نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا عن
التعذيب في أقبية النظام السوري، بدأته بالحديث عن حمزة علي الخطيب، الذي كان من الواضح أنه تعرض للتعذيب قبل وفاته، وأعيدت جثته لعائلته بعد شهر من اعتقاله، عندما كان يشارك في تظاهرة سلمية في نيسان/ أبريل 2011.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن جثة الصبي، البالغ من العمر13 عاما، كانت مغطاة بآثار أعقاب السجائر والتمزقات، بالإضافة إلى تهشم فكه وعظم ركبتيه، فيما تم قطع عضوه الذكري.
وتبين المجلة أنه مع انتشار التظاهرات ضد النظام في أنحاء
سوريا كلها، فإن وفاة حمزة على يد الأجهزة الأمنية تحولت إلى رمز لوحشية النظام، مشيرة إلى أن وزيرة الخارجية الأمريكية في حينه هيلاري كلينتون علقت قائلة: "آمل ألا يكون موت هذا الطفل عبثا، وأتمنى أن تقوم الحكومة السورية بإنهاء الوحشية، والبدء بعملية تحول حقيقي للديمقراطية"، وشاركها الكثيرون في أملها.
ويستدرك التقرير بأنه "بعد ستة أعوام، تم سحق هذه الآمال كلها، ولا يمكن تحديد حجم القتل الذي مارسه النظام في أقبية السجون، حيث تقول منظمات حقوق الإنسان إنه قام بتعذيب وقتل ما بين 17500 إلى 60 ألف رجل وامرأة وطفل منذ بداية الثورة في آذار/ مارس 2011، وعادة ما يدفن القتلى في قبور جماعية، ولا يتم إرجاع جثثهم لذويهم، ولا تستلم عائلاتهم سوى شهادة وفاة تشير إلى أن الشخص مات في ظروف طبيعية".
وتقول المجلة إنه "من الصعب البحث عن السجناء أيضا، خاصة أن نظام بشار
الأسد قام بتحويل ملاعب الرياضة والبيوت المهجورة والمستشفيات إلى مراكز اعتقال، وتقوم المليشيات الموالية للنظام، والقادمة من العراق ولبنان وإيران، بإدارة سجونها السرية الخاصة، وهناك 200 ألف لا يزالون في المعتقلات، ومعظمهم في منشآت تابعة للحكومة، لا يسمح لمنظمة الصليب الأحمر الدولي بالوصول إليها".
وتضيف المجلة: "أما ما نعرفه عن أساليب النظام في التعذيب فهو قليل، وتسرب عبر روايات السجناء، الذين بادلهم النظام مع المعارضة، أو ممن فروا من السجون بعد رشوتهم المسؤولين، وتقوم عائلات أقارب القتلى بجمع ملفات عنهم، بالإضافة إلى أن ناشطين قاموا بتهريب عدد من الملفات إلى الخارج، وكلها ترسم صورة عن نظام يمارس التعذيب والقتل على نطاق واسع لإسكات المعارضين".
ويلفت التقرير إلى حالة طالب الجامعة مهند (28 عاما)، الذي كان وراء تنظيم بعض النشاطات، حيث اعتقل وأخذه عملاء المخابرات التابعة لسلاح الجو معصوب العينين، ونقل إلى زنزانة، حيث علق من رسغيه، وعذب لثمانية أيام قبل توقيعه على اعتراف مزور بأنه قتل عددا من جنود النظام بمساعدة من أمه.
وتفيد المجلة بأن مهند نقل بعد ذلك إلى قاعدة المخابرات الجوية القريبة من القصر الرئاسي في دمشق، وتعرض هناك لعامين من التعذيب، وأحيانا من أجل اللعب والسخرية، لافتة إلى أنه كان يطلب من السجناء التعري وأداء دور الكلب، أمام حراس السجن، الذين كانوا يشربون الخمر ويدخنون الأرجيلة، حيث كانوا يطفئون أعقاب السجائر ويرمون جمرات النار على ظهور السجناء، حيث كان الموت في القاعدة الجوية في المزة روتينيا، ويقول مهند: "كان عليك أن تعمل بجد لتسليتهم، وإلا ضربوك بشدة".
ويورد التقرير نقلا عن مهند قوله إن الموت في سجن المخابرات الجوية في المزة كان عاديا، حيث يتذكر مهند كيف قتل الحرس في رمضان 2012، 19 سجينا في ليلة واحدة، ويقول: "حصل لهم نوبات دماغية ونزيف حاد من التعذيب"، مشيرا إلى أنه في مناسبة أخرى، عاد ولد صغير إلى زنزانته وهو يبكي، "فقد أعدموا شقيقه أمامه، وبعد ذلك وضعوا الولد أمام طاولة واغتصبوه بعصا، وكانوا يضحكون وهم يقولون (فتحنا امرأة أخرى)، وقتل اثنان ممن كانوا في الزنزانة معه وهما ينتظران حلق شعرهما عندما ضربهما الحرس حتى الموت".
وتنوه المجلة إلى أنه "عندما التهب جرح مفتوح في رجل مهند، فإن الحرس أخذوه إلى مستشفى عسكري قريب، وأجبر المرضى على النوم وأحذيتهم في أفواههم، وعندما كانت تلك الأحذية تقع أثناء الليل، كان الممرضون يضربونهم بعصا بلاستيكية، وقال مهند إنه شاهد ممرضا يضرب مريضا حتى الموت بعد أن طلب دواء".
وبحسب التقرير، فإنه "في هذه المستشفى 601، عندما قام مصور يعمل مع الجيش بأخذ ستة آلاف صورة لمعتقلين قتلوا في السجون، في الفترة ما بين 2011 إلى 2013، حيث تظهر الصور صفوفا من الأجساد العارية والجثث المتعفنة، وكتب على رؤوس الضحايا أرقامها، ومعظمها تحمل آثار التعذيب، وتم تهريب الصور على ذاكرة خارجية، وتقدم هذه الصور الأدلة الدامغة على التعذيب المنظم في سجون النظام".
وتعلق المجلة قائلة إن "هناك القليل مما يمكن عمله من أجل جلب الأسد وزمرته إلى العدالة، وتقول الأمم المتحدة إن استخدام النظام التعذيب و(القتل الجماعي للمعتقلين) داخل السجون يعد جريمة ضد الإنسانية، لكن منظمات حقوق الإنسان تقول إن منظمة الأمم المتحدة تجاهلت بشكل كبير جرائم النظام، في محاولاتها التفاوض حول تسوية للأزمة السورية، وكانت آخر محاولة لمجلس الأمن ليحيل النظام السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية قد فشلت، بعدما اعترضت الصين وروسيا".
وينقل التقرير عن سعيد عيدو، الذي وثّق مجازر النظام لمعهد العدالة، الذي أنشئ في حلب عام 2011، قوله: "راقب الشعب السوري لمدة ستة أعوام تقريبا الأسد وهو يذبح أبناء شعبه، ونظروا إليه وفكروا (هذا الرجل قتل ابني)، فكيف تتوقع منهم قبول أي تسوية تبقي الأسد في السلطة؟".
وتذكر المجلة أنه في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر، أعادت المخابرات السورية جثة إبراهيم الأحمد إلى عائلته، وقالوا لهم إن الشاب البالغ من العمر 25 عاما، الذي اختفى منذ أربعة أعوام، مات بسبب جلطة قلبية، لافتة إلى أن جثته كانت متحللة، ولم تستطع عائلته التعرف عليها.
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى قول شقيق إبراهيم: "لم نقم له جنازة، وأخذناه مباشرة من الثلاجة إلى القبر"، وأضاف: "عندما يعرف الناس في سوريا أن أقاربهم قتلوا في السجن لا يثيرون ضجة حول هذا الموضوع، وليس من السهل النسيان".