ماذا يعني ألا يُقتل قادة
حزب الله العسكريون إلا في
سوريا؟ وأن يسود عمليات قتلهم شيءٌ من الغموض، إن لم يكن لناحية الجِهة الآمِرة في بعض الأحيان، فلناحية الجهة المنفذة أحيانا أخرى، وأن يُدفنوا جميعا في روضة الشهيدين في الضاحية الجنوبية لبيروت دون تتمة "عدلية"، فيتم إحياء ذكراهم سنويا دون تعاطي خطاب وإعلام حزب الله مع حق هذه القيادات المغتالة بتحقيقات جدية حول عمليات تصفياتهم؟ لكنه سؤال إن غاب رسميا فقد بدأ يتردد شعبيا وبقوة داخل البيئة الحاضنة للحزب، خصوصا بعد مقتل قائد عملياته العسكرية في سوريا مصطفى بدر الدين مؤخرا في سوريا، الذي نُسجت حول كيفية تصفيته الكثير من الروايات.
ليس هذا سؤالا يتيما، بل يأتي ضمن سلسلة أسئلة يطرحها مناصرو حزب الله في سرهم وعلانيتهم، وتتمحور جميعها حول المصلحة من استمرار الحزب ذراعا لإيران، أو أحد أذرعها الرئيسية في المنطقة العربية، والمليشيا الأكثر استخداما في حروب المنطقة العربية، لا سيما وأن نصيب حزب الله في الخطط العسكرية التي يضعها "المستشارون"
الإيرانيون في سوريا تقضي دائما بأن يكون رجاله في صف المواجهة الأول، ما كبّده خسائر بشرية جسيمة تتفاوت تقديراتها، لكنها حتما بالآلاف بين قتيل وجريح.
سؤال آخر يطرحه جمهور حزب الله حول سقف أزمة الحزب الاقتصادية الدّوني والزمني المتعاظمة بعد الحظر الغربي المصرفي عليه، وانعكاس هذه الأزمة على مناطق موالاة الحزب في
لبنان التي باتت تشعر وكأنها تدفع فاتورة الحرب الإيرانية من خبزها ومائها، خصوصا وأنها لم تلمس بعد نعيم الإفراج الأمريكي والغربي عن مليارات إيران بعد توقيع الاتفاق النووي، الذي شكا مؤخرا مرشد الجمهورية من أن أمريكا لم تفِ بوعودها في إطاره.
والسؤال الأبرز الذي يرتسم على وجوه
شيعة حزب الله هو حول مستقبل علاقتهم مع مواطنيهم السُنة على امتداد العالمين العربي والإسلامي، الذين باتوا يصنّفون الحزب جهةً معادية بعد أن كان في نظر معظمهم مقاومة شريفة، بغض النظر عما إذا كانت هذه النظرة ظالمة للحزب أو عادلة، لأن ذلك لن يغير شيئا في النتيجة. كذلك حول مدى قدرتهم على معاكسة توجهات المجتمع الدولي الذي بات يلاحق شبكات الحزب في الخارج.
أما فيما يتعلق بلبنان فلم يقنع أنصار حزب الله بأن حزبهم لا يستطيع حسم أمر المرشح الماروني لرئاسة الجمهورية، بعد أن تفرقت قوى الرابع عشر من آذار وتوزّعت على مرشحَين للرئاسة لا ثالث لهما، وهما الحليفان اللصيقان بحزب الله والنظام السوري ميشال عون وسليمان فرنجية، في فرصة قد لا تُعوض إن ضاعت. كذلك تشكو بيئة الحزب مثل غيرها من اللبنانيين من تردي الخدمات العامة في البلاد نتيجة الشلل في المؤسسات الدستورية، وقد عبرت عن ذلك في الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، حيث كانت الجرأة واضحة في محاولة كسر ثنائية حزب الله وحركة أمل، من خلال منافستها بلوائح مستقلة نجحت في كسر حاجز الخوف رغم تخوين ماكينة حزب الله لهم باتهامهم بالمعادين لخط المقاومة.
هذه عيّنة من أسئلة حرجة يطرحها شيعة لبنان على أنفسهم وقياداتهم ومراجعهم، علما أن تاريخ الشيعة في لبنان زاخر بالتنوع والمقاومة وتبني العلمانية واليسار والعروبة، والريادة في الشعر والفكر والأدب وتطوير الفنون وحب الحياة.. نعم، حب الحياة أكثر من حب الموت الهاجم بتكليف شرعي.