فى مثل هذا اليوم؛ أصدرت محكمة الثورة بمصر في 4 كانون الثاني/ ديسمبر 1954 أحكاما بالإعدام على ستة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وبالسجن المؤبد على سبعة آخرين؛ بعد اتهامهم بمحاولة اغتيال الرئيس الراحل
جمال عبدالناصر في ما عرف باسم "
حادثة المنشية".
ووقع الحادث في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 1954 حينما تعرض عبدالناصر لمحاولة اغتيال أثناء إلقائه خطابا أمام حشد من المواطنين في ميدان المنشية بالإسكندرية، واتهمت السلطة آنذاك "الإخوان" بتدبير الحادث، وبعدها تم إلقاء القبض على العشرات من أفراد الجماعة، وقدموا في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 لأول محاكمة منذ نشأة "الإخوان" عام 1928.
وأصدرت محكمة عسكرية عرفت باسم "محكمة الشعب" مكونة من ضباط في الجيش، برئاسة صلاح سالم وعضوية حسين الشافعي وأنور السادات، بعد ثلاثة أسابيع من نظر القضية؛ أحكاما ضد أعضاء الجماعة، تراوحت بين
السجن لمدة 10 سنوات والمؤبد والإعدام، بحق سبعة من قيادات "الإخوان"، على رأسهم المرشد العام للجماعة
حسن الهضيبي الذي خُفف عنه الحكم لاحقا إلى السجن المؤبد.
وعلى الرغم من مرور 62 عاما على هذا الحادث، إلا أنه ما زال يثير الجدل حول حقيقته، وما إذا كان "الإخوان" قد حاولوا بالفعل اغتيال عبدالناصر، أو أن الأمر برمته كان مدبرا من مجلس قيادة الثورة في ذلك الوقت؛ للتخلص من الجماعة التي كانت تشكل إحدى أكبر القوى السياسية المهددة لعبدالناصر في السلطة.
"الإخوان وراء الاغتيالات"
وفي هذا الإطار؛ قال أستاذ التاريخ بجامعة المنصورة، زكي بحري، إنه لا يشك في أن جماعة
الاخوان المسلمين هي التي ارتكبت
محاولة اغتيال الرئيس الراحل عبدالناصر "وهذا شيء أكيد، ولا يخفى على أحد"، مضيفا أن "الذي يثبت ذلك؛ هو أن كل الاغتيالات التي حدثت في السنوات الأخيرة كانت عن طريق الإخوان" على حد قوله.
وأوضح بحري لـ"
عربي21" أن "الطريقة التي تمت بها محاولة الاغتيال؛ هي نفسها الطريقة التي نفذتها الجماعة في أكثر من مرة، وفقا لما أكده ثروت الخرباوي، وغيره من القيادات المنشقة عن الإخوان".
وأشار إلى أن "مؤسس الجماعة بدأ في تدريبات على الأسلحة المختلفة منذ السنوات الأولى للإخوان، وكوّن مجموعات عسكرية شاركت في حرب فلسطين عام 1948، في محاولة لتأسيس وحدات عسكرية تكون بمثابة جيش للجماعة عند وصولها للسلطة".
وقال إن "الجماعات المتشددة المنتشرة على الساحة، مثل داعش وجبهة النصرة، اللتين ترتكبان عمليات اغتيالات في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة سوريا والعراق وليبيا؛ تتبع منهجا مستمدا من منهج الإخوان المسلمين، ويعد تطورا طبيعيا لأفكارهم الاغتيالية"، لافتا إلى أن "الاغتيالات التي قام بها النظام السري للجماعة؛ شملت اغتيال القاضي الخازندار، ورئيس الوزراء الأسبق محمود فهمي النقراشي، والرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات".
واستغل وزير أوقاف الانقلاب بمصر، محمد مختار جمعة، الذكرى لشن هجوم على الإخوان المسلمين، حيث أكد أن الجماعة "لا تقل خطورة عن تنظيمات داعش وبوكو حرام والقاعدة"، وأن "الإخوان يقودون حملة فكرية لاستحلال الدماء والتخريب ويتم استخدامها ضد أوطاننا".
وطالب جمعة في تصريحات لقناة "سي بي سي إكسترا"، مساء الأحد، بتحذير الشباب من الجماعة، وتصحيح الأفكار المغلوطة والملوثة التي يستخدمها الإخوان، واستغلالها لحوائج الفقراء لتحقيق أهدافهم السياسية، على حد زعمه.
اتهام ملفق
ولكن الشيخ يوسف القرضاوي رد على اتهام "الإخوان" بمحاولة اغتيال عبدالناصر، بالقول إنه "اتهام ملفق"، مضيفا أن جماعة الإخوان لا تتحمل وزر هذا الحادث، كما أن النظام الخاص أو الجهاز السري للجماعة؛ لم يكن هو المدبر له ولا المسؤول عنه.
وأوضح في مذكراته المنشورة في موقعه الرسمي على الإنترنت، أن المتهم الرئيس في الحادث هنداوي دوير، تم استغلاله من قبل مجلس قيادة الثورة لتنفيذ هذه المحاولة الوهمية ليتم اتخاذها ذريعة فيما بعد للفتك بالجماعة، والتخلص منها نهائيا.
وأكد أن جمال عبدالناصر ومعاونيه عقدوا صفقة مع هنداوي؛ تتضمن الاعتراف على قيادات الإخوان بأنهم متورطون في الحادث، مقابل أن يعتبروه شاهدا في القضية، ويعفوه من العقوبة، أو تكون عقوبته مع إيقاف التنفيذ، لكنهم لم يفوا له بما وعدوه، وغدروا به، وحكموا عليه بالإعدام، على حد قوله.
وأما المؤرخ أحمد شلبي، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة؛ فقال في كتابه "موسوعة التاريخ الإسلامي"، إن "رأيي الذي أدين به، والذي كونته من دراسات وتفكير خلال ربع قرن منذ وقع الحادث حتى كتابة هذه السطور، أن قيادة الإخوان -العلنية والسرية- ليس لها أدنى علاقة بهذا الحادث، وأن الذي فكر فيه ودبر خطته أولا هو هنداوي دوير، وأن خطته كُشفت لعبدالناصر يقينا، وإن كنا لا نعلم كيف تم ذلك على وجه القطع، وأن عبدالناصر استغل هذا الأمر، وأخرجه -مع رجاله- على الطريقة التي تم بها".