لأن الانقلاب العسكري في
مصر، استمر أكثر من المتوقع، فقد أنتج ظاهرة "الدراويش"، بين القوى الرافضة له، والمؤيدة للدكتور محمد مرسي، وأداء "الدراويش" في "الموالد"، لا يحكمه عقل، ولا يجوز أن تخضعه لمنطق!
في أي معركة فإن وجود أمثال الدكتور
محمد محسوب، مع أي طرف من أطرافها يعطيه مصداقية، ويمنحه درجة من الثقة في النفس، فالرجل من أهل الكفاءة واللياقة، وقد أعطى وأمثاله، مثل الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، قضية رفض الانقلاب مصداقية في الأوساط الدولية، فليس أنصار هذه "القضية العادلة"، هم هؤلاء "الشبيحة" على صفحات التواصل الاجتماعي، أو "الدراويش" في "الموالد". وفي قضية لها أبعاد دولية، يتفهم مثلي وجود "الشبيحة"، بل ويراه أمرا مطلوبا، فالذين تربوا تربية ريفية مثلنا، يقرون بمبدأ وجود هؤلاء، إعمالا للمثل الدارج القائل: "العائلة التي ليس فيها صايع حقها ضائع"!
بيد أن مشكلة قضية الشرعية، أن هذا الصنف، لا يؤمن بأن المؤمنين يسعى في ذمتهم أدناهم، وأن دورهم في مؤخرة الصفوف ليحموا كرامة وجهاء العائلة من أن تستباح على يد "شبيحة" العائلات الأخرى، فهم حريصون على أن يتصدروا هم المشهد، وبدلا من أن ينشغلوا بالآخرين، انشغلوا بمعسكرهم، فتطاولوا على من معهم في ذات الخندق واستباحوا كرامتهم، على نحو لم يفعله معهم الانقلاب، حتى صار هناك من يري أنهم "دسائس" أمنية، وكم تحاورت مع آخرين كثيرا لأنفي عنهم هذا الاتهام. وقد اتسعت الظاهرة حتى وجدنا من يقومون بدور المساندين لهؤلاء، وعلى قاعدة ما يطلبه المستمعون، بحثاً عن مزيد من "اللايكات"، أو كلمات الإعجاب، بشكل يشعرهم أنهم يمكن بذلك أن يتصدروا هم لمشهد بائس، تقوقع من فيه حول أنفسهم، وبعد أن فشلوا في مواجهة الانقلاب، انشغلوا بالهجوم على الدكتور محمد محسوب، حتى صاروا يقفون له على "الساقطة" و"اللاقطة"، ويمسكون له على "الواحدة"!
وصرنا أمام نوع من "الكفاح الفاشل"، حيث يكتب أحدهم "بوست" ثم يظل يومه كله يتابع إشارات الإعجاب، ووصلات المديح، ولم يعد يشغله الانقلاب، فهو مشغول بمحسوب، وسيف عبد الفتاح، وربما لا يريد من داخله للانقلاب أن يسقط، لأنه لو سقط، فسيعود مرة أخرى يغرد بمفرده، ويكتب لنفسه، ويحاور ذاته!
من أهم المقابلات التلفزيونية التي رأيت أنها مثلت إضافة لقضية الشرعية، هى تلك التي أجراها "أحمد منصور"، مع الوزير السابق الدكتور "محمد محسوب"، لكن هناك من لم يروا فيه إلا حديثه عن أخطاء ارتكبها الرئيس محمد مرسي، دفعه لها هذا المحاور دفعا، وكأن المطلوب من "محسوب" وقد اضطر للتطرق إليها أن يشهد زورا، وأن يرتقي بالرئيس إلى درجة من لا يُسأل عما يفعل، و"الدراويش" وقد حولوا قضية الشرعية إلى "مولد"، فقد أصبح الدكتور محمد مرسي عندهم هو "الرئيس المعصوم"، لأن خدش عصمته من شأنه أن يدفع الناس لأن ينفضوا من حوله، وكأنهم ينحازون لملك كريم!
وهذا سلوك يدفع إليه اختفاء القضية أساس الخلاف مع الانقلاب، وعندما تختفي القضايا يبرز الأشخاص، فات هؤلاء أنه يمكن أن تكون معارضاً للرئيس محمد مرسي وحكمه والكثير من سياساته واختياراته ومع هذا ترفض الانقلاب!
"الدراويش"، لا يضيقون ذرعا فقط ممن يتحدثون عن أن أخطاء جمة مكنت للانقلاب العسكري، من غير المعسكر الإسلامي التقليدي، بل إنهم يضيقون أيضاً بمن يتحدث عن مواقف الشيخ حازم أبو إسماعيل، الذي حذر من الانقلاب قبل وقوعه، وطالب بعدم الاطمئنان للذئاب أعضاء المجلس العسكري، لأن مثل هذا الحديث وإن كان يضيف لـ"كرامات" واحد من المنتمين للتيار الإسلامي من حيث "السمت" والتوجه، فإنه ينتقص من كفاءة الحكم الذي انقلب عليه قائد الجيش، وهم يرون أن حديثاً كهذا من شأنه أن يضر بقضية الشرعية!
أتحدث عن "الدراويش" الذين يتمتعون بحسن النية وسلامة الطوية، ولا أستطيع أن أنفي أن من بينهم من هم يندفعون في مواقفهم بالبحث عن مكانة، ومنهم من يتم تحريضهم من قبل "اللابدين في الذرة"، حتى إذا ما انتهوا إلى "صفقة"، لن ترضي الشخصيات المستقلة، فإنهم يكونون قد مهدوا لعملية تشويه هذه الشخصيات، بواسطة من هم على النقيض في الموقف منهم تماما. فالمحرضون هم مع إنهاء ملف الثورة، ومع ذلك يدعمون من يقومون بعملية التشويه حتى وإن كان أحدهم ينام ويقوم على تجديد البيعة للرئيس، قبل الأكل وبعده، ولا أعرف معنى البيعة وتجديدها، والدكتور محمد مرسي لم يأت بالبيعة في صحن المسجد، فقد جاء عبر صناديق الانتخاب، وانتخب رئيساً لدولة وهو ليس خليفة أو وليا لأمر المسلمين!
لا بأس، فقد عرفنا من بين هؤلاء، من إذا وجدوا مجلسا إسلامياً أعلنوا انتماءهم للتيار الإسلامي، في حين أنهم وإن جاءوا من "المجهول السياسي" فإنهم لم يكونوا أبداً إسلاميين، ولم يكن الدفاع عن "الهوية الإسلامية" شاغلهم قبل هذا الانتقال، وعندما وجدوا أنهم يمكن أن يتصدروا المشهد، وإن حال دون تخطيهم الرقاب وجود شخصيات بحجم الدكتور محمد محسوب، إذن فلا بد من التشهير به، فقد تحدث عن أن هناك أخطاء ارتكبت في ممارسة الرئيس مرسي للسلطة، ولا مانع من تذكيره بأنه باستقالته من المنصب الوزاري قد ولى الدبر يوم التقى الجمعان، مع أنه وإن استقال فقد استمر منحازاً لشرعية الرئيس، لا يضره من ضل، ولم يذهب لاستقالته للمجلس العسكري، أو لجبهة الإنقاذ، وكان طبيعياً أن يغادر البلاد، لأن دوره في رفض الانقلاب العسكري ، وفي التحذير من أطماع السيسي معروف لقادة الانقلاب أنفسهم، وكان يمكن أن يحاسب عليه كما حوسب رئيس حزبه وكيله "أبو العلا ماضي"، و"عصام سلطان"!
عندما كتب الدكتور محمد محسوب شهادته، التي تتمثل في طلب العسكر من الإخوان قبول الانقلاب العسكري مقابل الخروج الآمن للرئيس، كان هذا مبرراً للهجوم عليه من جديد!
الشهادة تنصف الإخوان، الذين رفضوا قبول الدنية في أمرهم ولم يسمحوا بتمرير الانقلاب بهدوء، وكانوا يعلمون نتيجة رفضهم هذا، ربما لم يتوقعوا أن يكون بكل هذا الغشم والإجرام، لكن المطلوب هو التشهير بمحسوب، فقد ذهبوا يتهمونه بالتقصير، فلماذا لم يعلن هذه الشهادة مبكرا؟!
لا أعرف تقديرات محمد محسوب، لكن ما أعلمه جيداً أن الإخوان أنفسهم لم يعلنوا تفاصيل هذه المرحلة إلى الآن، ومنهم من كان قريباً من قصر الحكم في ذلك الوقت، ويحتفظ بما لديه من معلومات لنفسه، وقد التقيت بأحدهم وبدا حريصاً على أن يذكر لي ما جرى في هذه الفترة العصيبة، واتفقنا على تحديد موعد لاحق، ثم إذا به "فص ملح وذاب"!
لو أدلى محسوب بشهادته مبكرا لتم الهجوم عليه أيضا، وقد قرأت لمن يأخذ عليه قوله إن الرئيس كان موافقا على الانتخابات الرئاسية المبكرة، مع أن هذه المعلومة معروفة للجميع، ولم يعد أحد يشكك فيها!
في المقابل، ولأن النفوس تحمل مرارات، فقد وجدنا من يمسك في الشهادة من جانب آخر، فلم تعبر عنده عن استقامة الرئيس وجماعته برفضهم تمرير الانقلاب، فقد انصب حديثه حول: لماذا لم يقبلوا ولم تكن لديهم رؤية لمقاومة الانقلاب.. ويريد أن يحملهم فاتورة تكلفة الرفض الغالية من دماء، ومطاردات، وخراب!
قديما قيل: والنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله. وليس معسكر الانقلاب فقط الذي يأكل نفسه!