ما الذي يحدث في
مصر؟ هناك شيء مريب للغاية يعجز المرء عن استساغته فشاشات فضائية باتت في غمضة عين تمتلئ بمن يشار إليهم بالمثقفين وخبراء يقولون عنهم إنهم استراتيجيون ومتصدرون للمصاطب الفضائية، ويُقال عنهم إعلاميون. وصحف مصرية غصت بمقالات لكتاب دبجوها تدبيجا، الجميع يهرولون ليهيئوا المصريين للقبول بأن الجزيرتين المصريتين (
تيران وصنافير) سعوديتان؟!
وبعيدا عن الخوض في ما خاضوا فيه ليقنعوا شعبا بين عشية وضحاها بما لم يكن في الخاطر والحسبان خلافا لما تعاقبت عليه أجيال وسالت من أجله دماء وبذلت لصونه أرواح الرجال، وبعيدا عن الجدل القانوني والجغرافي والتاريخي ورعونة التعامل مع المسألة من قبل نظام حاكم أطاح أرضا بكل ماهو دستوري وقانوني واستراتيجي أجدني أتساءل ما الذى أصاب المصريين أو على وجه الدقة ماذا أصاب الشخصية المصرية؟
كثيرون يتساءلون: هل أصبحت الدماء التي تجري في العروق المصرية فاسدة أم إن موتا سريريا أصاب الشخصية المصرية فباتت تنتظر معجزة من السماء تبعث الروح فيها من جديد.
إن سرطانا من نوع فتاك استشرى في جسد مصر لا أظنها تبرأ منه إلا بدماء جديدة تُضخ في هذا الجسد وإلا فإن الانحدار نحو الحضيض مستمر بلا هوادة.
ما يحدث في مصر الآن يؤكد حقيقة المأزق الوجودي الذى تعاني منه منذ عقود حتى باتت في صغار وهوان يدفعها دفعا نحو قبرها ما لا يجدي معه إلا الحلول الجذرية.
مصر تقريبا في شتى التصنيفات الدولية في ذيل القائمة فشعبها ينتقل منذ عقود من فقر إلى ما هو أشد فقرا، تعليم دون المستوي وبطالة متفاقمة، وفشل أقتصادي، تدهور صحي احتلت به مصر مراتب الصادرة في أمراض وأوبئة فتاكة فتدهور المستوى الصحي العام للشعب، وثروات أُهدرت، وفساد بلا حدود برعاية رسمية بلغ حد التقنين والشرعنة بما يؤكد أن الفساد ماء الحياة للنظام وأنه لا حياة للنظام بدون فساد ولا وجود للفساد إلا مع هذا النظام.
طبقية متفاقمة وعدل مفقود وظلم في أبشع صوره بل وبالقانون مفروض؟! وتغلغل غير مسبوق للقوي والكيانات الكبري والأقليمية سحق استقلالية مصر ومحوريتها عبر تدرج من مرحلة الكنز الاستراتيجي للغرب والصهاينة إلى مرحلة من يمثل مغارة للكنوز الاستراتيجية لكل طامح وطامع أقليميا أو دوليا، وذهبت قوة مصر الناعمة أدراج الرياح فأصبحت أثرا بعد عين.
هل أصبحت مصر على حد تعبير البعض دولة مريضة جيوبولتيكيا يسكنها شعب مريض تاريخيا ويحكمها مريض نفسيا.
ثروة مصر الحقيقية تكمن في أبنائها لكن ما الذى أصاب الأبناء، وما الذى أصاب تلك الشخصية حتى تصل إلى تلك الهوة السحيقة وتفقد مصر أعز ما لديها، فالثروة الحقيقة لأي أمة هي أبناؤها فالعقول تنتج الثروات وتبدع والأمم بسواعد أبنائها تُبني.
هل نجح أعداؤنا في تدميرنا وزرعوا بيننا العملاء؟ وهنا أتذكر ما أوردته صحيفة "كل العرب" الالكترونية التى يصدرها عرب 48 فى فلسطين المحتلة أن عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلي (أمان) ذكر خلال مراسم تسليم مهامه للجنرال (فيف كوخافي) أن مصر هي الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلي، وأن العمل فى مصر تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979 وأننا أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية فى أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والأجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائما، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية) هل ما نعيشه في تلك اللحظة ونراه رأي العين هو ثمار هذا المخطط؟
إن مصر تعيش ثالوثا ملعونا من جهل وفقر ومرض وعلى مدار عقود طويلة لم يستطع نظام الحكم مقاومة هذا الثالوث المرعب والفتاك بالأمم بل تنحدر الأمور من سيئ إلى أسوأ فأي نظام هذا؟! إنه نظام جعل العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة عداوة متبادلة بين عصابة حاكمة تفتقد الشرعية السياسية وتعتمد في وجودها على القهر والاستبداد.
مصر كما وصفها البعض أصبحت حكومتها بلا شعب سياسيا وشعبها بلا حكومة اقتصاديا واجتماعيا وتعيش تخلفا نسج خيوطة كالعنكبوت فباتت أسيرة طغيان واستبداد وأصبحت بين فكي رحى عدل مفقود وظلم مشهود فسُحقت شخصية مصر وهكذا يريدها أعداؤها وجعلها البعض في السوق بضاعة لمن يشتريها بدراهم معدودات.
لكن ما زال الأمل معقودا كما (قال واحد من أبنائها) في (حدث عظيم) يُخرج الشخصية المصرية من بئر الحضيض السحيق لتعود مصر إلى مكانها الذي ما زال شاغرا وينتظرها لأنه لا يصلح إلا لها وليس لغيرها.
* كاتب مصري