هل يتذكر عبيد
الاستبداد، الجنرال الهارب أحمد شفيق؟! بالطبع نعم، فهو سيدهم السابق، وإلهم القديم الذي عبدوه نكاية في ثورة 25 يناير التي أهانت كبرياء الاستبداد الذي حكمهم عقودا طويلة، فاستلذوا العبودية على الحرية، واستحبوا الذل على الكرامة، حتى صار الأصل هو الاستعباد، والحرية هي النشاز.
علقوا صور الجنرال شفيق على صدورهم، وعلى الحوائط والمؤسسات الخاصة والعامة خلال أول انتخابات رئاسية حقيقية في تاريخ
مصر، وكأنه المنقذ القوي الفارس الذي سينتشل مصر من الحضيض إلى الصعيد لمجرد انتمائه لجيش الكنانة قاهر الأعداء، ومخترق الأجواء.. وانظروا إلى مطار القاهرة تحت قيادة الجنرال خلال توليه حقيبة الطيران المدني في أواخر سنوات سيده الجنرال المخلوع (هكذا كانوا يروجون ويحاولون تلميع صورته للجماهير البسيطة).
ومع انتهاء العرس الرئاسي بما له وما عليه، هرب الجنرال لاستكمال نضاله الفندقي من إمارة أبو ظبي الإماراتية تاركاً وراءه جمعا غفيرا من العبيد يندبون حظهم العاثر على خسارة سيدهم الهارب، فكان لا بد من بديل سريع يتعلقون بذيله، ويخطبون وده، ويتذللون في حضرته، ولأنهم يكرهون الثورة، أي ثورة، وأي تحرك ينتشلهم من عبودية الأسياد، فقد وجدوا ضالتهم في الجنرال الغادر عبد الفتاح
السيسي، فبظهوره دخل جنرالهم الهارب دائرة النسيان.
والآن وبعد تزلزل الأرض تحت أقدام سيدهم السيسي نتيجة لعوامل الفشل الذريع على كافة الأصعدة، والكذب في كل وعوده، حتى وصل به الحال للخيانة الوطنية الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، بدا للجميع أن السيسي إلى زوالٍ قريب بتصدع جبهته الداخلية وأنصاره الذين أيدوه ووقفوا إلى جواره من علمانيين ويساريين وما يسمى بالتيار المدني الزائف، كان لا بد من تجهيز العجل الجديد الذي سيعبدونه لاستكمال مسيرة الاستعباد على أرضية الاستبداد.
رحلة قصيرة في عقلية العبيد، سندرك أنهم لا يعبدون أسيادهم، بقدر ما يعبدون فكرة العبودية والاستسلام للذلة والدونية أمام القوة المفرطة، وتتوق نفوسهم للاستبداد كدليل على الاستقرار (أو هكذا يظنون)، ذلك لأنهم لم يشعروا يوما بحلاوة الحرية، أو لذة الكرامة، أو طعم المساواة، لذا فهم على استعداد دائم للاستسلام لأي عجل يستعبدهم ويسومهم سوء العذاب مقابل أن يعيشوا في كنفه وتحت حمايته ينعمون باستقراره المزعوم (استقرار الجسد الميت بتعبير جمال حمدان)، فالعبيد كما وصفهم الشيخ سيد قطب رحمه الله "هم الذين يهربون من الحرية فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد آخر، لأن في نفوسهم حاجة ملحة إلى العبودية لأن لهم حاسة سادسة أو سابعة.. حاسة الذل.. لا بد لهم من إروائها، فإذا لم يستعبدهم أحد أحست نفوسهم بالظمأ إلى الاستعباد وتراموا على الأعتاب يتمسحون بها ولاينتظرون حتى الإشارة من إصبع السيد ليخروا له ساجدين".
وخير من غاص في عقلية العوام أوالعبيد العلاّمة "عبد الرحمن الكواكبي" في كتابه الموسوعة "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" حين وصفهم قائلا: (العوام هم قوة المستبد وقُوته، بهم عليهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويغري بعضهم على بعض، فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريم، وإذا قتل منهم ولم يمثل يعتبرونه رحيما).. فهؤلاء لا خلاق لهم ولا ولاء، اللهم إلا للسيف أو الدبابة، فمن ركبها، فهو أحق من يدهسهم بها.