فاجأت قوات تابعة للجيش
اللبناني سكان "مخيم الإنماء" التابع لمنطقة الريحانية في عكار، شمال لبنان،
اللاجئين السوريين هناك بقرار إخلائه في مدة أقصاها عشرة أيام، اعتبارا من يوم الجمعة الماضي، ما يترك مصير مئات اللاجئين في المخيم مجهولا.
وحذر متطوعون ومسؤولون في
الإغاثة من أن هذا الإخلاء المفاجئ للمخيم؛ يشكل كارثة إنسانية كبيرة بحق هؤلاء اللاجئين.
وقال مدير فرع الشمال لاتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان، محمد نور قرحاني، إن "الأهالي في حالة صدمة كبيرة، فهم لا حول لهم ولا قوة، حتى إن هناك الكثير من النساء يبكين طوال الوقت منذ أن أبلغن بالإخلاء".
وأضاف لـ"عربي21": على الرغم من أننا قمنا باتصالات عديدة بقيادة الجيش والجهات الرسمية المعنية لاستيضاح خلفيات هذا القرار وملابساته، إلا أننا لم نخرج بأي نتيجة".
وبينما لم يتبلغ اللاجئون أو مسؤولو الإغاثة بأسباب إخلاء المخيم، قالت وسائل إعلام لبنانية إن السبب هو قرار السلطات اللبنانية بإعادة توزيع اللاجئين في الشمال على مناطق أخرى في لبنان.
لكن قرحاني أوضح أن "كل ما تمكنا من الوصول إليه، أن الجيش أو القوى الأمنية أمروا بإخلاء المخيم، وقد تردد ذكر أسباب غير منطقية إما بسبب قربه من الطرقات السريعة أو من منشأة عسكرية أو مدنية، لكن أيّا من هذه الأسباب ليست موجودة في مخيمنا باعتراف الأمن أنفسهم، حتى إنه لم يحدث أن تسبب أحد بمشكلة فيه، وهم أدرى منا بهذه التفاصيل"، وفق قوله لـ"عربي21".
وأضاف: "حاولنا جاهدين معرفة السبب، لكننا حقيقة عجزنا عن ذلك، ولازلنا منتظرين توضيحاتهم أو تراجعهم عن القرار".
ولفت قرحاني إلى أن "مخيم الإنماء" يضم 350 خيمة، ويؤوي 1058 لاجئا، بينهم أكثر من 500 طفل و330 امرأة، "أي إن النساء والأطفال يشكلون 80 في المئة من عدد ساكني المخيم".
وأشار إلى أنه لا يوجد لدى منظمته أي خطة بديلة لإجلاء هذا العدد الكبير من الأهالي، "فنحن مجرد جمعية محلية قدراتنا محدودة، ونقوم بالحد الأدنى من الخدمات، بحيث نستطيع المحافظة على نظافة المخيم وسلامته، ونؤمن الطعام والشراب للأهالي بضغط كبير جدا، فكيف لنا أن نوجد خطة بديلة في عشرة أيام".
ودعا مدير فرع الشمال في اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان الأمم المتحدة "لتحمّل مسؤولياتها الإنسانية أمام الكارثة المحتمل وقوعها، حيث ليس لدينا أي حل بديل سوى إبقاء الأهالي في
المخيمات، لا سيما أننا مقبلون على فصل الشتاء، وربما كان وقع الكارثة أكبر بسبب شح المساعدات".
وتابع متسائلا: "إلى أين يذهب كل هؤلاء المنكوبين وبعضهم معاقون وعجائز ومصابون؟ أليس من العار أن تبقى الأمم المتحدة صامتة أمام هذه الحالة المأساوية؟ هل ينتظرون وقوع الكارثة ليتحركوا؟".
من جهتها، تقول هناء، وهي إحدى سكان المخيم: "لدي أربعة أطفال وأنا أعمل مدرّسة، أخرج من الصباح إلى المساء أنا وزوجي لتأمين قوت يومنا، بينما نعيش في خيمة صغيرة بالكاد نتمكن من الجلوس فيها، وننام ملاصقين لبعضنا. فإلى أين سنخرج؟ ومن أين نتمكن من تحصيل إيجار غرفة واحدة في لبنان، ونحن بالكاد نعمل بـ10 دولارات في اليوم، هذا إن لم نتعرض للاستغلال في عملنا؟".
وذكرت هناء لـ"عربي21" أنه "عندما جاءنا أمر الإخلاء عمّت حالة من الفوضى والبكاء في المخيم، فأصبح الأهالي في حالة ذعر من ملاقاة مصيرهم المجهول"، مضيفة: "في الحقيقة كل الكلام لا يمكن أن يصف فداحة وضعنا، ففي المخيم يوجد أكثر من 20 معاقا إعاقات جسدية وعقلية، بينما ينتشر مرض السلس البولي عند الأطفال بسبب الخوف الشديد، وهو ما حملوه معهم من الحرب في
سوريا، هذا عدا عن حالات العجزة وكبار السن".
ولفتت هناء إلى أن الكثير من الأهالي يعيشون على بطاقات الإعانة التي تقدمها الأمم المتحدة فقط، وبعضهم ليس لديه بطاقات أصلا، حيث يعتمدون على المساعدات التي تقدم للمخيم من الجمعيات المحلية، "والبعض منهم يعيش على الخبز فقط، فالكثير منهم لا يعمل".
وقالت: "تواجه السيدات -خاصة- استغلالا كبيرا، خاصة من يعملن منهن بقطف الزيتون، إذ يخرجن من ساعات الفجر الأولى حتى العصر لقطف الزيتون، ثم لا يأخذن أجرهن بحجة انتظار ربح الموسم، مع أن أجرتهن اليومية لا تتعدى 10 دولارات، بينما لا يتمكن الرجال من الخروج لهذه المهنة باعتبار أن مناطق القطف تكون بعيدة، والكثير منهم ليس لديه بطاقات شخصية وقد يتعرضون لخطر الاعتقال". وبيّنت أنه من شدة مأساوية وضع الأهالي أن "هناك فتاة معاقة تعمل في هذه المهنة حتى تتمكن من تأمين ثمن الدواء لأمها وأبيها العاجزين".
ودعا قرحاني من جانبه؛ "الجميع للنظر بعين الرحمة للاجئين في هذا المخيم، والتراجع عن قرار الإخلاء، أو على الأقل تأمين البديل لهم".