نشر معهد واشنطن للدراسات تقريرا تحدث فيه عن اهتمام النظام السوري بما يطلق عليه إعلاميا بـ"
سوريا غير المفيدة"، وهي المنطقة الشرقية من سوريا.
وقال المعهد في تقرير كتبه فابريس بالونش، أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في "جامعة ليون 2"، إن المنطقة الشرقية من سوريا تعتبر غير مفيدة من الناحية العسكرية على الأقل، لكن الأمر لا يخلو من فائدة، ففضلا عن إنتاجه معظم الحبوب والقطن في سوريا، يشكّل الشرق مخزن ثروة البلاد من
النفط والغاز.
وقال المعهد إن السيطرة على الشرق ليست ضرورية لإحراز النصر في الحرب، لأن
إيران وروسيا تزوّدان النظام ومؤيديه بما يكفي من الطاقة والغذاء. ومع ذلك، لا غنى عن هذه المنطقة إذا كان الأسد يخطط لإعادة إعمار البلاد، واستعادة استقلالها الاقتصادي - وضمان الاستقلال الذاتي السياسي للنظام الذي هو الموضوع الأهم من وجهة نظره.
الاكتفاء الذاتي
وأوضح كاتب التقرير أنه على مر السنين، "بنى نظام البعث اقتصادا استبداديا، يتمتع بالاكتفاء الذاتي الذي أثبت أنه لا غنى عنه لاستقلاله السياسي. وفي التسعينيات، بدأت سوريا بتحرير اقتصادها ببطء، وقد تسارع ذلك في ظل [رئاسة] الأسد، لكن النظام بقي يشد قبضته على بعض القطاعات لضمان اكتفائه الذاتي في مجال الطاقة والغذاء. وبدوره سمح له ذلك بالحفاظ على تجارة خارجية متوازنة ولم يُعانِ بالتالي من الديون الخارجية".
وبين أنه كان استغلال موارد الزراعة والطاقة في شرق سوريا ضروريا لهذه العملية. ووفقا للبيانات الصادرة عن "المكتب المركزي للإحصاء"، أنتجت المحافظات الشرقية، الحسكة ودير الزور والرقة في عام 2010، 57 في المائة من الحبوب في البلاد و 75 في المائة من القطن.
وبالمثل، يوجد معظم النفط السوري في دير الزور والحسكة. ووفقا لـ "إدارة معلومات الطاقة" الأمريكية، بلغ الإنتاج في عام 2010،380,000 برميل يوميا، صُدِّر منها 140,000 برميل. وقد حفّز اكتشاف حقول الغاز الطبيعي في منطقة تدمر على تحويل محطات توليد الكهرباء لاستخدام الغاز، الأمر الذي سمح للنظام بالحفاظ على قدرته على تصدير النفط، في الوقت الذي كان فيه الاستهلاك المحلي للطاقة في تزايد حاد.
وبالإضافة إلى ذلك، وفّرت مناجم الفوسفات قرب تدمر الأسمدة الرخيصة للبلاد، وتعتبر مصدرا رئيسيا للدخل.
الإهمال السابق
وعلى الرغم من أهمية
المناطق الشرقية الإنتاجية، لطالما كانت مهمّشة من قبل الدولة. فلا توجد مصاف أو محطات للطاقة في المنطقة؛ وقد خططت الحكومة بناء محطة في الحسكة وأخرى في دير الزور قبل الحرب، لكن لم يُنفَّذ أي شيء. كما لم يتم إنشاء إلا القليل من المعامل التي تملكها الدولة، ويشمل ذلك قطاعات الغزل والنسيج والصناعات الغذائية. ولا يستفيد القطاع الخاص الشرقي إلا قليلا من ناحية الاستثمار.
وتساءل: هل سيتقبل سكان سوريا الشرقية مرة أخرى هذه الدرجة من التهميش إذا استطاعت دمشق استعادة السيطرة هناك؟ لقد أصبح الأكراد، كما أصبحت القبائل العربية المحلية أكثر دراية بالاستقلال خلال الحرب، وقد يجدون صعوبة في قبول الأوامر من العاصمة، بينما يقفون متفرجين أمام عودة شركات البترول والقمح والقطن المملوكة للدولة، وهي تحت هيمنة الموظفين العلويين من المحافظات الغربية.
لكن إذا أرادوا تجهيز موادهم الأولية وتصديرها، عليهم إما الانصياع للنظام وإما إيجاد شريك آخر، لأن شرق سوريا ليس لديها صناعات تحويلية خاصة بها. وعلى الرغم من سيطرة الأكراد على ثلث النفط في سوريا، إلا أن العقبات اللوجستية والدبلوماسية الحالية تمنعهم من تصديره عبر تركيا.
ونظرا للوضع الجغرافي الاستراتيجي الحالي، يمكن أن تتوقع دمشق الحصول على المساعدة الإيرانية والروسية بمجرد أن تُدير اهتمامها العسكري باتجاه الشرق. ولا شك أن طهران وموسكو قلقتان من اكتساب الأكراد والقبائل العربية في منطقة الفرات المزيد من الحكم الذاتي بمجرد سقوط الرقة، "عاصمة" تنظيم «الدولة»، مما سيؤدي بدوره إلى تشجيع وجود أكبر للولايات المتحدة في المنطقة. ويبدو أن حلفاء الأسد يعتقدون أن واشنطن تستخدم الحملة المضادة لتنظيم «الدولة الإسلامية» كذريعة لتعجيل تجزئة سوريا.