مع اقتراب فصل الصيف، بدأ الكثير من السوريين المقيمين في المدن التركية
الحدودية، بالتفكير بنقل مكان إقامتهم إلى إحدى المدن الداخلية الكبرى في البلاد، لا سيما أن أولئك مقيمون في مدن صغيرة، كالريحانية وأنطاكيا وكيليس.
وتجتمع عوامل عدة تسهم كلها في دفع بعض الأسر للانتقال من المناطق التي أقاموا فيها لسنوات سابقة دون عوائق حقيقية أو مصاعب لا يمكن تجاوزها.
حسان، شاب سوري يقيم في أنطاكيا منذ ثلاث سنوات مع زوجته وطفلته، ويفكر في الانتقال إلى مدينة
اسطنبول، بل تجاوز التفكير وسافر إلى اسطنبول للبحث عن منزل يستأجره للإقامة هناك. يقول لــ"
عربي21": "أقيم في أنطاكيا منذ ثلاث سنوات والأمور تسير بشكل مقبول، ورغم أنني خلال السنوات الماضية عانيت من موضوع تأمين العمل، وتبديل الجهات التي أعمل لديها كل فترة، سواء إثر خلاف أو نتيجة ضعف الأجور وما شابه، إلا أنني كنت أتدبر أموري من الوارد المادي الذي أحصل عليه رغم عملي المتقطع".
لكنه يستدرك قائلا: "هذه المدينة الصغيرة لم تعد تستوعب كل الأعداد الوافدة إليها من السوريين، ولا أقصد من ناحية السكن، فرغم صعوبته إلا أن تأمين المنزل ما زال أمرا ممكنا، لكن تأمين العمل أصبح غاية في التعقيد والصعوبة. فآلاف الشبان السوريين يبحثون عن عمل في سوق أنطاكيا، لكن المدينة لا تستوعب هذه الأعداد، وللبحث عن عمل علينا التوجه إلى المدن الكبيرة في العمق التركي".
ويدرك حسان تماما أن الاستمرار في المدن الحدودية لن يكون حلا بخصوص العمل: "فرغم توفره أحيانا، إلا أن ما نجده في سوق العمل بأنطاكيا ليس سوى فرص قصيرة الأمد، أما في اسطنبول فسأجد عملا في أحد المعامل أو إحدى المنشآت التجارية ليكون عملا ثابتا لي، أستطيع من خلاله تأمين راتب شهري محدد حتى ولو كان ضئيلا، إلا أن الاستمرارية هي الأفضل والحل والأمثل"، وفق تقديره.
أما عمران، الذي كان يقيم في مدينة الريحانية، فإن أسبابا أخرى دفعته للانتقال إلى اسطنبول. إذ يقول الرجل لــ"
عربي21": الحياة في مدينة صغيرة كالريحانية جميلة وخاصة أن سكانها عرب يتكلمون اللغة العربية، وهذا ما يسهل التعامل والحياة اليومية، لكنني انتقلت إلى اسطنبول مؤخرا".
ويضيف: "مدينة اسطنبول تحتوي على كل الدوائر الحكومية التي قد يحتاجها السوري، كما أن فيها قنصلية للسوريين، وفروعا للأمم المتحدة، والكثير من المراكز التي تخص السوريين، وإقامتي فيها ستسهل علي الكثير من الأمور، بل سأستطيع مساعدة من أعرفهم ضمن هذه المجالات".
ويقول إنه "قبل بدء الحكومة التركية بمطالبة السوريين بإذن السفر، لم أفكر في موضوع الانتقال، فبكل بساطة أستطيع في أية لحظة أريدها أن أسافر إلى أية مدينة تركية أرغب بالتوجه إليها، لكن وبعد صدور التعليمات الخاصة بإذن السفر، وجدت أن الإقامة في مدينة كبيرة تتوفر فيها كل الخدمات أفضل من التقدم بطلب لإذن سفر كل فترة عدا عن تكاليف السفر".
وأصبح استخراج إذن السفر من مدينة إلى أخرى في
تركيا، بالنسبة للسوريين، يحتاج ليومين أو ثلاثة في بعض الأحيان، بحسب عدد من السوريين الذين تقدموا بطلبات للحصول على الإذن، كما أنه غالبا ما تشكل أعدادهم الكبيرة ازدحاما في الدائرة المخصصة بهذا الأمر.
فمع طول إقامة السوريين في تركيا، لم تعد احتياجاتهم تتعلق بالطعام والشراب والمسكن، بل أصبح معظمهم يحتاج أوراقا ثبوتية تارة من الحكومة التركية، وأحيانا من القنصلية السورية الموجودة في مدينة اسطنبول، فمن تجديد جوازات السفر إلى تسجيل المواليد والوفيات وما شابه، ورغم مقاطعة عدد كبير منهم لدوائر النظام واعتمادهم على ما تصدره الحكومة التركية من وثائق، أو ما تقوم بإنجازه - رغم محدوديته - مؤسسات الحكومة السورية المؤقتة، إلا أن البعض ما زال يجد نفسه مضطرا للتعامل مع دوائر حكومة النظام السوري عبر قنصليتها في اسطنبول.
ويذكر عمران مثالا حول الأمر، حين اضطر للسفر مرات عدة من الريحانية إلى اسطنبول خلال الشهور الماضية، من أجل استخراج أوراق تخص أخته من قنصلية النظام السوري هناك، وتتعلق بموضوع لمّ الشمل، حتى تتمكن من الالتحاق بزوجها في هولندا.
ويقول: "عندما استأجرنا منزلا في منطقة حدودية، اعتقدنا أننا سنعود خلال أسابيع أو شهور قليلة إلى بلادنا، ولم ندرك أننا قد لا نعود أبدا"، وفق تعبيره.