أثار الإخلاء المتسارع والمتوالي لمناطق في
ريف دمشق من أهلها ومقاتليها، وتوجه معظمهم إلى الشمال السوري، تساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى "انفراط" هذا العقد.
فبدأت السلسلة في
داريا في آب/ أغسطس الماضي، ثم لحقت بها
المعضمية والهامة وقدسيا هذا الشهر، فيما يضغط النظام على مناطق أخرى تتعرض للحصار الخانق؛ لتطبيق السيناريو ذاته.
وفي هذا السياق، رأى عضو المركز الإعلامي في المعضمية، محمد أبو خالد، أن سياسة
الحصار التي اتبعها النظام السوري على المعضمية وداريا وغيرهما من مناطق ريف دمشق على مدار أربع سنوات متتالية كانت هي السبب الأهم في
التهجير القسري للسكان عن بلداتهم.
وقال أبو خالد لـ"
عربي21": "الحصار كان حرب استنزاف صعبة وطويلة الأمد، ونفذها الأسد بخطوات بطيئة، فأفرغ من خلالها المدن التي هادنته من أي مقومات أساسية للحياة، من غذاء أو دواء ومستلزمات طبية ومحروقات، وجميعها عوامل جعلت حالة من اليأس الشديد تسيطر على المدنيين والعسكر على حدً سواء في تلك المناطق".
وأشار الناشط الإعلامي إلى أن المساعدات الإغاثية التي كانت تقدمها الأمم المتحدة للمحاصرين لم تكن كافية لمقارعة حصار النظام السوري، "فكان المطلوب هو رفع الحصار لا تجزئته أو التخفيف من وطأته كل ستة أو سبعة أشهر"، منوها إلى أن كل مؤتمر دولي كان يحصل حول
سوريا يخرج بقرارات سلبية تنعكس على المحاصرين من مدنيين وعسكريين، "وسط استمرار حالة من اليأس من أساليب الحصار التي كان يتبعها نظام بشار الأسد، وهنا بدأ الجميع بالتفكير بأقل الخسائر والأضرار، فتم قبول التهجير من قبل المدنيين والعسكريين"، كما قال.
من جهته، قال العقيد ناصر عبد الرحمن، وهو قيادي في الجيش الحر ممن تهجروا من ريف دمشق نحو الشمال السوري، إن "هنالك أسبابا جوهرية وموضوعية لما آلت إليه الأوضاع في ريف دمشق، فمن العوامل الداخلية أن غالبية المناطق المهادنة مع النظام والمحاصرة من قبله لم تحصل على مؤازرة عسكرية من خارج ريف دمشق لفك الحصار عنها، حيث تفرد النظام السوري بكل منطقة على حدا، متبعا سياسة الضغط على المعارضة المسلحة من خلال الحاضنة الشعبية التي حرمها من أدنى مقومات الحياة، ومنع دخولها أو خروجها إلى المدن".
ورأى العقيد عبد الرحمن، في حديث لـ"
عربي21"، أن عامل التوحد العسكري في أي مدينة لم يكن عاملاً مهماً في منع عملية التهجير، "إذ إن المناطق المحاصرة في عموم الريف الدمشقي لم تسقط عسكرياً، والمعارضة أبدت مقاومة شرسة، ولم ينجح الأسد بالسيطرة على أي منها عسكرياً رغم إمكانياته الكبيرة مقارنة بإمكانيات المعارضة، ولكن ضعف التنسيق بين مدن وبلدات ريف دمشق عسكرياً كان عاملا مهما استفاد منه الأسد في فرض بعض شروطه على المعارضة المسلحة"، وفق تقديره.
وأضاف العقيد ناصر عبد الرحمن أن "المعارضة في ريف دمشق كانت تحتاج لسلاح نوعي ودعم عسكري من الفصائل في الخارج، ودعم مالي للهيئات المدنية العاملة في تلك المنطقة لمواجهة الحصار الشديد، ولكن المجتمع الدولي منع تسليح تلك المناطق بالسلاح المتوسط والثقيل والنوعي، وكذلك وقفت غرفة الموك وبعض الدول في وجه فصائل درعا والقنيطرة للتقدم نحو ريف دمشق للتخفيف من حدة الحصار، فوصلت نتائج الحصار الطويل إلى قبول المناطق بالتهجير كخيار مفروض لا مرغوب".
بدوره، قال محمد علي، الناشط الإعلامي في "تنسيقية مدينة قدسيا"، بريف دمشق: "العامل الجغرافي يعد من أسباب التهجير القسري لأبناء قدسيا والهامة، فكلا المدنيتين محاصرتان بشكل كامل، ولا يوجد أي طريق إمداد عسكري لهما، كما أن الأعداد الكبيرة للمدنيين داخل قدسيا والهامة كان عاملاً ضاغطاً على المعارضة، بالإضافة لقلة الدعم المقدم طبياً وإغاثياً لمواجهة الحصار الذي فرضه الأسد عقب هدنة وقعت معه في وقت سابق".
وبدأت البلدات التي تم تهجيرها نحو الشمال السوري من داريا في غوطة دمشق الغربية، ومن ثم تلتها كل من قدسيا والهامة، وبعد ذلك التحقت مدينة معضمية الشام بقافلة التهجير، فيما تتجه الأنظار نحو منطق أخرى محاصرة في الريف الدمشقي، وسبق أن أبرمت "هدنا" مع النظام، مثل مدينة التل وغيرها.