رغم أن المبعوث الدولي إلى
سوريا ستيفان ديميستورا؛ أعطى إشارات بأن الجولة الجديدة من مفاوضات "
جنيف3" بين النظام السوري والهيئة العليا للتفاوض (المعارضة) ستناقش الانتقال السياسي في سوريا، لكن يبدو أن هذه المفاوضات لم تتحول بعد لآلية راسخة تدفع السوريين للاعتقاد بأن حلا سياسيا يمكن أن يخرج بالفعل على المدى المنظور.
فالجولة الثانية من "جنيف3" تأتي بينما أطلق النظام السوري عملية عسكرية في حلب، ليس فقط في جنوب المحافظة التي تتواجد فيها جبهة النصرة، بل أيضا في شمالها، حيث يسعى النظام لقطع الطريق الأخير للقسم الشرقي لمدينة حلب نحو الريفين الشمالي والغربي، رغم نفي
روسيا التخطيط لمثل هذه العملية. واستبق النظام السوري المفاوضات أيضا؛ بإعلان أن مصير بشار الأسد أمر غير قابل للنقاش.
كما عبر ديميستورا عن أسفه لعدم وصل المساعدات إلى المناطق المحاصرة، ومنها دوما وحرستا والمعضمية وداريا الزبداني التي تخضع لحصار قوات بشار الأسد في ريف دمشق، إضافة إلى بلدتي كفريا والفوعة الخاضعتين لسيطرة الفصائل المقاتلة في ريف إدلب.
فرص وآمال:
ورغم ذلك، يعتقد عبيدة نحاس، أمين سر حركة العمل الوطني من أجل سوريا، وعضو الوفد المفاوض في المفاوضات السابقة (جنيف2)، أن "لدينا نافذة فرصا قد لا تتكرر قريبا إذا انتهت الجولات الحالية من المفاوضات دون حل. والحل أفضل من الاستمرار في الفوضى والدماء التي تصادر حق الأجيال القادمة في الحياة الحرة الكريمة"، وفق قوله لـ"
عربي21".
ويذهب الكاتب الصحفي السوري أحمد كامل، الذي يتابع المفاوضات في جنيف حاليا، إلى أن "الأمر لا يتعلق بما يجري في جنيف، فالأمل بالنظام معدوم مطلقا (..)، ولكن الأمل بالمجتمع الدولي.. فالمجتمع الدولي أجبر النظام على أشياء ما كان ليقبل أن يفعلها سابقا، مثل وقف إطلاق النار رغم أنه جزئي وناقص ومنتهك، فك الحصار عن المناطق المحاصرة، رغم أنه جزئي ويتراجع".
واعتبر كامل، في حديث مع "
عربي21"، أن من استطاع أن يُجبر النظام على هذه الخطوات، "يستطيع أن يجبره على فعل أكثر من ذلك؛ لتقديم تنازلات حقيقية والدخول في مفاوضات جدية لانتقال سياسي حقيقي"، وفق تقديره.
وفيما يبدو تطمينا للأطراف الدولية التي عبرت عن تخوفها من انهيار النظام في سوريا، قال المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض، سالم المسلط، في تصريحات صحفية الخميس، إن المعارضة مستعدة للمشاركة في هيئة حكم انتقالي مع أعضاء حاليين من نظام بشار الأسد، ولكن ليس الأسد نفسه.
ورأى المسلط، الذي شدد على مسألة هيئة الانتقال السياسي "بصلاحيات كاملة"، التي أشار إليها ديميستورا، أنه "حين يغيب الأسد عن سوريا سيكون لها جيش واحد يضم جميع الأطياف". وقال إن "هناك العديد من الأشخاص على الجانب الآخر الذين يمكن التعامل معهم".
أمام هذه اللهجة الجديدة، يعتقد الكاتب اللبناني إياد أبو شقرا؛ أن "ديميستورا هذه المرة لديه شيء يفاوض عليه"، رغم أن "الروس يريدون ابتزازه"، بحسب قوله.
ورأى أبو شقرا، متحدثا لـ"
عربي21، أن "كلام ديميستورا قبل أسابيع حول رفض الانتخابات (البرلمانية التي أجراها النظام في سوريا)، وحديثه عن المرحلة الانتقالية جديد نسبيا"، معتبرا أنه "في واشنطن هناك شعور بأنه حتى تحرك المعركة ضد داعش يجب احتواء الأسد".
لكن نحاس يشير إلى غياب "المعايير" لدى ديميستورا، لا سيما في اختيار بعض الشخصيات لضمها للوفود الاستشارية، بهدف توسيع تمثيل وفد المعارضة، في حين يرى أحمد كامل أن "أداء ديميستورا متقلب جدا، وهو مرتبط بالمواقف.. هو يرى الموقف الروسي ويرى الموقف الأمريكي ويسير في الوسط تماما في محاولة لعدم إزعاج أي من الطرفين، أو إرضاء الطرفين في الوقت نفسه"، مضيفا: "أما عن رأيه الشخصي فلا رأي له، وهو أقرب للموقف الروسي من أي موقف آخر، والولايات المتحدة تبدو راضية بذلك"، على حد قوله.
روسيا وأمريكا:
ولكن إلى أي حد يحظى ديميستورا بدعم القوى الكبرى، بهدف إنجاح المفاوضات، والوصول إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف في سوريا؟
فإحدى التحديات التي تواجه ديميستورا هي احتمال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، في ظل العملية العسكرية التي يشنها النظام السوري في حلب، وفي ظل الموقف الروسي الذي يضع حلب خارج الاتفاق بحجة وجود جبهة النصرة.
هنا يتساءل أبو شقرا: "إلى أي مدى سيقترب الروس من الموقف الأمريكي ولو تكتيكيا"، مشيرا في الوقت نفسه إلى "اقترابهم من الموقف الإيراني في خلق حقائق على الأرض عبر قضية المليشيات".
ويضيف أبو شقرا متسائلا: "هل سيسمح بفشل جنيف؟ أنا شعوري أنهم يحاولون البناء عليها (المفاوضات)، طالما أن (الرئيس الأمريكي باراك) أوباما سيزور الخليج، وبدأ العد العكسي للانتخابات الأمريكية.. يريدون عمل شيء، لأن الوضع الأمني في سوريا لم يعد يسمح، وخصوصا انعكاساته الدولية، بعد هجمات باريس وبروكسل".
لكن نحاس يرى ضرورة عدم التعويل على العامل الخارجي، فـ"كوننا سوريين يجب أن نحاول تحقيق اختراق يحفظ مصالح شعبنا، ونستغل ما يبدو ظرفا دوليا وإقليميا مناسبا لاستمرار العملية السياسية، وأن لا ننتظر ما يريده الآخرون من أصدقاء وغيرهم"، واصفا دور الأطراف الأخرى بأنه "ميسر لا أكثر".
ويضيف نحاس: "من المهم ملاحظة أن الحلول السياسية بعد أزمة بعمق الأزمة السورية يصعب أن تكون عادلة بنظر جميع الأطراف، لكن التنازلات التي تقدم في إطار وطني وبين الشركاء في الوطن، أفضل من الاضطرار لتقديمها إلى الخارج".
ويعبر أحمد كامل عن اعتقاده بأن نجاح المفاوضات مرتبط بأن "يفهم العالم، والواضح أنه بدأ يفهم، أن الوضع في سوريا بدأ يفيض على دول الجوار، وعلى دول العالم كله بأشياء في غاية السلبية، وأنه يجب إنهاء هذا الصراع أو على الأقل تبريد هذا الصراع".
ويضيف لـ"
عربي21": "الدور الروسي يراعي طموحات روسيا ومصالحها في المنطقة، والموقف الأمريكي كذلك، ولكن هناك تقارب ما بين الدورين أكثر من أي وقت مضى. الطرفان عملا على اتفاق وقف إطلاق النار، وعملا على فك الحصار عن المناطق المحاصرة وإدخال المواد الغذائية للمناطق المحاصرة، وهذان إنجازان كبيران؛ لأن روسيا وأمريكا استطاعتا فرض أشياء على النظام لم يكن ليقبلها".
وبالتالي، يقول كامل: "الدوران (الأمريكي والروسي) الآن يميلان نحو تبريد الصراع على الأقل وخفض حدته؛ لأنه بدأ يؤذي المنطقة والعالم، وأصبح مستوى الصراع أعلى مما يجب"، بل إن كامل عبّر عن تفاؤله بأنه "ربما يسعى الطرفان لحل الصراع نهائيا بطريقة تناسب مصالح البلدين".
وماذا عن أداء السوريين أنفسهم؟
ويعبر أحمد كامل عن اعتقاده بأن المشاركين في وفد الهيئة العليا للتفاوض "يمثلون المعارضة على الأرض، ففيهم الائتلاف الذي يضم مكونات عديدة، وهناك مستقلون، وهيئة التنسيق الوطني، أي مروحة واسعة جدا جدا لا سابق لها في الداخل والخارج من العاملين في المجال السلمي (السياسي)".
ويضيف: "هذا أوسع تمثيل ممكن، أما تمثيل 100 في المئة لا يكون إلا بانتخابات حرة ونزيهة، وهذا غير متاح حاليا"، وفق تقديره.
ويرى نحاس من جهته؛ أن "الخليط الموجود في جنيف يمثل الأطياف المختلفة للسوريين في كل الميادين السياسية والعسكرية والمدنية، وإن كان التوازن التمثيلي ضعيفا، وهناك فئات اجتماعية مهمشة وإن بدا الموفد الدولي (ديميستورا) معنيا بلقاء الأطياف السورية المختلفة، لكن المعايير التي وضعها منقوصة، ما يرسل رسائل خاطئة إلى أطياف مجتمعية ستعتبر نفسها خارج العملية وتعتبر العملية السياسية غير عادلة"، كما قال.
ويذهب نحاس إلى القول بأنه "ما زال الأداء السوري من الجانبين في جنيف دون المطلوب"، لكنه يرى مع ذلك أن "تسجيل النقاط الإعلامية في جنيف يسير لصالح المعارضة أكثر من النظام، أي لصالح الشعب السوري، لكن هذا يبقى في إطار المكاسب الإعلامية التي لا تحقق حلا أو سلاما حقيقيا في النهاية".
ويتابع: "الشعب السوري يستحق المزيد من الجهد لتحقيق مصالحه، والمزيد من الجدية والمسؤولية من قبل المتفاوضين السوريين من الطرفين في جنيف، ما دمنا نؤكد جميعا أهمية الحل السياسي. فالمطلوب من العملية السياسية الوصول إلى حل حقيقي ينقذ سوريا وشعبها، وليس تسجيل النقاط في مساجلة إعلامية"، وفق تعبيره.
ويوضح أبو شقرا أن "المعارضة أصبح لديها تجربة وبعض الخبرة.. لم تعد توقعاتها عالية، وتحاول أن تكون مرنة"، مضيفا: "أتصور أنها تستوعب بعض الدروس وتعرف أن المجتمع الدولي ليس بالضرورة معها، لكن ليس من الضروري أن يكون مع النظام أيضا".
ويشير أبو شقرا أيضا إلى سلوك النظام في المفاوضات، لكنه ينبه إلى أن "النظام يرفع السقف كثيرا حتى يرضى بالأقل.. لا أتصور أن (رئيس وفد النظام إلى جنيف) بشار الجعفري و(وزير الخارجية) وليد المعلم أغبياء.. ولكن أنا أطلب المئة حتى أقبل بالستين"، وفق قوله.
لكن في المقابل، يشير أبو شقرا إلى أن الروس يحاولون تمييع الوفد المفاوض للمعارضة، مع سعيهم لضم شخصيات وأطراف أخرى إلى وفد الهيئة العليا للتفاوض في جنيف، مذكرا على وجه الخصوص؛ بعقد لقاءات للروس مع شخصيات وصفت بأنها معارضة في مطار حميميم في اللاذقية، ومحاولة ضمهم للوفود الاستشارية على الأقل، رغم أن عددا من هؤلاء هم من مؤيدي النظام أصلا.
وماذا بعد؟
يقول أبو شقرا: "الروس يحاولون تخفيف الهوية الإسلامية أو الإسلاموية للائتلاف، ويعتبرون أن الإخوان ممثلون بشكل أكبر من الحجم المقبول أو المطلوب في مؤتمر الرياض".
ويضيف: "شعوري الخاص أنه لا أحد متمسك بالأسد كشخص، وإذا كنت قادرا على تبديل الأسد دون اجتثاث النظام فلا أحد ضدك، لكن السؤال هو كيف يتم الإخراج؟ هذه مهمة ديميستورا وهذه مهمة جنيف".
من جهة أخرى، قال أبو شقرا إن الروس "دخلوا على الخط" من خلال باب المحافظة على الأقليات، "والأمريكيون أيضا.. الإيرانيون لديهم مشروع آخر، وهو مشروع توسعي إقليمي، لكن الروس يخافون من السنية السياسية"، مشددا على أنه لن يقبل أحد بسيطرة الإسلاميين على السلطة بعد سقوط الأسد، "وعلى المعارضة ان تفهم هذه اللعبة".
وأضاف: "السنة في سوريا 75 في المئة"، لكنه لفت إلى أن "التاريخ يقول إن الأقليات كانت دائما تبرر استقواءها بالخارج للدفاع عن النفس، والأكثريات يجب أن تكون حساسة لهذا الموضوع"، وفق تعبيره.