ارتبط
الفساد في
مصر بنمط الحكم الذي تعيشه البلاد منذ خمسينيات القرن الماضي، وبات قيمة سياسية لا يمكن تصور أي فترة حكم بدونها، ولم يسلم منه رئيس دولة، أو وزير في حكومة، أو مسؤول في مؤسسة، وفق العديد من المراقبين والمحللين.
وشهدت الحياة السياسية في مصر، منذ الانقلاب العسكري، موجات إقالات واستقالات لمسؤولين بعد احتجاجات وانتقادات شعبية، وهو ما يفسر وقوع مصر بالمرتبة الـ88 من بين 168 دولة على مستوى العالم على مؤشر الفساد العالمي، العام الماضي، والذي تصدره منظمة "الشفافية الدولية".
في هذا الصدد، قال عضو المكتب التنفيذي لحركة "قضاة من أجل مصر"، المستشار عماد أبو هاشم، إن "النظام العسكري الحاكم في مصر ينتهج في تعيين المسؤولين في مصر قاعدة "أنا فاسد إذًا أنا مسؤول"، مضيفا أن "هناك تزاوجا كاثوليكيا بين الفساد والسلطة في مصر، وكأنهما وجهان لعملة واحدة".
تزاوج الفساد بالسلطة
ولفت إلى أن "ما نسمع عنه من حينٍ لآخر عن إقالة مسؤولين والتحقيق معهم في قضايا فساد، يأتي في سياق تصفية لحسابات أخرى تتصل بمنظومة الفساد نفسها، وغالبا ما تكون للثأر من المسؤول المارق وردع الباقين"، مؤكدا أنها "لا تتعلق بمحاسبة المسؤول في مصر".
وأكد أن "النظام العسكري الحاكم نظامٌ يقوم على الأخذ بيد الفاسدين، وحماية الفساد، والدليل على ذلك وزير العدل المقال الذي اتهم بالعديد من قضايا الفساد، ورغم ذلك كافأه النظام بالتعيين وزيرا للعدل، فلو كان النظام جادا في ملاحقة الفاسدين لكان الزند اليوم وراء القضبان، أقول لهم حاسبوا الزند قبل أن تحاسبوا وزير التموين".
الفساد في منظومة
بدورها، قالت الكاتبة الصحفية، فجر عاطف، لـ"
عربي21" إن "فساد الانقلاب ليس مجرد سرقة لبعض الأموال، أو لبعض المناصب، لكنه في الأساس منظومة متكاملة قامت على أساس الخيانة والانقياد للصهيونية العالمية"، مضيفة أن "هذا في حد ذاته أعلى من مجرد فساد".
وتابعت: "الفساد في تعريفاته وأسسه العالمية يتعلق بالسعي لمصلحة خاصة مثلا أو سرقة بعض من مال الدولة، أما ما نحن بصدده فهو سرقة الدولة بكامل هيكلها، ومن ثم فمنظومة كتلك يتحاضن فيها كافة أصحاب المصالح، وكافة راغبي التسلق والصعود بغير كفاءة وبغير حق".
ورأت أن الفاسد "لا يستخدم إلا فاسدا، وسارقا، وموتورا؛ وهو يعكس طريقة حكم العصابة التي تقتات من دماء الشعب"، لافتة إلى أن "كل ممارسات النظام، وسياسته لا تشير أبدا إلى أي رغبة في تتبع الفساد والمفسدين، بقدر ما هي محاولة لإلهاء الناس، ليس إلا".
ويقيس خبراء مدى انتشار الفساد، بالمحسوبية والرشوة، ومستوى الأمن والاستقرار بالدولة، ومدى تطبيق القانون، ودرجة السلمية بالتعبير عن الرأي، وثقة المواطنين بالحكومة، والأمراض والأوبئة المنتشرة، وأخيرا معدلات الرفاهية.
الفساد من آفة إلى عقيدة
أما المتحدث الرسمي باسم تنسيقية طلاب مصر، حازم رضا، فرأى أن الفساد في مصر "تحول من مجرد آفة بغيضة إلى عقيدة عند الحكام والمحكومين في مؤسسات الدولة كافة". وقال لـ"
عربي21": "إن الفساد أصبح ضرورة من ضروريات الحياة التي لا يمكن الحكم بدونها، وتحول من وسيلة إلى غاية".
ولفت "رضا" إلى أن "ثورة يناير لم تستطع القضاء على الفساد المتغلغل داخل الدولة، كونه راسخا متجذرا، والذي أنتج بدوره نظام 30 يونيو، الذي عمل على إعادة تدوير الفاسدين"، مؤكدا أن "معيار الاختيار لدى النظام ليس من بينها الأمانة أو الكفاءة والشرف".
وأضاف أن "العديد من أعضاء حكومة
السيسي، والبرلمان الصوري متورطون في قضايا كسب غير مشروع، ويجاهرون بسجلهم في الفساد، والسرقة"، مشيرا إلى أن "السيسي قام بتعيين عاطف عبد الحميد، محافظا للقاهرة، بعد شغور مكانه لشهور، ليخرج علينا بمحافظ مدان في قضية كسب غير مشروع".
وكان جهاز الكسب غير المشروع أخلى سبيل وزير النقل والمواصلات الأسبق، عاطف عبد الحميد، بعد تسدديه المبالغ التي حصل عليها من أرباح شركة مصر لخدمات الطيران بالمخالفة للقانون والكسب غير المشروع.
نهج الانقلاب
من جهتها؛ قالت المنسق العام للتحالف الثوري لنساء مصر، منال خضر، لـ"
عربي21": "إن ما جاء على مبدأ الخيانة والغدر لابد أن يكون منهجه الفساد ورفاقه المفسدين"، وبينت أن "من يرضى بالخوض في مستنقع النظام الغارق بالدماء لابد أن يكون على شاكلتهم".
ووصفت نظام السيسي "بالنظام المتآمر على حقوق وحريات المواطنين"، وحملت النظام "مسؤولية المجيء بمفسدين؛ لأنهم يستمدون قوتهم من اتحادهم ضد الحق والعدل، وحقوق المواطنين، فالفساد هو الترياق الذي يمدهم بالحياة".
وانتقدت مساعي النظام الحثيثة نحو عسكرة البلاد، "حتى أصبحت مصر دولة
الجيش، وليس الجيش ملك شعب مصر"، معتبرة أن "تغيير وجوه الفاسدين حكومة تلو الأخرى، لا يأتي إلا بوزراء لصوص وفسدة"، على حد قولها.