نشر معهد واشنطن للدراسات تقريرا للكاتب الأمريكي المختص في شؤون الشرق الأوسط ديفيد بولوك، قرأ فيه نتائج انتخابات مجلس الأمة
الكويتي.
وتوقع بولوك في التقرير بعد نتائج الانتخابات بأنه سيبقى الاستقرار في الشوارع، والقليل من
الإصلاح الحقيقي.
وأوضح أنه ما يقرب من نصف أعضاء "مجلس الأمة" مُوال للحكومة. ويضم هذا القسم أيضا مجموعة من العناصر المختلفة: فبعضهم من الملكيين المتشددين، والبعض الآخر من الأتباع القبليين، وأعضاء مجموعة ثالثة هم "نواب في خدمة [جمعيات]" تحصل على رعاية العائلة المالكة أو غيرها من الحسنات التي توفرها هذه الأخيرة، كما أن هناك ستة نواب من الأقلية الشيعية في المجتمع الكويتي ذي الغالبية السنية.
وبين أن التوازن المتكافئ تقريبا بين معسكري
المعارضة والموالاة للحكومة يضمن عمليا جدلا مستمرا وشللا سياسيا متواصلا على السواء. وبالتالي، "فإن التوقعات هي: الاستقرار في الشوارع، ولكن القليل من الإصلاح الحقيقي".
وأشار إلى أن الممارسة الكويتية الأخيرة في الديمقراطية المحدودة في العالم العربي أثارت بعض الدروس المثيرة للاهتمام؛ فقد تم حل "مجلس الأمة" السابق [بموجب مرسوم] من قبل الأمير، وفقا لما يسمح به الدستور الكويتي، بعد أن أصرّ النواب على حقهم في استجواب الوزراء بشأن مقترحات مثيرة للجدل.
وأضاف أنه "في هذه الحالة كانت تلك المقترحات ذات شقين: أولا، خفض الدعم على البنزين وأشكال أخرى ذات صلة بهبات رسمية؛ لمواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط التي تعتمد عليها الحكومة والاقتصاد كله إلى حد كبير. وثانيا، التشديد بشكل أكبر على الحملة الأمنية المستمرة ضد حرية التعبير وتكوين الجمعيات، من بينها شرط لم يسبق له نظير بأنه يتعيّن على كل مقيم في البلاد أن يقدم عيّنة من حمضه النووي لأغراض تحديد الهوية وإجراء تحقيق محتمل".
وبين أنه "لم يحظ كلا المقترحين بشعبية واسعة، ولأسباب مفهومة. ولكن بدلا من قيام المسؤولين الرسميين الكويتيين بمواجهة القضايا والبت فيها مباشرة، استغرقهم الأمر بعض الوقت؛ حيث أخذوا "مهلتهم" النمطية من خلال الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة".
وأشار إلى أن الدرس الأول من هذه الحلقة هو حقا رسالة تذكير بسابقاتها، وهي أن المناورة الانتخابية لـ"مجلس الأمة" عادة ما تعمل على نزع فتيل الأزمة السياسية، ولكن على حساب تأجيل إجراء أي تغييرات كبرى في السياسات، وإلى أجل غير مسمى في كثير من الأحيان.
وأضاف: "ثانيا، تخلت "المعارضة"، التي تتميز بأسلوب خاص بها، عن نهج المقاطعة الذي كانت تتبعه خلال المرتين السابقتين اللتين أجريت فيهما انتخابات، وبالتالي تمكنت من تحقيق عودة مثيرة في هذه الجولة.
وأشار إلى أن "أولئك الذين ينتقدون الحكومة والسياسات الكويتية منذ فترة طويلة هم حفنة مختلطة، لا سيما أنه لا يسمح بقيام أحزاب سياسية رسمية. فالبعض هم من الأصوليين السنة على غرار جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تعرف محليا باسم «الحركة الدستورية الإسلامية»، والبعض الآخر هم سلفيون أكثر تقليدية. وآخرون يؤكدون على المواقف الشعبوية والقومية، أو حتى الليبرالية في بعض الأحيان".
وأشار إلى أنه في هذه الجولة المتكررة من الانتخابات، حصل مرشحو «الحركة الدستورية الإسلامية» على حوالي أربعة مقاعد تقريبا من بين خمسين مقعدا في "مجلس الأمة"، بالإضافة إلى عدد متساو من المقاعد لنواب يتعاطفون مع وجهات نظرهم. وحقق السلفيون النتيجة نفسها تقريبا؛ فقد مُنحت ثمانية مقاعد إضافية أو ما يقرب من ذلك للمرشحين المرتبطين بشكل مبهم مع تيارات أخرى في "المعارضة الموالية"، من النمط الشعبي أو الوطني بصورة أساسية.
وإجمالا، يمكن الآن اعتبار حوالي نصف أعضاء "مجلس الأمة" من خارج المعسكر المؤيد للحكومة. ويتناقض ذلك بشكل حاد مع "مجلسي الأمة" السابقيْن، حيث إن مقاطعة الانتخابات آنذاك ضمنت حصول الحكومة على دعم أغلبية كبيرة من أعضاء "المجلس".
الشيعة في المجلس
وفي ما يتعلق بالعامل الشيعي، قال بولوك إنه "لا توجد إحصاءات رسمية متاحة علنا حول ذلك، إلا أن دراسة أُجريت في عام 2015 أكدت أن الشيعة يمثلون ما يقرب من ثلث المواطنين الكويتيين".
وتابع: "كما هو الحال في كثير من الأحيان (رغم أن ذلك ليس دائما بكل تأكيد) مع الأقليات الدينية أو الطائفية في جميع أنحاء العالم، تميل هذه إلى اتخاذ جانب الحكومة المعتدلة نسبيا [في سياساتها] للحماية ضد المتطرفين المتعصبين المتواجدين في صفوف الأغلبية الدينية أو الطائفية".
وأشار إلى أنه في الكويت، زادت التوترات الاجتماعية بين السنّة والشيعة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وذلك إلى حد كبير، ردا على الصراعات الإقليمية الأوسع، التي عادة ما يتورط فيها وكلاء إيران الشيعة. إلا أن هذه التوترات لا تؤدي أبدا تقريبا إلى تصعيد الموقف نحو العنف الشامل في الكويت.
وبين أنه بعد أن عادت المعارضة السنية مجددا إلى الحلبة السياسية، "خسر" الشيعة ثلاثة مقاعد مقارنة بعددهم في "مجلس الأمة" السابق، وسيكون لهم أقل بكثير من السبعة عشر مقعدا التي كانت لهم في "المجلس" عام 2011، والتي عكست أكثر ما يقرب إلى نسبتهم في جمهور الناخبين. ومع ذلك، يبقى الشيعة مشاركين نشطين، ومسموعي الصوت، وقانونيين في السياسة الكويتية والحياة الاقتصادية والعامة الشاملة للبلاد.
وختم بقوله إن بإمكان المرء أن يقول بحق إنه في منطقة تزخر بشكل مأساوي بصراع ديني دموي، تبقى الكويت واحة مثيرة للإعجاب من الهدوء والتعايش؛ فهي تمثل انتصار الديمقراطية على التركيبة السكانية، مهما كان هذا الانتصار هشا، ونموذجا من المشاركة السياسية السلمية بين مذهبين من الإسلام.