في خطابين للمنقلب، أحدهما في اجتماع بإعداد القادة من الشباب كما ادعى، والآخر في الاحتفال الإجباري في الذكرى الأولى لافتتاح التفريعة الخائبة لقناة
السويس، أراد المنقلب وسدنته من إعلام إفكه؛ أن يشيعوا حالة فرح زائفة. في واقع الأمر لم يكن هذا الاحتفال في حقيقة أمره إلا احتفالا بالفشل. لأول مرة يكون الاحتفال احتفالا بفشل ظاهر لا تخطئه عين.. أراد المنقلب أن يتحدث في هذا الاحتفال عن إنجازات زائفة، وأخبرنا بفرية كبرى أنه حقق من الإنجازات ما يصعب تحقيقه في خمس عشرة سنة، واستغرب من انتقاد الناس.. ظهر
السيسي محبطا وغاضبا، والسبب هو انتشار ما أسماه التشكيك في كل ما يقوم به أو تقوم به حكومته من أجل
مصر هكذا يدعي زورا وبهتانا، غضب من فضح فناكيشه القومية.
وكأنه أراد أن نفرح بالإكراه، نفرح بالأمر العسكري، لا أدري كيف يفرح الإنسان بفشله؟! عرفنا حتى في بعض أغانينا أن يفرح الإنسان بنجاحه، أما أن يفرح بفشله فذلك أمر جديد يعبر عن حالة فشل بعد فشل.. فشل جديد مصحوب بمحاولة دفاع عنيد عن هذا الفشل العتيد. لا أدري كيف للمستبد المنقلب أن يجعل الناس يفرحون بما لا يستدعي الفرح، وأن يستدعيهم إلى الاحتفال بالفشل، إلا أن يكون ذلك حالة المستبد الذي فقد لبه وذهب عقله يحاول أن يقلب الفشل نجاحاً، وقد تخطى تبرير الفشل إلى إدمانه وتصوره في خياله المريض إنجازا ونجاحا.
الاحتفال بالإكراه يحاول أن يغطي فيه المستبد على أوضاع متردية وعلى مشاريعه القومية التي لا تمثل إلا حالة "فنكوشية"، وأحلامه المتوهمة. الأمر في ذلك لا يدفعنا لأن نبحث عن أرقام أو بيانات هنا وهناك، أو عن دراسات جدوى اقتصادية غابت لاتباعه أساليب الفكاكة والسير على نهج الكفتولوجي، وربما لا نجتهد أو نتعرف على عائدات القناة الشهرية أو السنوية، الأمر صار أوضح من كل قضية تشير إليه معظم الدراسات والتقارير العلمية.
بل إن الإعلام الغربي وفي دول غربية متنوعة ومتعددة؛ اجتمع على استنكار ما اعتبره المنقلب احتفالاً بتفريعته الفرعية، خاصة أنه قد صاحب هذا المشروع خطاب حمل الناس على شراء أسهم في ذلك المشروع، وعلى استكتاب عام بلغ أكثر من ستين مليار جنيه، ووعد كاذب بأن القناة الجديدة ستدر أكثر من مئة مليار دولار، وحينما قيل له أن المشروع لم تكن له دراسات جدوى، ولم تكن له أولوية، صرخ المنقلب فينا: "إنكم أشرار لا تقدرون الإنجازات القومية، ولا تقيمون وزناً لهذه المشروعات الحيوية". حتى لو أن هذه المشروعات لم تعط عوائد مادية أو دولارية كما كان متوقعاً، يقول المنقلب حتى ولو لم يتحقق ذلك، فإنها رفعت روح الشعب المعنوية.
أرأيتم ذلك الخطاب الذي لا يبرر الفشل أو يمرره، ولكنه يزور الحقائق ويقلبها ضمن رؤاه الانقلابية، فيقلب الفشل إلى حالة نجاح أكثر من ذلك، يحتفل ويصر على أن يحتفل الجميع، وسيفرح الجميع أمرا وكرها، سيفرح الجميع بالأوامر العسكرية، إنه أمر يتعلق بعسكرة المجتمع والحياة المدنية.. الأكل بالأمر والشرب بالأمر والفرح بالأمر، والدفع بالأمر، وما عدنا نعرف أي أمر يمكن أن نفعله بلا أمر.
كيف يمكن أن نضم للاستدانة ترف الاحتفال بالفشل، إلا أن يكابر المنقلب المستبد؟ أرأيتم ذلك النمرود الجديد حينما يقول أنا أفرح وأبكي، على غرار من ما قاله النمرود القديم أنا أحيي وأميت؟ فإن قلنا بعقل العاقل وحساب الفطرة: على أي أمر نفرح؟ قال أنا النمرود الجديد.. عناد ومكابرة، كذب وإفك ومؤامرة، أرقام لا تسعفه فيفبرك عائدات حتى يقدم إنجازاته العامرة.. يتلاعب المنقلب ويلعب سدنته لعبة العائدات، فقد حصلوا العائدات بالدولار، ولكنها أقل من عائدات سابقة في الفترة نفسها، فحولوها إلى جنيهات مصرية، وبذلك زادت العائدات.. العائدات قد زادت بالجنيه المصري، ما هذه المسرحية الهزلية وما تلك العبقرية.
أن تجرى الحسابات بجنيهات مصرية، رغم أن العائدات حصلت برسوم دولارية!! أي عبث هذا تقوم به إدارة القناة والسلطات الانقلابية للإعلان عن إنجازات وهمية!! هل يغير هذا الأمر من خسارة مادية؟ أم إننا ما زلنا نتعامل مع هذه الأمور وفق كتاب "الفكاكة السيسية"، رغم أن هذه "الفكاكة" تشير إلى خيبتين: خيبة تراجع العائدات الدولارية من تفريعة القناة، وخيبة الجنيه المصري بعد ارتفاع الدولارات بسرعة جنونية، ومن قلب هاتين الخيبتين وهذين الإخفاقين يتحدث بعبقرية جهنمية عن حالة نجاح وإنجاز لمنظومته الانقلابية؟ أليس هذا علامة إفلاس توضح أن هذا الرجل لم يعد يملك ما يضحك به على عموم الناس البرية؟
إنه احتفال بالإكراه، إكراه للعقول والفطر السوية أن تحتفل بالفشل وتحاول أن تدلس على نفسها بحيل حسابية ما بين الدولار والجنيهات المصرية، ماذا يمكن أن نقول عن طريقة المستبد ومنظومته الانقلابية؟! يفعل ما يفعل استخفافا، ولكننا لم نكن نتصور أن الاستخفاف يمكن أن يصل إلى هذه الحدود اللاعقلانية. هل يمكن بعد ذلك أن نصدق حديث الإنجازات وحديث الأشرار وحديث المؤامرة وأحاديث المقامرة وأحاديث المغامرة وأحاديث الإفك والتجديف والمداورة؟
أنظل أسرى لأحاديث دعايات إعلامية وأحاديث الشؤون المعنوية ورفع الروح المعنوية؟ أليس لنا أن نتساءل أين تلك الحالة الإنجازية؟ تغضب إذا ما تساءل الشباب عن ذلك.. أين هي الحقيقة وأين هي القضية؟؟ هل ستظل تمارس أحاديث الأوهام وبيع الأحلام؟ هل سيخفي ذلك أفعال الخراب والدمار التي عششت في كل مكان؟ هل يمكن لذلك أن يجبر أحوال الناس التي تدهورت وانحدرت، وأسعار دولار وأسعار سلع ارتفعت، وطاقة الناس التي لم تعد تحتمل، وأنين من الألم ممن يتضورون جوعا، ولا يستطيعون أن يسدوا رمقهم، وبعد ذلك تقول لهم افرحوا؟!
على ماذا يفرحون؟! على نفوس قتلت؟ أم على أرواح أزهقت؟ أم على أناس أرهقت؟ أم على همم أنهكت؟ على ماذا يفرحون؟! على دولار ارتفع يأكل مرتباتهم؟ وأسعار ازدادت تأكل أقواتهم؟ وعلى أمور وكوارث تأتي فتزيد من آلامهم؟ على ماذا يفرحون؟! على أرض وطنهم قد بيعت أمام عيونهم؟ وديون اقترضت على حساب أولادهم ومستقبل أجيالهم؟ على مريض لم يعد يجد الدواء أو الطب في مستشفياتهم؟ على طالب سربت امتحاناته من أجل إرضاء فشل كبرائهم وأولادهم؟ على أي شيء يمكن أن يفرح هؤلاء؟ يفرحون بأحمق أضر ببلادهم؟! يفرحون بمستبد قتل أولادهم؟ لا شيء يمكن أن يفرح به هؤلاء، إلا أن يتخلصوا ممن يكره الناس حتى على أفراحهم.