مع انقطاع أخبار
المعتقلين في
سجون النظام السوري، يلتمس الأهالي أي خبر عن أبنائهم بشتى الطرق، سواء عبر محاولة التواصل مع معتقلين سابقين أو طرق مختلف أبواب الفروع الأمنية، مرورا بالسماسرة الذين "يبتزون" الأهالي بمبالغ مالية كبيرة مقابل الحصول على معلومات صغيرة عن المعتقل، مثل ما إذا كان على قيد الحياة أم لا، أو عن مكان وجوده.
وفي هذا السياق، يقول إحسان الحاج علي، هو أحد الأشخاص الذين تعرضوا لـ"عملية نصب" من قبل
سماسرة أكثر من مرة: "أحدهم اتصل بي، وقال إنه مستعد أن يطلق سراح أخي المعتقل لدى النظام السوري، وأن يجلب لي أخبارا سارة عنه، وفي أي سجن يقبع، لقاء مبلغ مالي قدره 10 ملايين ليرة سورية، يتم دفعه بالتقسيط، على أن تكون الدفعة الأولى 6 ملايين ليرة، والباقي يتم دفعه بعد إطلاق سراح أخي". لكن الحاج علي يبيّن أنه بعد التجارب السابقة مع "هؤلاء المجرمين"، أيقن أن هذه التجربة لن تكون أحسن من سابقتها، إذ أن السمسار سيأخذ المبلغ المحدد ويقفل هاتفه المحمول ويختفي.
وتابع الحاج علي في حديث لـ"
عربي21": "دفعت أموالا كثيرة من أجل أن أسمع خبرا يفرحنا عن أخي، لكن للأسف كل واحد يقول كلاما مغايرا عن الآخر"، مضيفا: "فمنذ حوالي أسبوعين دفعت ما يقارب 250 ألف ليرة سورية فقط من أجل أن يخبروني في أي فرع يعتقل فيه، لكنني متأكد من أن أخبارهم كلها كاذبة، وكل ذلك فقط من أجل أن يفرح أهلي بأخبار سارة، ومن ناحيتي أرفض دفع أي مبلغ لهؤلاء السماسرة، ولكن ما باليد حيلة".
وأردف أن هؤلاء السماسرة يطالبون بالدفعة الأولى من المبلغ؛ لأنها ستكون "الصيد الثمين" بالنسبة لهم، كما يقول، مشيرا إلى أنه "بعد الكثير من محاولات النصب والاحتيال أعرف تماما، وأكاد أجزم أن أغلبهم إن لم يكن كلهم عملاء للنظام، ولهم صلات قوية مع ضباط المخابرات والفروع الأمنية".
ولفت الحاج علي إلى أن السماسرة حين يعرفون موعد إطلاق سراح أحد المعتقلين؛ "يتصلون بأهل هذا المعتقل لكي يبتزونهم ويوهموهم بأنهم قادرون على إطلاق سراحه، ويطلبون ملايين الليرات"، مضيفا: "لا ألوم الأهالي حين يدفعون لهؤلاء الحرامية، فهم يبحثون عن أي طريق لحرية أبنائهم".
من جهته، قال عبد الله الفندي، من ريف دمشق: "تم اعتقال ابني البكر منذ ثلاث سنوات ونيف بعد مداهمة منزلي وبعض منازل الحي الذي أسكن فيه بريف دمشق، علما أن ابني محمد، الذي كان يدرس في الجامعة، لم يكن لدية أي نشاط إلا الدراسة، إذ كان من بين الشباب الذين تم اعتقالهم، دون أن نعرف عنه وعن مكان تواجده أي شيء".
وتابع لـ"
عربي21": "لقد دفعت الكثير من الأموال لمحامين وسماسرة يتعاملون مع النظام وأزلامه من أجل إنقاذ ابني من السجن، ولمعرفة مكان تواجده، لكن دون جدوى، وما كان منهم إلا الكذب والخداع وسرقة الأموال من قبل السماسرة والمتاجرين بأرواح الناس، فننتظر الفرج من الله لابني محمد"، كما يقول.
وفي السياق ذاته، قالت الناشطة الاجتماعية والمهتمة بتوثيق الانتهاكات، عائشة اليونس، إن "هناك الكثير من المحامين المتورطين يستخدمون أساليب وتكتيكات كثيرة لابتزاز الأهالي، من خلال تواصلهم مع اللجان الشعبية وأزلام النظام".
وأوضحت في حديث لـ"
عربي21"؛ أن عمليات الخطف غالبا ما تتم من قبل اللجان الشعبية، حيث يتم "تلفيق التهم للناس بشكل عشوائي، ومن هنا يلعب المحامي مع هذه اللجان دور السمسار في بعض الأحيان، ويكون الأهل والابن المعتقل هما الضحية نتيجة هذه الممارسات اللاإنسانية"، وفق قولها.
وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، من جهتها، أنها تواجه تحديات إضافية في توثيق الاعتقالات اليومية والمستمرة منذ عام 2011 وحتى الآن، ومن أبرزها خوف الكثير من الأهالي من التعاون وإبلاغ المنظمات عن اعتقال أبنائهم، خاصة في حال كون المعتقلة أنثى، وبدلا من ذلك تبدأ المفاوضات مع الجهات الأمنية، التي تقوم بعملية
ابتزاز الأهالي بالأموال التي قد تصل في بعض الأحيان إلى دفع آلاف الدولارات، وفق الشبكة.
وعلى الرغم من امتلاك "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" قوائم بأسماء المعتقلين تتجاوز 117 ألف شخص بينهم نساء وأطفال، إلا أن هناك تقديرات تشير إلى أن أعداد المعتقلين تفوق حاجز الـ215 ألف معتقل، 99 بالمئة منهم لدى قوات النظام بشكل رئيسي.