ما معنى أن تكون وزيرا في
العالم العربي؟ وما هي المواصفات والشروط المطلوبة لتكون كذلك؟ وهل كما تكون المجتمعات يكون وزراؤها؟ وهل يتحمل الوزراء وحدهم "زورَ" وزاراتهم أم إن "الوِزر" يقع على من عينهم؟!
هذه الأسئلة وغيرها ليست جديدة ولا طارئة في هذا العالم العربي السعيد في ما يبدو بـ"تعاسته"، ففي الموروث التاريخي العربي قصص كثيرة عن "الوزراء" لن نبالغ لو قلنا أن غالبيتها سلبية، حيث ترتبط فيها صورة الوزير بالدسائس وبالبطانة السيئة، والمحسوبية وبصنع الحكام المستبدين. في المقابل فإن صورة الوزير النموذجي نجدها في القصص القرآني الكريم، مع النبي يوسف عليه السلام، كرمز للوزير العفيف الحكيم صاحب النظرة الاستشرافية، الذي يتحمل مسؤولياته، ويتفانى في عمله.
اللافت أن كلمة "الوزير" في اللغة العربية اشتُقت من كلمة وِزر، وهي تعني الحمل الثقيل والمرهق والشاق. فيما هناك رأي يقول إنها مأخوذة من الوَزَر، أي الـجبل الذي يعتصم به لـيُنْـجى من الهلاك، وقيل أيضا إنها مشتقة من الأزْر، وهو الظهر!
وفي الفرنسية ترجمة مقابل وزير هي Ministre وأصلها من اللغة اللاتينية وتعني "الخادم"، ومن الفرنسية اشتق الإنجليز كلمة Minister بتحريف بسيط في الكتابة (الفرنسية بالمناسبة كانت في فترة لغة رسمية في إنجلترا).
قد تنطبق صفة وتعريف الوزير على من هو في الدول الديمقراطية أي أنه خادم فعلا للشعب، لكن الوزير العربي يبدو أقرب إلى الوِزرِ على الشعب القاصم لأزره (ظهره)، وليس بالتأكيد الخادم للشعب.. وإن كان "خادما" فإنه لن يكون إلا لمن عيّنه بل، وربما حتى أكثر مثلما صرخ يوما الوزير
الجزائري عمار غول، بأنه مستعد للتضحية بالروح والدم من أجل بقاء "ولي نعمته" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وإذا عرف السبب بطل العجب فعمار غول يواصل تجواله الوزاري من وزرارة إلى أخرى في الجزائر، فمن وزارة الأشغال العمومية، انتقل إلى وزارة النقل، ومنها إلى وزارة السياحة حاليا. وقدعرفت وزارة الأشغال العمومية خلال فترته فضيحة رشاوى كبرى، وصفت بفضيحة القرن في مشروع واحد هو الطريق السيار، الذي كانت تكلفته النهائية في البداية تقدر بما أقصاه 5 ملايير دولار، لكن غول ترك
الوزارة والمشروع لم يكتمل بعد وتكلفته تقارب الآن 20 مليار دولار! وبرغم انه كان المسؤول الأول في الوزارة، وذُكر اسمه في التحقيق في الفضيحة، إلا أنه خرج كالشعرة من العجين في المحاكمة "الصورية" للمتورطين فيها!
ليس هناك أبلغ في موضوع مدى خدمة الوزراء العرب لشعوبهم، من الحالة الجزائرية، حيث كشف تقرير رسمي نُشر قبل نحو ثلاث سنوات، أن 500 من أصل 700 وزير تداولوا على المسؤولية في الجزائر منذ الاستقلال يعيشون في الخارج مع عائلاتهم، وخاصة في فرنسا، وبعضهم يمارس حتى نشاطات مفاجئة مثل الفندقة وإدارة المطاعم وتجارة اللحم الحلال، فكيف يمكن لوزير له اقامة في الخارج، بل وجنسية مزدودجة فرنسية جزائرية مثلما يتردد عن وزير الصناعة الجزائري عبد السلام بوشوراب، الذي ورد اسمه في فضيحة "وثائق بنما" لتهريب الأموال، كيف يمكن له التفرغ لتنمية بلد لن يعيش فيه لا هو ولا أولاده؟!