عادت
أزمة صحيفة السفير إلى الواجهة مجددا، لتفتح أزمة
الصحافة المكتوبة في
لبنان عموما، في ظل الأزمات المالية التي تعصف بكبريات
الصحف، ومن بينها السفير والنهار واللواء والأخبار والديار والشرق.
وفاجأ مالك صحيفة السفير، طلال سلمان، الوسط
الإعلامي؛ بإعلان توقف الصحيفة تماما مطلع العام المقبل، بفعل استمرار الأزمة المالية التي ضربتها منذ سنوات.
وكان سلمان قد تراجع عن قرار سابق بوقف صدور الصحيفة، في آذار/ مارس الماضي، ووعد باستمرار الصدور وإن "بالاقتطاع من لحمها الحي"، بعد ما تردد عن وعود بدعم مفتوح من حزب الله.
وانطلقت السفير قبل 42 عاماً، وهي تعد واحدة من أهم الصحف اللبنانية والعربية، إلى جانب صحيفة النهار التي أوقفت طبع بعض الملاحق والإصدارات الفرعية؛ وسبق أن أعلنت العام الماضي نيتها التحول لصحيفة الكترونية فقط.
ونُشر على مواقع التواصل الاجتماعي أن الأزمة في صحيفة السفير تتجاوز المسألة المالية باعتبارها أزمة تمويل؛ إلى خلاف عائلي بين أبناء طلال سلمان، باعتبارهم ورثة الجريدة، ما عرقل سير المؤسسة، حتى وصل بها إلى الشلل الذي أضيف إلى أزمة الضائقة المالية.
ونشرت صحيفة السفير في افتتاحيتها قبل يومين؛ أنها ستكمل مسيرتها الصحفية الأخيرة حتى أوائل كانون الثاني/ يناير القادم.
واعتبرت الصحيفة أن "الأزمة الخطيرة التي تعصف بالصحافة المحلية؛ تهدد الصحافة في العالم أجمع، بسبب ضعف الموارد وضيق السوق".
ويبلغ عدد الصحف اليومية المطبوعة في لبنان؛ 10 صحف، وسط مؤشرات على اتجاه أغلبها الى إلغاء أو تخفيف الاهتمام بالنسخ الورقية لصالح النسخة الالكترونية، بهدف التقليل من الأعباء المالية.
غياب دور الدولة
وقال الكاتب في صحيفة السفير، غسان ريفي: "السفير ستغيب ورقيا والكترونيا، بحسب ما أبلغ به صاحب الصحيفة طلال سلمان؛ العاملين، وهو ما يعكس جزءا من الأزمة التي تعانيها الصحافة اللبنانية عموما، في ظل تخلي كل الجهات عن دورها تجاهها، بما فيها الدولة اللبنانية ووزارة الإعلام تحديدا، التي تغافلت عن دعم الصحافة المكتوبة، والتي تعد تراثا لبنانيا يتوجب الحفاظ عليه والدفاع عنه"، وفق قوله.
وأضاف لـ"عربي21": "عندما حصلت أزمة صحيفة السفير في آذار/ مارس الماضي؛ لم يتحرك وزير الإعلام بشكل جدي وفعّال تجاه البحث عن حل أزمات الصحف التاريخية التي ارتبط اسمها بلبنان عبر محطاته المختلفة"، عل حد تعبيره.
وانتقد ريفي ما وصفه بالحلول "الصورية" لأزمات الصحف في لبنان، وقال: "بقيت كل الحلول حبرا على الورق، من دون أن تترجم على أرض الواقع، وهذا ما انعكس بقرارات إيقاف الإصدار للعديد من المطبوعات اللبنانية".
وربط ريفي الأزمة بـ"تقهقر السوق الإعلامي في ظل الأحداث التي تعصف بالمنطقة العربية عموما، وعجز الدولة عن دعم الإعلام المكتوب، عبر تخفيف الرسوم والضرائب، إضافة إلى غياب المال السياسي التي لطالما كانت تعتمد عليه الصحف اللبنانية"، على حد تعبيره.
ودعا ريفي إلى "عملية إنقاذ سريعة؛ حتى لا تتضخم التداعيات وتطال الأزمة جميع الصحف الورقية، مما سيؤدي الى خسارة القراء والوطن لذاكرة حية يومية وجزءا من حضارة باتت مقرونة بلبنان".
وكان وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، رمزي جريج، قد قدّم مقترحات لإنقاذ الصحف اللبنانية المتأزمة ماليا، دون أن تتبلور هذه المقترحات في إطار خطة واضحة.
وتحسّر ريفي على ما وصفه بـ"ماض كان يتهافت فيه القراء على الصحف، حتى أن جزءا منهم كان يربط فنجان قهوته الصباحي مع تصفحه للجرائد بمضامينها المتنوعة"، وفق تعبيره.
ورأى ريفي أن للصحافة المكتوبة "رونقا خاصا لا يمكن أن يُستبدل بالصحافة الالكترونية، عدا عن أنها تحمل نفحات خاصة من ناحية ثبات الفكرة والمضمون وتوثيق المعلومات؛ لا يمكن أن تتميز به باقي وسائل الإعلام الحديث"، كما قال.
وتابع: "الإعلام المطبوع يتيح حق الرد للجميع بشكل لا يقارن مع وسائل أخرى، في ظل الطفرة التي تشهدها المواقع الالكترونية، وما يمارسه البعض منها من مسّ للكرامات دون أن يقدر أحد على ملاحقتها بشكل واضح وشفاف".
وتوقع ريفي أن تبذل محاولات إنقاذ أخيرة لصحيفة السفير، "رغم عدم وجود مؤشرات إيجابية كبيرة".
وعن مصير الصحفيين والعاملين في صحيفة السفير، رجّح ريفي "أن تضاف إلى الأزمات اللبنانية؛ أزمة بطالة جديدة في ظل عجز السوق اللبناني على دمج الإعلاميين في مؤسسات أخرى أو استيعابهم بطرق مختلفة، مما سيجعل خيار الهجرة رئيسيا لمئات العاملين في الصحافة المكتوبة، بحثا عن لقمة عيشهم خارج لبنان".
من جهته، اعتبر الكاتب والصحفي، سركيس أبو زيد، أن "السوق اللبناني لم يعد بمقدروه استيعاب هذا العدد من الصحف المطبوعة، في ظل صعوبة توزيع الصحف في الدول العربية، والمشاكل الأخرى المتعلقة بشركات التوزيع".
وانتقد سركيس صدور عشرة صحف يومية في لبنان، "وهو ما يتجاوز احتياجات السوق اللبناني قياسا لعدد السكان"، كما قال.
وحول ضعف السوق الإعلاني، قال أبو زيد: "الأزمة الاقتصادية أرخت بظلالها على السوق الإعلاني، ما أدى الى تراجعه بشكل ملحوظ، عدا عن توجه هذا السوق بشقه الأكبر الى الإعلام المرئي والمسموع، وعدم تقديم الدعم الحكومي للإعلام المكتوب".
توقف الدعم الخارجي
وحول صدقيّة ربط أزمة الصحف بوقف الدعم الخارجي لها، قال أبو زيد: "هناك دول كانت تدعم بالفعل، وبشكل كبير، الصحافة في لبنان، وكانت تتبنى ماليا مطبوعات عدة، لكنها تراجعت عن ذلك في الآونة الأخيرة، خصوصا أنها نقلت وجهة الدعم إلى صحافتها الذاتية التي وجدت أنها تعبر عنها بشكل أوضح وصريح".
وأكد ابو زيد أن "لبنان تراجع عن دور الريادة في الصحافة على مستوى العالم العربي، بعد فترة فرض خلالها الإعلام اللبناني المقروء نفسه كرقم أول عربيا".
وتحدث أبو زيد عن تبدل المزاج العام للقارئ اللبناني الذي لم يعد "يولي اهتماما للأحداث والمقالات المنشورة على الصحف، كما كان الحال في السابق، في ظل الطفرة الإعلامية وسرعة تناقل الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ظل تراجع اهتمام اللبنانيين بما يدور في فلك السياسة نظرا لرداءة الأوضاع في البلاد".
وأردف: "أنا تحديدا لم أعد أتابع الصحف المطبوعة، ونقلت اهتمامي ومتابعاتي إلى المواقع الالكترونية وشبكات التواصل".
وكشف أبو زيد أن "العدد الإجمالي لمبيعات الصحف في لبنان لايتجاوز عدد المبيعات لصحيفة النهار وحدها قبل عام 1975".
تراجع دور النقابات
وانتقد أبو زيد دور النقابات الإعلامية في لبنان، وقال: "بعضها يلعب دور شاهد الزور، والبعض الآخر لا فعالية لها ومشتتة"، موضحا أن "نقابة المحررين في لبنان تشمل الصحف فقط وفق القانون القديم، ما يعني أن باقي المحررين في القطاعات الأخرى مستثنون، وهو أمر خاطئ ومضرّ لجميع الأطراف"، وفق قوله.
ووصف أبو زيد نقابة الصحافة بـ"المشلولة"، فيما تنقسم النوادي الإعلامية الأخرى على قاعدة طائفية وسياسية، عدا تشرذمها وقلّة فعاليتها".
ودعا أبو زيد إلى "تشريع لنقابة موحدة للإعلام اللبناني تضم المرئي والمسموع والمكتوب، تكون جامعة للجسم الإعلامي أسوة بنقابة المهندسين والأطباء".