أعلنت سلطات الانقلاب بمصر، الثلاثاء الماضي، عن سقوط أكبر شبكة دولية للتجارة بالأعضاء البشرية في البلاد، تضم عشرات المتهمين المصريين والعرب؛ من أطباء وممرضين بمستشفيات خاصة ووسائط، استغلوا فقر المواطنين، واشتروا أعضاءهم بهدف بيعها لمرضى أثرياء.
ولكن اللافت للنظر؛ أن الجهة التي أعلنت كشف خيوط القضية، وقامت بإلقاء القبض على المتهمين؛ هي هيئة
الرقابة الإدارية، وليست وزارة الداخلية كما هو معتاد في مثل هذه القضايا.
ومن المعروف أن مصطفى نجل قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي؛ يعمل ضابطا برتبة مقدم في هيئة الرقابة الإدارية، التي كثر الترويج لها في وسائل الإعلام المؤيدة للنظام، باعتبارها أكثر الجهات الرقابية والأمنية نشاطا في محاربة الفساد، وهو ما عدّه مراقبون "تلميعا" لصورة
نجل السيسي بطريقة غير مباشرة.
وكانت الرقابة الإدارية قد أعلنت عن كشف العديد من قضايا الفساد بعد الانقلاب، كان أهمها قضية توريد محاليل جفاف فاسدة تسببت في وفاة أطفال بمستشفى بني سويف الحكومي في تموز/يوليو 2015، وقضية الفساد بوزارة الزراعة التي تم خلالها القبض على الوزير صلاح هلال في أيلول/سبتمبر 2015، وتوريد قمح فاسد بملايين الجنيهات في تموز/يوليو الماضي، لكن كل هذه القضايا كانت ترتبط مباشرة بالقطاع العام، على عكس قضية الاتجار بالأعضاء البشرية.
وخلال الكلمة التي ألقاها بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، اليوم الخميس، وجه عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب التحية لهيئة الرقابة الإدارية وأشاد بمجهوداتها الكبيرة في كشف الكثير من القضايا خلال الفترة الحالية، نافيا قيامه بمحاباة أقاربه عبر تعينهم في مناصب رفيعة بالدولة، وأقسم عدة مرات بالله أنه لا يحابي أحدا ولا حتى أبنائه في وظائفهم العامة.
وهذه هي المرة الأولى التي يخصص فيها السيسي إشادة بأحد الأجهزة الرقابية على وجه خاص بهذا الشكل، قائلا إنها تقوم، مشكورة، بمواجهة جادة لأحجام ضخمة من الفساد في البلاد.
ضربة معلم؟!
وعلى الرغم من أن هيئة الرقابة الإدارية مسؤولة عن التحقيق في قضايا الفساد التي ترتكب داخل الجهاز الإداري للدولة، إلا أنه لا يعرف حتى الآن السبب الذي جعلها تتولى هذه القضية التي جرت فصولها في مستشفيات خاصة، وخصوصا أن الشرطة سبق وأن ضبطت عديد القضايا المماثلة خلال السنوات الماضية، دون اشتراك الرقابة الإدارية في الإجراءات.
وقال بيان لهيئة الرقابة الإدارية، نشرته على موقعها الرسمي، الثلاثاء، إنها ألقت القبض على 25 متهما حتى الآن، منهم أساتذة جامعات، وأطباء، وأعضاء هيئة تمريض، وأصحاب مراكز طبية، ووسطاء، وسماسرة، وبحوزتهم ملايين الدولارات والجنيهات وسبائك ذهبية.
وكان واضحا تعمد صحيفة "اليوم السابع" المقربة من الأجهزة الأمنية، تحسين صورة هيئة الرقابة الإدارية، حيث نشرت الأربعاء تقريرا عن القضية تحت عنوان "ضربة معلم.. هيئة الرقابة الإدارية تضبط أكبر شبكة دولية للاتجار بأعضاء البشر"، وقالت في التفاصيل إن "هذا النجاح يأتي تنفيذا لتوجيهات الرئاسة بمواجهة كافة صور الفساد والخروج على القانون".
نقطة إيجابية
وتعليقا على هذه القضية؛ قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، محمد كمال، إنه لم يُعلن حتى الآن الدور الذي لعبته هيئة الرقابة الإدارية في قضية
الأعضاء البشرية منذ بدايتها، لكن إلقاء القبض على عصابة ترتكب هذه الأعمال الإجرامية يظل أمرا جيدا، ونقطة إيجابية تحسب للنظام.
وأضاف لـ"
عربي21" أنه "من المعروف أن الرقابة الإدارية قامت في حالات كثيرة بجهود مشرفة، وكشفت العديد من القضايا التي لم تتمكن وزارة الداخلية من كشفها، وقد يكون هذا سببه انشغال الداخلية في الشهور الأخيرة بإجراءات وقضايا أخرى مهمة"، معربا عن اعتقاده بأنه "كان هناك تنسيق بين الداخلية والرقابة الإدارية، كما حدث في قضايا سابقة، كان آخرها قضية الفساد في توريدات القمح، التي كان للرقابة الإدارية دور كبير في كشفها".
ورأى أن الحديث عن تعمد إظهار هيئة الرقابة الإدارية في صدارة المشهد لتجميل صورة عبد الفتاح السيسي ونجله "يظل حتى الآن نوعا من التكهنات"، مؤكدا أن "مصر دولة مؤسسات، ولكل جهاز رقابي دوره".
ولفت كمال إلى أن "الرقابة الإدارية جزء من النظام، وليس من المفترض أن يكون نجل السيسي مسؤولا عن كل قضية، فهو في النهاية ضابط في الجهاز، يقوم بوظيفته ضمن منظومة أكبر".
"عليه العوض"
من جانبه، تساءل عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية: "لماذا تتولى الرقابة الإدارية هذه القضية البعيدة عن مجال عملها وتعلن هي عن تفاصيلها؟"، مطالبا وزارة الداخلية بتوضيح أسباب هذا الموقف.
ولم يستبعد ربيع، استغلال القضية في تجميل صورة السيسي أو ابنه الضابط بالرقابة الإدارية، وقال لـ"
عربي21" إن أسرة السيسي وردت أسماؤهم في أكثر من قضية فساد كشفوها من قبل، ومن الممكن أن يقوم بعض مؤيدي النظام بعمل دعاية لنجل السيسي باعتبار أنه هو الذي كشف "عصابة التجارة بالأعضاء البشرية".
وحذر من خطورة الدعاية للسيسي وأهله وكأنه لا توجد كفاءات في البلد غير أهله، قائلا إن هذا يعني أننا نرجع للوراء، وطالما يفتح الرئيس الباب للفساد ولبطانة السوء والمنافقين والمطبلاتية "يبقى عليه العوض"!.