حين رأت سعدى العبود مقاتلي
تنظيم الدولة يستقدمون تعزيزات وأسلحة إلى قريتها الصغيرة شمال مدينة
الرقة، سارعت مع أطفالها إلى الفرار، خشية من أن يستخدمهم الجهاديون دروعا بشرية مع تقدم قوات سوريا الديمقراطية نحو المنطقة.
وتقول سعدى (45 عاما) بعد فرارها بلباسها الأسود من دون أن تتمكن من أن تحمل شيئا معها، من قرية الهيشة: "أحضر الدواعش القذائف وتمركزوا في قريتنا حتى يضربنا الطيران ويقتلونا".
وتضيف السيدة التي خطت وشما تقليديا على ذقنها: "لم يعودوا يسمحون لنا بالمغادرة، لكننا هربنا وصرنا نركض في العراء، لا سيما الأطفال والنساء".
وتقع قرية الهيشة التي يسيطر عليها الجهاديون على بعد 40 كيلومترا شمال مدينة الرقة ونحو 13 كيلومترا جنوب شرق مدينة
عين عيسى التي تعتبر إحدى النقاط التي انطلقت منها قوات سوريا الديمقراطية، تحالف الفصائل العربية الكردية المدعوم من واشنطن.
ودفع تقدم قوات سوريا الديمقراطية التي بدأت السبت معركة لطرد تنظيم الدولة من الرقة، أبرز معاقل الجهاديين في سوريا، العشرات من المدنيين إلى الفرار من مناطق سيطرة هؤلاء، خوفا من اشتداد حدة المعارك وأخذهم كدروع بشرية.
وتقول سعدى لدى وصولها إلى أطراف عين عيسى بانفعال: "ماذا بإمكاننا أن نفعل؟ تركنا كل شيء خلفنا ومشينا".
في طريق صحراوية تؤدي إلى عين عيسى، مرت نحو 20 شاحنة على الأقل ضاقت بركابها من أطفال ونساء يرتدون ثيابا مزركشة الألوان ووجوههم مغطاة بالغبار.
وكان بعضهم، لا سيما الصغار منهم، يرفعون شارات النصر، وهم بالكاد يجدون مكانا للوقوف وسط الحقائب والأكياس والبطانيات وحتى الأغنام التي أحضروها معهم.
واستخدم آخرون وتحديدا الشباب، الدراجات النارية للفرار. واستقل إحداها رجلان وتوسطهما خروف.
وقبل كيلومترات عدة من مدينة عين عيسى، تتوقف الشاحنات أمام نقطة أمنية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية. ويخضع عناصر الحاجز الواصلين وأغراضهم لعمليات تفتيش دقيقة، خشية من تسلل جهاديين في صفوفهم.
ويعمل أحد المقاتلين بلباسه العسكري على توزيع مشروبات باردة على النازحين.
ويروي راعي غنم فر مع أغنامه، ورفض الكشف عن اسمه خشية على أقربائه، كيف تمكن من الفرار من قريته التي يسيطر الجهاديون عليها.
ويقول: "خفنا كثيرا حين بدأت الاشتباكات، هربنا في بادئ الأمر إلى البرية مع أغنامنا، ومنها إلى هنا"، قبل أن يضيف بتأثر: "الكثير من أهالينا عالقون هناك".
وتقر وزيرة الجلي (34 عاما) بالخوف الذي شعرت به مع اقتراب المعارك من قرية الطويلعة التي تتحدر منها، وتوضح أنه مع بدء الهجوم "خفنا من الطيران ومن الدواعش" في آن معا. لكن مع بدء الغارات "رمينا البرقع وقلنا: الله يخلصنا منهم"، في إشارة إلى الجهاديين.
ويعرب الرجل الأربعيني محمد محمود إسماعيل عن سعادته للفرار من قرية الحدريات في ريف عين عيسى، ويقول وهو يجلس خلف ابنه على دراجة نارية: "الحمد لله تحررنا. كان الوضع سيئا".
ويضيف: "إذا حلقت ذقنك، عليك أن تدفع 30 ألف ليرة (60 دولارا) كغرامة ويسجنونك ويأخذون هويتك ولا يعيدونها إليك قبل أن تخضع لدورة شرعية".
ويطبق التنظيم أحكامه الخاصة على المناطق التي يسيطر عليها، ويلزم النساء بارتداء البرقع ويمنع الرجال من حلق ذقونهم تحت طائلة غرامات باهضة. ويطبق عقوبات قاسية على كل من يخالف أحكامه.
وعلى وقع تصفيق أطفال يستقلون شاحنة ودوي قهقهاتهم عاليا، يقول أحمد ياسين (خمسيني) بينما يقود شاحنة بيك اب صغيرة بابتسامة عريضة: "اليوم عيد علينا"، قبل أن تقاطعه راكبة بقربه تحمل رضيعا بالقول: "من شدة فرحنا نريد أن نبكي".
في حين تعرب هيزا العطية عن شعورها بالأمان بعد وصولها مع أفراد من أسرتها إلى عين عيسى، إلا أن فرحة هذه السيدة الستينية بتدخين السجائر في الهواء الطلق لا يضاهيها شيء.
وتقول وهي تشير إلى سيجارة تحملها بيدها: "والله إن هذه السيجارة تساوي عندي مال العالم كله".