سخر العقيد ميخائيل خوداريونوك، المحلل العسكري في صحيفة "غازيتا.رو" الروسية، من قوات بشار الأسد، وخصوصا بعد هزيمتها السريعة في
تدمر أمام
تنظيم الدولة، متهما "القيادة السورية" بأنها "كانت على علم بما يجري".
وقال خوداريونوك في حديث للصحيفة: "ألقى عناصر قوات الأسد أسلحتهم وتركوا آلياتهم العسكرية ولاذوا بالفرار"، مشيرا إلى أن "أول الهاربين المذعورين كان نائب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السورية. وفي حالة من الذعر والهلع تَـبِـعه رئيس هيئة العمليات، وقائد قوات الصواريخ والمدفعية، ورئيس أركان الفيلق الثالث، وقائد الفرقة الـ18 دبابات، ولحق بهؤلاء صغار الضباط والجنود"، بينما "كانت السلطات الرسمية في دمشق تتحدث للسوريين عن بطولات الجيش السوري الخارقة في الدفاع عن تدمر مضحين بالغالي والنفيس".
وفيما يلي أهم ما جاء في التحليل الذي قدمه العقيد خوداريونوك، وهي من ترجمة الباحث السوري محمود الحمزة:
في البداية جاءت أخبار متقطعة غير مكتملة عن الوضع في تدمر. أما الآن فالصورة أكثر وضوحا. بعض المصادر أفادت بأن إعادة تجمع قوات داعش وتمركزهم للهجوم على تدمر، تمت دون ملاحظة أجهزة الاستخبارات. ولكن ذلك غير صحيح. لقد تأكدنا من أن القيادة السورية لها علم بما يجري مسبقا.
ولاحقا حدث ما لم يتوقعه أحد. فقد أصبحت قوات الأسد بعد الطلقات الأولى لداعش في حالة ذعر، حيث ألقوا أسلحتهم والآليات العسكرية وهربوا من تدمر. القوات السورية "الباسلة" بالكاد استطاعوا إيقافها غربي تدمر بالقرب من مطار التيفور.
في البداية أشاعوا بأنه لم يكن هناك مستشارون عسكريون روس في تدمر. وهذا مغاير للواقع، حيث قام مقاتلو تنظيم الدولة (داعش) بنشر صور في موقعهم عن الأسلحة والمعدات العسكرية التي تركها الروس.
وعدد المجموعة العسكرية الروسية حوالي 200 فرد (مجموعة قيادة)، بالإضافة إلى 120 من مجموعة الحراسة من القوات الخاصة. هؤلاء بقوا في المدينة ودافعوا عن المدينة بجهود فردية. وبالنتيجة تمت محاصرتهم من قبل مقاتلي داعش، ولكي يتم إنقاذهم ونقلهم من هناك، تم فتح ممر بالقوة، حيث قام الطيران الروسي بتدمير 11 آلية عسكرية للجهاديين. واضطر الروس إلى ترك جزء من تسليحهم ومعداتهم العسكرية.
الذعر والجبن
أول الهاربين المذعورين كان نائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة السورية (النظامية). وفي حالة من الهلع تبعه جارّا وراءه الجنود وصغار الضباط، كل من رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان السورية، وقائد قوات الصواريخ والمدفعية للجيش السوري، وقائد أركان الفيلق الثالث، وقائد الفرقة الـ 18 للدبابات.
وقد عثروا بصعوبة على نائب رئيس أركان جيش بشار الأسد بعد يومين من البحث عنه. ولا يمكن وصف حالة كبار القادة العسكريين السوريين إلا بالجبن والتخاذل والذعر. وتم إيقاف المذعورين والجبناء بصعوبة وإرجاعهم إلى مواقعهم في 11 كانون الثاني/ ديسمبر وتثبيت الوضع، ولكن السوريين هربوا من جديد.
وقد سيطرت في أوساط القوات السورية بالقرب من تدمر حالة من الفوضى العارمة. وحسب مصادر مطلعة وشهود عيان، فإن بشار الأسد اعترف للروس بأفعال وسلوك قواته العسكرية. وقد تم عزل نائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة السورية من منصبه وتسريحه من الجيش.
وفي أثناء الهجوم الداعشي، كانت السلطات الرسمية في دمشق تتحدث للسوريين عن بطولات الجيش السوري الخارقة في الدفاع عن تدمر مضحين بالغالي والنفيس!
الجنود السوريون يخافون خوف الموت من تحركات الجهاديين. ولا توجد ثقة بأنهم سيثبتون ويحافظون على مواقعهم غربي تدمر. أحيانا يقولون إن المقاتلين سيطروا على حقول غاز بالقرب من تدمر، ولكن هذه الحقول في الواقع مهجورة ومدمرة.
هل هناك مصلحة في استعادة تدمر؟
الحفاظ على تدمر في هذه الظروف طبعا أمر غير ممكن. وهل هناك ضرورة لاستعادتها؟ يبدو أنه لا توجد مثل هذه الخطط حاليا. يمكن استعادة تدمر بدعم جوي روسي دون صعوبة، ولكن الحفاظ عليها لاحقا في وضع مهلهل من الجاهزية العسكرية للجيش السوري يعتبر أمرا غير ممكن.
وإذا ما تم نقل قوات فعالة من
حلب فهناك خطر فقدان حلب. فهناك توجد إمكانية لهزيمة المجموعات المسلحة التي تستعد للانسحاب في حلب. فالفصائل المسلحة القوية للجهاديين تتمركز في شمال غربي حلب في مناطق عندان وحيان وحريتان.
ويحارب إلى جانب القوات الحكومية مليشيات. أما من جهة الجيش السوري فتقاتل فقط مجموعتان: قوات العقيد سهيل الحسن الخاصة (قوات النمر) وقوات "صقور الصحراء" تحت قيادة الأخوين محمد وأيمن جابر.
أما بقية التشكيلات العسكرية باعتراف محدثينا المطلعين على سير المعارك، فهم يضرون أكثر مما ينفعون؛ لأنهم بلا جدوى.
أما حزب الله حسب تقديرات الخبراء العسكريين فهم لا يقاتلون أبدا، بل يثرثرون. وأما (لواء) "فاطميون" المكلف بالهجوم من جهة الغرب، فهو يثير الغبار بلا فعل. وتشكيلات الحرس الثوري الإيراني تقف كالأصنام ولا تتقدم.
يستطيع الجنرال الإيراني أن يؤكد لك خمس مرات في اليوم ويقسم ويتعهد للزملاء الروس ويضرب بيديه على صدره؛ بأن المهمة القتالية ستنفذ بحذافيرها! ولكن بعد ساعة بعد سؤاله: لماذا يقف المقاتلون في أماكنهم ولا يهجمون، يجيب الجنرال الإيراني بسؤال ساذج: هل المعركة بدأت حقا؟
وأحيانا نضطر للبحث عنه خلال ثلاث ساعات. ومن جديد يقدم التعهدات والوعود بتنفيذ المهمات القتالية، وبعدها نكتشف أن الإيرانيين يطلبون السلاح ويقدمون قائمة من خمس صفحات باحتياجاتهم من الأسلحة، وبعد تلبية طلباتهم فإن السلاح يختفي بسرعة إلى جهة غامضة. وعندما نسأل أين اختفت الأسلحة؟ يرودن ببلاهة "إنها الحرب".
فقط من الصواريخ المضادة للدبابات؛ قدمنا لهم 1500 قطعة، ولم نتمكن من ضبط مصير هذه الصواريخ. فهم إما باعوها أو نقلوها إلى جهة مجهولة.
المستشارون العسكريون الروس يتحدثون بيأس: كما لا يجوز الثقة بالإيرانيين، فإنه لا يوجد مخرج من هذا الوضع. ويقولون للإيرانيين تبا لكم! المهم أن تثبتوا في أماكنكم ولا داعي لأن تهجموا. وحتى في أماكن محددة لا يستطيعون الثبات. وتبلور لدى العسكريين الروس انطباع عن الإيرانيين بأنهم ثرثارون بكل معنى الكلمة.