان الحرب في
سوريا خلال الأشهر الستة التي تدخل فيها الطيران الروسي في هذا البلد، الذي يعاني من حرب أهلية منذ خمسة أعوام، لكنه فشل بشكل من الأشكال في تحقيق أهدافه.
ويرى سام جونز في تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، أن المحللين الدفاعيين والدبلوماسيين، الذين يراقبون الأهداف العسكرية والسياسية الروسية في سوريا، يتذكرون التكيتكات الدبلوماسية الروسية في أوكرانيا، ويقولون إن الكثير لا يزال بانتظار تحقيقه هناك.
وتجد الصحيفة أنه لهذا السبب، فإنه يتم التعامل مع قرار الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين المفاجئ بالانسحاب من سوريا بنوع من الحذر، فقد أخبر وزير الخارجية البريطاني، الذي يعد من أكثر المتشددين حول
روسيا في حلف الناتو، البرلمان البريطاني أن
الانسحاب لا يعدو كونه خدعة تكتيكية، وقال: "في التعامل مع روسيا علينا أن نكون حذرين وواقعيين".
ويعلق التقرير بأن التدخل العسكري المستند إلى استعراض العضلات وعرض الرجولة، قام منذ البداية على التكيتكات وليس على استراتيجية طويلة المدى، مشيرا إلى أن بعض التكتيكات أثبتت أنها ذكية.
ويشير الكاتب إلى أن نظام
الأسد كان في نهاية شهر أيلول/ سبتمبر العام الماضي على حافة الانهيار، ونجح التدخل الروسي في حمايته وتعزيز قوته في اللاذقية، وأقام "دويلة" يمكن حمايتها في حالة عدم تحقق أهداف السلام.
وتستدرك الصحيفة بأن المحللين الغربيين يرون في هذه النتيجة أقل ما تريده موسكو من تدخلها، حيث يقول مسوؤل أمني أوروبي بارز إن الخطة العسكرية الروسية الأولى كانت أخذ القوات السورية التابعة للنظام وفي الأشهر الأولى قريبا من الحدود التركية، واستعادة مدينة حلب بالكامل، وشل المعارضة بطريقة تجبر واشنطن على القبول بالأمر الواقع، وتنضم مع روسيا وبقية الدول في الحرب ضد تنظيم الدولة.
وبحسب التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، فإن مقاومة المعارضة وشراستها أكثر مما توقعت روسيا، والمواجهة مع تركيا وعدم قدرة الإيرانيين على التوسع أكثر من طاقتهم، ومشكلة انهيار اسعار النفط إلى ما تحت 40 دولارا، هي عوامل كلها حدت من طموحات العملية العسكرية الروسية، وأضرت بموسكو.
ويلفت جونز إلى أنه بعد المرحلة الأولى من الحرب، حاول الروس القيام بمبادرة لإجبار رئيس النظام السوري بشار الأسد الأسد على التنحي، بمساعدة مدير المخابرات، والسيطرة على العملية السياسية، لكن الأسد رفض، ولم يترك لروسيا أي خيار سوى زيادة المساعدات العسكرية لدمشق، وقد وصل هذا الخيار إلى آخر حدوده.
وتكشف الصحيفة عن أنه بالرغم من ذلك، فإن الوجود العسكري في سوريا سيؤدي دورا مهما في مستقبل البلد، بعيدا عن إعلان بوتين الرسمي.
وينقل التقرير عن أليكس كوتشاروف من مؤسسة "آي إتش أس جينز"، قوله: "كما نعرف من أوكرانيا، ويجب أن يكون هذا واضحا في أذهاننا، فإن ما يقوله بوتين ليس بالضرورة متشابهامع ما يفعله "، ويرى أن الإعلان عن سحب القوات "يبدو قرارا سياسيا يهدف إلى تحقيق أهداف مباشرة، لكنني لا أعتقد أن روسيا ستنهي خيارها العسكري في سوريا".
وينوه الكاتب إلى أنه في ذروة التدخل العسكري، فإن روسيا أرسلت 40 مقاتلة سريعة، و8 طائرات هجومية "سوخوي-34" و12 "سوخوي-24" دفاعية، و12 "سوخوي- 25" للهجمات البرية، و4 "سوخوي30"، و4 "سوخوي-35" حديثة، حيث أن بعض هذه الطائرات بدأت رحلتها إلى روسيا، مستدركا بأن موسكو كانت واضحة بإعلانها أنها ستظل تدير قاعدة حميميم في اللاذقية.
وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤول عسكري في الناتو، قوله إن عددا من الطائرات كاف لتوفير الحماية للمناطق التي أمنها الأسد، لافتة إلى أن هذا هو الحد الأدنى من الأهداف الروسية في سوريا، مع أن وجودها العسكري قد انخفض.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه في المقابل، فإن القاعدة البحرية في طرطوس، التي توصف الآن بـ"أسطول البحر المتوسط"، فتزيد قوة وتوسعا، وأهم من هذا هو نشر النظام الدفاعي الجوي "أس400"، الذي نشر لاستخدامه على المدى الطويل، وهو مفتاح الوجود العسكري الطويل الأمد في سوريا.