لم تهدأ التصريحات الساخنة وردود الفعل بتونس، على حكم قضائي برّأ أربعة نشطاء من المنتسبين إلى "رابطات حماية الثورة" المُنحلّة، من تهمة وُجّهت إليهم بقتل قيادي جهوي بحزب نداء
تونس في محافظة تطاوين بالجنوب يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2012.
وتسارعت التعليقات، المتشنّجة في كثير منها، خلال الساعات التي تلت صدور حكم بعدم سماع الدعوى في ساعة متأخّرة من ليل الاثنين، عن الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بمحافظة سوسة، حيث بلغت حدّ التشكيك الصريح في المنظومة القضائية واتهام القضاة بالرضوخ لـ"الإملاءات السياسية".
وفيما وصف مراقبون تداعيات حكم البراءة بـ"تسونامي التصريحات المتشنجة"، علّقت عليه النائبة بالبرلمان عن
نداء تونس هالة عمران في تصريح إعلامي بقولها: "الدواعش اليوم في القضاء وليسوا في الشعانبي.. مذموم وليس مستقلا وهو منحاز لطرف معين"، في إشارة إلى حركة
النهضة.
أبعاد سياسية
لكن القيادي النهضوي الصحبي عتيق، قال إنّ في الديمقراطيات العريقة لا يقع التعليق على الأحكام القضائية، "فنحن عانينا من عدم استقلال القضاء في عهد بن علي، ومنذ ثورة 14 يناير 2011 لم يتجرأ أحد مهما كانت صفته لا في عهد الترويكا ولا في غيره، على التدخل في هذه السلطة المستقلة"، وفق تعبيره.
وتابع نائب البرلمان عتيق في تصريح لـ"
عربي21" بقوله: "القضاء التونسي اليوم لا يعترف بالإكراهات السياسية التي كانت مسلطة عليه من قبل، كما أنّه لا يلبي رغبات أيّ طرف سياسي".
وقال: "بل بالعكس هؤلاء المتهمون، الذين برّأهم القضاء، تمّ القبض عليهم في عهد الترويكا ولم تفكر النهضة يوما في تجاوز القانون، وظلوا في السجن حوالي أربع سنوات رغم أن القانون يحدّد فترة الإيقاف بـ14 شهرا على أقصى تقدير"، بحسب قوله.
وواصل عتيق قائلا، إنّه لا يليق أن تأخذ القضية أبعادا سياسية ما تسبب في تجاذبات، رغم أنّ هناك أدلّة وقرائن بني عليها الحكم الذي اعتبر أنّ الوفاة ناجمة عن أزمة قلبية وليس السحل.
صدمة للتونسيين
وحول تداعيات الحكم على علاقة "النهضة" بـ"نداء تونس"، قال عتيق إنّ "النداء اعتبر الحكم هزيمة أمام حركتنا ولم يتحمله، لذلك جاءت تصريحات قياديي النداء كردّ فعل متشنج في أوقات كثيرة رغم أنّنا اليوم في شراكة ومتضامنون مع بعضنا في عديد الملفات".
ودعا عتيق نواب "النداء" إلى أن "يترفعوا عن هذه الصراعات البسيطة التي تحركها أطراف أخرى، فالمعركة ليست بين النهضة والنداء، كما أنه لا يمكن الحديث اليوم عن (رابطات حماية الثورة) التي تمّ حلها بحكم قضائي، وأنا واثق أن هناك أطرافا محدّدة تحاول أن تغذي الصراع بين النهضة والنداء".
واعتبر القيادي في "نداء تونس" بوجمعة الرميلي، حكم البراءة "صدمة للتونسيين الذين شاهدوا بالعين المجردة عناصر من رابطات حماية الثورة تقيم الولائم والاحتفالات بعد النطق بالحكم والإفراج عن المتهمين بقتل لطفي نقض".
وأضاف في تصريح لـ"
عربي21" أنّ القضية مسيّسة رغم أنّ "الفترة الصعبة التي نعيشها تحتاج منا إلى توافقات أكبر وتعايش سلمي، اتقاء للمصائب التي سقطت فيها أغلب دول الربيع العربي"، بحسب تعبيره.
"غير متزن"
وأكّد الرميلي أنّه كان لديهم في "نداء تونس" نوع من الاطمئنان تجاه القضاء في البلاد "لكن يبدو أنّ الشقوق والأزمة التي عصفت بالنداء وأزمة القيادة فيه كانت لها نتائج سلبية حيث كان من المفروض أن نكون يقظين، لكن لم نكن في المستوى المطلوب". وختم الرميلي بقوله: "أغلب الندائيين اليوم يريدون موقفا واضحا من النهضة بخصوص الاغتيالات السياسية".
من جانبها، عبّرت حركة نداء تونس في بيان وقعه المدير التنفيذي حافظ قايد السبسي، نجل رئيس الجمهورية، عن صدمتها الشديدة من الحكم، داعية حركة النهضة "إلى توضيح موقفها الرسمي ممن وصفتهم بـ "المليشيات"، في إشارة إلى الرابطات، و"مواقف بعض قياداتها الداعم لها".
ودعا "النداء" إلى عقد اجتماع عاجل للهيئة السياسية الموسّعة للحزب بهدف "تحديد موقفنا من مستقبل علاقاتنا مع مكونات المشهد السياسي الحالي"، وفق نص البيان.
وعلّق القيادي النهضوي محمد بن سالم، على بيان النداء بأنه مبالغ فيه وغير متزن وفيه مزايدات، فيما لم تصدر حركة النهضة حتّى اللحظة أي بيان في هذا السياق.
اتهامات للنهضة
وفي سياق متصل، طالب أحد أفراد فريق الدفاع عن المتهمين المفرج عنهم، هو المحامي سمير بن عمر، بتطبيق قانون الأحزاب ضدّ "نداء تونس"، مستدلا بحكم الإدانة بالسجن لمدة سنة ونصف بتهمة الشهادة الزور واستعمال السلاح الأبيض دون رخصة واعتماد العنف، الذي صدر ضد عدد من مرافقي لطفي نقّض يوم الحادثة.
وأشار بن عمر في تصريح لـ"
عربي21" إلى أنّ "نداء تونس ثبت من خلال الحكم القضائي استعمال عدد من عناصره الزجاجات الحارقة (المولوتوف) ضدّ المتظاهرين حينها، الذين كانوا في مسيرة احتجاجية وبالتالي خرق قانون الأحزاب، حيث يفترض في مثل هذه الوضعيات أن تقوم الحكومة بتعليق نشاطه وتحويل ملفه إلى القضاء".
وختم بن عمر بقوله، إنّه لا يستغرب الموقف الذي عبّر عنه عدد من الأحزاب التي كانت تنشط تحت مظلّة "جبهة الإنقاذ" في 2013، والتي تشكلت بهدف إسقاط حكم الترويكا، واصفا إيّاها بأنها تمثل "خطرا على الديمقراطية بمختلف مكوناتها، بما أنها لا تؤمن باستقلالية القضاء وتريد فرض سلطتها عليه".
المشروعية
من جانبه، اعتبر المحلّل السياسي وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، في تصريح لـ"
عربي21"، أن حكم البراءة أدّى إلى "سحب جزء من المشروعية التي قامت عليها السلطة الحالية لنداء تونس"، مشيرا إلى أنّ من كان يصف القضاء بالاستقلالية قبل الحكم انقلب 180 درجة بعد صدوره وصار يقدح فيه.
وكتب القيادي عبد اللطيف المكي، في "فيسبوك": "لقد أصدر القضاء حكمه في قضية وفاة الفقيد لطفي نقض، وأظهر الحقيقة تحت ضغط سياسي وإعلامي رهيب ممن يدعون الدفاع عن الفقيد، وهم لا يريدون غير المتاجرة بدمه وتوظيفه ضد حركة النهضة وأنصارها وكل من يمت لها بصلة ولو من بعيد".
وتابع بقوله: "رغم ذلك فإن حركة النهضة التزمت الصمت والهدوء وتركت القضاء يعمل ولم تتناول القضية سياسيا، ولو في ذروة الهجوم عليها، سعيا إلى جعل القضاء يعمل بكل استقلالية وأن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية كاملة في ما يصدره من أحكام".
هجوم على القضاء
ووصف القيادي بالجبهة الشعبية منجي الرحوي، حكم البراءة بـ"السيئ" و"غير العادل". ووصفت القيادية بحزب "آفاق"، القضاء التونسي بأنّه "ليس مستقلا وتلزمه الإرادة السياسية لتطهيره".. بينما علّق أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي، بقوله "أتمنى أن لا يكون هذا الحكم توافقيا وأن لا يتم إقحام القضاء تحت التوافق المغشوش بين النداء والنهضة"، وفق تصريح لإذاعة جوهرة.
من جانبها، علّقت أرملة لطفي نقّض، بصفحتها على "فيسبوك": "أفتح بيتي اليوم لتقبل التعازي في زوجي المغدور.. اليوم اكتشفت أن الباجي قائد السبسي والنواب ووزراء النداء هم القتلة الحقيقيون..."، مضيفة في تصريح لإذاعة جوهرة، أن "جماعة نداء تونس جاءوا إلى المحكمة يوم النطق بالحكم للبروباغندا والتقاط الصور".
أمّا الرئيس السابق منصف المرزوقي، فقد عبر عن سعادته، في حسابه على موقع "فيسبوك"، "بما أسفرت عنه محاكمة المتهمين"، مهنئا المتهمين المفرج عنهم بإطلاق سراحهم، خاصة سعيد الشبلي.