ما زلت أظنُّ وأعتقد أن أكبر معركة بين المتحاربين على هذه المطحية، وهم ذكور عادة، هي على جسد المرأة وليس على البترول والأرض، أو على مبادئ القانون الدولي أو ما يسميه بشار فرانكشتاين الأسد "المسؤولية".
اشتدَّ أوار المعركة بين زيّ البحر (وكدّت أقول زيّ الحرب) الغربي الجديد، الذي لا يتجاوز عمره نصف قرن، وبين زيّ البر الإسلامي الجديد الذي يزال حصرما، لا يتجاوزه عمره أربعة عشرة سنة، والمعركة لا تكافؤ فيها، والنصر فيها للبكيني، كما سيفتي الفرزدق في ختام هذا المقال.
صممت الزيّ أسترالية مسلمة لبنانية اسمها عايدة زناتي، وشكرت فرنسا على حماقتها، فروجت للزيّ ترويجا كبيرا، وكانت هذه الموقعة قد صارت عالمية حربا عالمية رابعة، بعد حرب سورية الثالثة، عند عرض رياضة الكرة الشاطئية في أولمبياد ريو، فاتهم مراقبون رياضيون لم يقرؤوا للمجاهد الفقيه الشهيد الذي خاض سبعة حروب ضد الغزاة وقضى حياته في السجون؛ حرفاً واحد، أو يسمعوا له فتوى واحدة، وكانت له قصيدة نثرية رائعة يقول فيها : "ما يفعل بي أعدائي، إنّ سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة". قال النقاد الغيارى على الرياضة: إن المشاهد ينزلق إلى متابعة كرات أخرى غير الشاطئية، وهي التي قال عنها الشاعر السوري المعفوش: إنّ نهديك يؤرجحان في الهواء قلبي... وصاحوا مطالبين بعلمانية رياضية: ارحموا الرياضة، وافصلوا بين الكرة الرياضية والشهوة الجنسية.
ووصل الصراع إلى البرلمانات وسنّت له القوانين، وكشفت البكيني عن ساقيها، وقالت الشرطة للسيدة التي ضبطوها بعار الجرم المشهود: "عودي ع بلادك عودي، سمرا وين الحاصودة"، فاستجابت البوركينية لطلب الشرطة، وليتها لم تستجب، وليتها حبست وصارت بطلة.
الزيّ هوية يا سادة، وفرنسا خائفة على هويتها المسكينة. ساركوزي في لقاء تلفزيوني أخير ما زال مصراً وملحاً على أنّ الزيّ سيشجع أخريات مسلمات على التأسي فنحن نكاد، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا، يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا، إلا أن البرلمان الفرنسي تراجع، وبان هلال النصر، "فالزيّ ليس خطرا على السلم الأهلي". وما زالت بلديات فرنسية تحارب الزيّ. القضاء الغربي لا يزال يثير إعجابا عربيا منذ أيام أسامة بن منقذ والحروب الصليبية. وكان إعلام فرانكشتاين الأسد، ولا يزال، يصنّف نفسه مع الغرب فهو عميل حكوماتها الصليبية، ويسخر من الأزياء العربية. فهو لا يعرف ما هي الثقافة.
وقرأت دراسات علمية عن سرطان الجلد الذي تسببه أشعة الشمس وتأثيره في جلد المرأة الذي يختلف عن جلد الرجل. وسينبري لنا آخرون بدراسات مضادة، العلم لم يعد علما يا أيتها العير "وما صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ". وأمس قرأت دراسة، ثم سمعتها خبرا على التلفزيّون، تحضُّ الذكور على النظر إلى مؤخرات النساء لأن ذلك يقوي الذكاء والذاكرة ويجعل الذكر عبقريا نجيبا. هذه دراسات تروجها شركات متوحشة، هي نفس الشركات التي جعلت من مشروب الكوكا الفاسد مشروبا سحريا يعيّد الشاب، بينما هو على الحقيقة مشروب سام، يكسّر العظام، وينخر الأسنان، ويهدم البنيان.
أثبت الغرب في طليعته الفرنسية أنّ رجالهم يتمددون بحرارة البوركيني وينكمشون ببرودة البكيني، وأعادت هذه الموقعة إلى أذهاننا ذكريات حرب الطربوش والعمامة المصرية في أواسط الخمسينيات، ورأي كاتب هذ السطور هو أنّ زيّ البحر كانت له سيرة ذاتية، بدأ فيها ضافيا سابغا، ثم كشَّ وخاب وخسَّ وضمر، وتحول إلى خيوط كخيوط بيوت العنكبوت فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ.
ولتجدنَّ في بحار غوغل وعلى شواطئها أفلاما عن تطور الزيّ الذي بدأ محتشما إلى أن وصل إلى ما ترونه من نحول. ونرى في الأفلام الامريكية القديمة المرأة تضع غطاء على رأسها، لكن شاءت مدارس الغرب (المدرسة التقدمية لكوندرسيه) أن تسمي هذا بالتطور والحداثة. الفترة الذهبية للمرأة وجسدها هي أربعون سنة، ولهذا ضنّت ميرفت أمين في الجامعة في "مرجان أحمد مرجان" على المشاهدين، بزيّ بحري بكيني، ولبست واحدا محتشما يصل إلى الركبة، خوفا من ضبط آثار الزمن على جسدها الزبيب بالجرم المشهود.
يظنُّ كثيرون أنَّ الغربي صار قليل التأثر بخمرة العري، إلا أن هذا ليس صحيحا، فهو أناني يريد المرأة عارية، مستردة، وما زلت مثل كثيرين أرى أنّ العربي المسلم لو خيّر لاختار انتخاب دولة إسلامية لكنه سيفضّل العيش في دولة علمانية؛ فهو يريد أن يعيش حياة مثل حياة الفيس بريسلي، وأن يموت مثل ابن تيمية وابن القيم، وهذا ما يقول القرآن الكريم: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وذلك لدنو الدنيا وقلة اليقين، وليس صحيحا أنّ الدو أعش والسلفية يؤثرون الآخرة، فقد وجدنا أنهم علمانيون أكثر من فولتير وهولاند (والأسد) فتركوا ما للسيسي للسيسي، وما لله لله للسيسي أيضا. ألا بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
ولي صديق مصري مقيم في المانيا هارب مثلي من الحكومات التفكيرية العلمانية العسكرية، اسمه وكيع، وقد شكوت إلى وكيع برد أوروبا، فقال محتدا: برد ايه وهباب ايه يا عمنا، وأشار الى نساء بني الأصفر في زيّ البحر، في البر، فتذكرت أني احتاج إلى تقوى النبي يوسف عليه السلام وقد قالت له امرأة العزيّز هيت لك، وقال وكيع: احنا رايحين في ستين داهية. وكان قد راح في داهية واحدة، وبدأ يلبس الخوذة وهو يقود الدراجة خوفا من الحوادث والمحدثات والبدع، والحياة التي صارت كلها شاطئية من غير شواطئ. تعرض صاحبنا إلى ما يسمونه في علم الفيزيّاء "الصدم المرن"، فكسرت ناصيته. ناصية كاذبة خاطئة.
ولو خاض عنترة معاركه بين هذه الحسان لخسر خُسراناً مبيناً وعادت راياته حمرا قد روينا. ولو كان امرؤ القيس بين بنات بني الأصفر هاته، لقال: "اليوم خمر بكيني وغدا أمر يمّا ارحميني". وأظنُّ أن عنترة لو عاش في بلاد الفرنجة ما قال: وأغضُّ الطرف عن جارتي... ولربما أُعجب عنترة بالمليونير الجزائري، حامي الظعائن الذي يجبر عثرات الكريمات ويدفع عنهن الغرامات لصندوق الغرامات الفرنسية، إنها لذات حظ عظيم.
يدخنُّ صديقي المصري سيكاره في نفس واحدة، تذوب فيها عقب السيجارة والرماح نواهلٌ من دمه: دي مزز، كلها نيكو-تين يا عمنا، فأقول كلها: "تين" من غير قطران، وأغمز له غمزة فيسبوكية. صرت أيضا أقتدي به، وأرتدي الخوذة وعدة الحرب عندما أخرج الى الشارع على الدراجة، خوفا من حوادث "الصدم المرن".
وكما قال القائل: قلّ للمليحة في الخمار البكيني ماذا فعلت بنازح مسكينِ، قال المثل الشامي: لاقيني (افهمني) ولا تطعمي، أو بوركيني ولا تـ"بكيني".
نعود إلى الفرزدق الذي فسر لنا سبب شيوع البكيني وانتصاره في جميع المعارك، فما أن تفتح صفحة في جريدة أو موقعا في شبكة عنكبوتية، حتى تبرز لك حسناوات بالبكيني تغني لك أغنية "صليل الصوارم". وتطلب النزال، والكفاح والقتال، فقد داخ فيه الشاعر ابن زيدون مثل وكيع، ولم يعد يعرف ماذا يفعل بنا خيط ثوب البكيني: وَإنْ كانَ يُرْوِينَا فيُظمِينَا.
جاء في العقد الفريد (بعد تصرف في النقل وإجراءات فيدرالية من طرف واحد):
وكانت النوار بنت عبدالله قد خطبها رجل، فرضيته، وكان وليها غائباً، وكان الفرزدق وليها، إلا أنه كان أبعد من الغائب، فجعلت أمرها إلى الفرزدق، وأشهدت له بالتفويض إليه، فلما توثق منها بالشهود، أشهدهم أنه قد زوّجها من نفسه، فأبت منه، ونافرته، وهربت من الفرزدق إلى عبدالله بن الزبير، فنزل الفرزدق على حمزة بن عبدالله بن الزبير، ونزلت النوار على زوجة عبدالله بن الزبير، وهي بنت منظور بن زبان، فكان كل ما أصلح حمزة من شأن الفرزدق، نهاراً أفسدته المرأة ليلاً، حتى غلبت المرأة، وقضى ابن الزبير على الفرزدق، فقال الفرزدق يقرُّ بالهزيّمة أمام بأس البكيني وجبروته: