يرى مركز "الزيتونة للدراسات والاستشارات" أن مبادرة السلام الفرنسية لإطلاق المفاوضات بين
الفلسطينيين والإسرائيليين، لا تمتلك فرصة أفضل للنجاح من المبادرات والجهود السابقة، مشيرا إلى أن فرنسا وأوروبا لا تمتلكان القدرة الكافية للضغط على
الاحتلال الإسرائيلي حتى لو توفرت لديها الإرادة لفعل ذلك.
وتابع مركز "الزيتونة" في تقدير استراتيجي حول "آفاق
المبادرة الفرنسية"، أن الولايات المتحدة الأمريكية غير متحمسة لهذه المبادرة، و"كل همها هو تفريغها من مضمونها والاحتفاظ بزمام المبادرة في يدها"، موضحا أن المبادرة انطلقت من سقف منخفض "هو أقل بكثير من الشرعية الدولية".
وأضاف المركز أن المبادرة حتى لا تولد ميتة "أخذت تبحث عن مرجعية تتضمن ما يمكن الاتفاق عليه، كما أن الحد الأقصى الذي تستطيع تحقيقه إذا حققت شيئا أصلا، هو استئناف المفاوضات الثنائية برعاية دولية شكلية، وما يعنيه ذلك من منع تبني خيارات أخرى وإضاعة المزيد من الوقت الثمين، الذي تستغله إسرائيل لاستكمال إيجاد أمر واقع احتلالي يجعل الحل الإسرائيلي بإحدى صيغه هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليا".
وحدد مركز "الزيتونة" في تقديره الاستراتيجي، أربعة سيناريوهات للمبادرة الفرنسية، مشددا على أنه "من الخطأ منح المبادرة الفرنسية تأييداً على بياض، بل الموقف منها يجب أن ينطلق من مدى التزامها بالحقوق الوطنية الفلسطينية".
السيناريو الأول: عدم عقد المؤتمر الدولي
توقع "الزيتونة" في السيناريو الأول عدم وصول المبادرة إلى عقد المؤتمر الدولي جرّاء الرفض الإسرائيلي وعدم استعداد الإدارة الأمريكية لممارسة الضغط على دولة الاحتلال، إضافة إلى عدم رغبة وقدرة فرنسا والاتحاد الأوروبي في الضغط الكافي عليها، وخصوصاً بعد تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، و"دلالاته وتداعياته السلبية المحتملة، التي قد يكون من ضمنها بروز النزعات الانغلاقية واليمينيّة وانشغال أوروبا بشؤونها الداخلية، وهذا من شأنه أن يصبّ لصالح الموقف الإسرائيلي".
وأوضح المركز أن هذا السيناريو سيتعزز بصورة أكبر في حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، "لا سيّما أن الإدارة الأمريكية لا تبدو عليها بوارد تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن قبل انتهاء فترة أوباما، يتضمن أسس ومرجعيات التسوية، بل أقصى ما يمكن أن تذهب إليه هو إصدار إعلان رئاسي لا قيمة له".
وأضاف المركز أن "ما يعزز هذا السيناريو أيضا عدم تحمّس روسيا للمبادرة الفرنسية، ولا أن تحل مجموعة دولية موسعة محل اللجنة الرباعية الدولية، إضافة إلى طموح موسكو لاستضافة المؤتمر الدولي".
السيناريو الثاني: المؤتمر الدولي منصة للمفاوضات الثنائية
أما السيناريو الثاني، حسب الزيتونة، فإنه يقوم على عقد المؤتمر الدولي "بعد ترويض المبادرة الفرنسية أكثر، ليكون مجرد منصة أو غطاء لانطلاق المفاوضات الثنائية، بحيث نكون أمام جولة أخرى من المفاوضات العبثية التي ستكون أخطر من سابقاتها، لأنها ستتم في ظل معطيات وشروط أسوأ، ووسط إقرار مخططات إسرائيلية عدوانية واستيطانية وعنصرية أوسع مدى وأكثر خطورة، وسيرافق هذه المفاوضات -في حال حصولها- رعاية دولية شكلية لا تختلف كثيرا عن الدور الذي لعبته اللجنة الرباعية الدولية التي أجلت المرة تلو المرة إصدار تقريرها (لم يصدر حتى كتابة هذه السطور) حتى لا تغضب إسرائيل، لأنه يحملها جزءا من المسؤولية عن عدم نجاح جهود السلام".
3. السيناريو الثالث: مفاوضات عربية إسرائيلية
يستند هذا السيناريو، بحسب المركز، إلى دمج المبادرتين الفرنسية والعربية "لنكون أمام مفاوضات عربية إسرائيلية تسمح بالتعاون الأمني والإقليمي والاقتصادي، وبتطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية، ونشوء "تحالف عربي إسرائيلي ضد ما يسمى "الخطر الإيراني الشيعي والإرهاب السني"، مقابل العودة إلى خطة إقامة مقومات الدولة الفلسطينية وتمديد المرحلة الانتقالية، وتقديم حوافز تشجيعية اقتصادية وغيرها".
وتابع المركز أن هذا السيناريو قد يحتمل عقد مؤتمر دولي وظيفته التغطية على المفاوضات العربية الإسرائيلية، وما يمكن أن تتوصل إليه من حل إقليمي، أو يمكن أن يتحقق من دون عقده. و"هناك معلومات تفيد بتداول فكرة عقد المؤتمر الدولي في مصر على أن تقوده فرنسا، غير أن مصر رفضت ذلك على أساس أن المؤتمر إذا عقد في مصر فلا بد أن تقوده القاهرة".
ورأى "الزيتونة أنه من الممكن أن يشهد هذا السيناريو مفاوضات فلسطينية إسرائيلية واتفاقات انتقالية جديدة تشارك فيها أو لا تشارك في تنفيذها أطراف عربية جنبا إلى جنب مع لجان التعاون الأمني والإقليمي والاقتصادي والتطبيع العربي بتعديل رسمي أو فعلي للمبادرة العربية.
4. السيناريو الرابع: خطوات إسرائيلية أحادية
يرتكز هذا السيناريو، حسب تقدير المركز، على فشل كل المبادرات وقيام إسرائيل بخطوات أحادية الجانب، مثل ضمّ مناطق "ج" أو جزء منها مثل ما تسمى “الكتل الاستيطانية”، أو فرض القوانين الإسرائيلية على مناطق "ج" دون الإعلان عن ضمها، مشيرا إلى أن "هذا في كل الأحوال يفتح احتمالات التفجير والمجابهة".
وتابع "الزيتونة" أنه يمكن أن يشهد هذا السيناريو خطوات إسرائيلية من شأنها أن تعمق الانقسام الفلسطيني من خلال تخفيف الحصار لإتمام تطبيع العلاقات التركية – الإسرائيلية، بعد رفض إسرائيل الطلب التركي برفع الحصار عن غزة.
وخلص مركز "الزيتونة" إلى أن الدفع للتوصل إلى حلّ نهائي في ظلّ الاختلال الفادح في موازين القوى لصالح إسرائيل، ومع استمرار الحريق العربي، واتجاه العالم نحو اليمين والانغلاق، وازدياد التنافس والصراع الإقليمي في المنطقة؛ مجرد إعادة إنتاج للأوهام، وسيؤدي في أحسن الأحوال إلى الفشل. ودعا إلى التعامل مع المبادرة الفرنسية وغيرها على أساس ما يمكن أن تخدم به القضية الفلسطينية، دون تنازل عن الحقوق والثوابت الفلسطينية.
وحث على رفض العودة بأي حال إلى المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية أو دولية شكلية، والإصرار على أن تستجيب إسرائيل للقرارات الدولية المؤكدة لحقوق الشعب الفلسطيني، ووضع الآليات الملزمة لها بذلك، كما حث على رفض أيّ حلول انتقالية مثل دولة ذات حدود مؤقتة، أو في غزة، أو العودة إلى خطة بناء المؤسسات تحت الاحتلال.
وشدد "الزيتونة" على ضرورة إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس القواسم المشتركة، "ضمن الاتفاق على أسس وطنية وديمقراطية توافقية ومشاركة حقيقية، وبلورة استراتيجية سياسية ونضالية تكون مدخلا لإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، والنظر في الحكومة وغيرها من الملفات، وإعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها لتصبح أداة لخدمة البرنامج الوطني وليس عبئاً عليه. على أن يكون توحيد الموقف الفلسطيني المدخل لبناء موقف عربي ودولي مساند للقضية الفلسطينية".