لم تجد حكومة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلا أملاك هيئة
الأوقاف المصرية لتمد يدها إليها، تحت دعاوى سد
عجز موازنة الحكومة، وأنها تابعة للدولة، في حين تتغاضى عن حصر أملاك الكنسية المصرية، وسط رفض واسع من شيوخ وقانونيين وسياسيين.
وكان السيسي أصدر قرارا جمهوريا رقم 300 في تموز/ يوليو الماضي، بتشكيل لجنة لحصر أملاك هيئة الأوقاف المصرية من الأراضي والمباني والمشروعات والمساهمات في شركات، لإدراجها لصالح الدولة لدعم الاقتصاد القومي.
وأنحى أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، وأمين عام جبهة علماء الأزهر، يحيى إسماعيل، باللائمة على الحكام الذين تتابعوا على حكم مصر منذ عهد محمد علي "في التلاعب بالأوقاف وشروطها والتفريط في حقوقها".
سطوة الحكام
ورفض في تصريحات لـ"
عربي21" محاولة الدولة وضع يدها على أملاك الأوقاف "لأن شرط الواقف مثل شرط الشارع، لا يجوز الاعتداء عليه لا بالتغيير ولا بالتبديل"، معتبرا أن "مثله مثل الذي يفرض على المساجد ضرائب، أو يحاسبها على المياه، والكهرباء، وهو أمر يخالف الشرع".
وأكد أنه "من هنا ضاعت مكانة الإسلام والمسلمين؛ فالأصل أن العالم يأخذ راتبه من مال الأوقاف الموقوفة، مثله كمثل القسيس الذي لا يتقاضى راتبا من الدولة، إنما من كنيسته"، مشيرا إلى أن "أرض المنيل والدقي (بالجيزة) على سبيل المثال أرض وقف منذ مئات السنين، ونصف بحيرة البرلس، وغيرها، وتم الاعتداء عليها".
وتابع: "لما جاء عبد الناصر (الرئيس الراحل) ضم أوقاف المسلمين إلى وزارة الزراعة وترك أوقاف النصارى"، متسائلا: "لماذا لا يستطيع أحد الاقتراب من أوقاف الكنيسة؟"، واستدرك قائلا: "ونحن لا نبيح الاستيلاء على أوقاف المسلمين أو المسيحيين"، معتبرا أن موقف "البرلمان المطالب بالاستيلاء على أموال الأوقاف، هو موقف من يسعى لنيل رضى الحكومة".
مساواة المساجد بالكنائس
بدوره تساءل عضو لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، الشيخ هاشم إسلام: "هل تستطيع الحكومة أن تأخذ أوقاف اليهودية، أو المسيحية، أو تقدِم أي دولة في العالم على الاستيلاء على أوقاف
كنائس البروتستانت، أو الكاثوليك، أو الأرثوذكس؟ هذا لا يجوز لا عندهم ولا عندنا".
وقال لـ"
عربي21": "لا يجوز شرعا التعدي على أملاك الأوقاف؛ فشرط الواقف كأمر الشارع"، مطالبا في الوقت نفسه بالبحث عن مصادر أخرى لدعم موازنة الدولة "فهناك أموال متهربي الضرائب، والفاسدين، على الحكومة ألا تهملها".
وحذر من أن "سلب الأوقاف أموالها، أو جزء منها لصالح الدولة يُضعف شوكة الدعوة والدعاة، فأموال الأوقاف تنفق على عمارة بيوت الله، وعندما تنضب تلك الأموال، فمن يعمرها"، مضيفا: "نطالب بمساواتنا بأوقاف المسيحيين"، واصفا ما يحدث "بالحرب الممنهجة على الإسلام، كدعوة المصلين أو المساجد إلى دفع فواتير المياه والكهرباء".
وبين أنه "بالأصل كان الأزهر مؤسسة جامعة، تنضوي تحته هيئة الأوقاف، والفتوى، والوقف كان للأزهر، وفي نهاية القرن التاسع عشر، استحدثوا دارا للإفتاء، وفي بداية القرن العشرين سلخوا المساجد من الأزهر، وأنشؤوا وزارة الأوقاف وهي غير تابعة للأزهر".
مخالفة الدستور
واتفق مصدر قضائي بمجلس الدولة، (لم يذكر اسمه) مع رفض الشارع، بالتصرف في أملاك وأموال الأوقاف، وقال لـ"
عربي21": "لا يجوز استخدامها في غير وجهتها، وإذا أرادت الدولة فعل ذلك فلا بد أن تفعله بقانون، لأنه ملكية خاصة من الناحية الدستورية".
وأكد أن البعض يعتقد حتى من المنخرطين في الحياة السياسية، والبرلمانية، "أن الوقف خاضع لأملاك الدولة، وفي الحقيقة هو مملوك ملكية خاصة بأصحابه".
ولفت إلى أن "أي وقف محمي دستوريا؛ وأي قرار نزع ملكية من أي سلطة يجوز الطعن عليه من المحاكم المختصة، والمخول بالطعن الجهة المتضررة، والمخول بالحكم فيها هي محاكم مجلس الدولة"، لافتا إلى أن "هيئة الأوقاف ربحت العديد من القضايا ضد المحافظات، وهناك عشرات الأحكام بذلك".
الكنائس ترفض
الأنبا انطونيوس عزيز، ممثل الكنسية الكاثوليكية في لجنة الخمسين (لجنة دستور 2014) شدد على موقف "الكنيسة الرافض لأي تصرف في أموال الوقف لصالح أي جهة". وقال لـ"
عربي21": "إن الوقف مرهون بما وقف عليه؛ فهو ليس أموالا عامة، إنما أموال خاصة بالكنيسة، لا بد أن تصل إلى هدفها".
وأكد أن مبررات الدولة بحاجتها للأموال "لا يعني أن تستغل هذه الأموال والممتلكات لأي سبب كان، ولا يجوز استخدام مال أي وقف إلا فيما أوقفت عليه، لصالح أي جهة كانت".
وشدد على أن "هذه الأوقاف ليست ملك الدولة، ولنواب البرلمان أن يقولوا أو يدعوا إلى ما يشاؤون، فهي مثلها مثل المعاشات، أموال خاصة"، مشددا على أن "مثل تلك الدعوات لا تصب في الصالح العام سواء للمسلمين أو المسيحيين، وأنهى حديثه بالتأكيد على أن هذا "ليس الطريق الأمثل لحل أزمة البلاد الاقتصادية".