أكد رئيس حزب العدالة والبناء الليبي، محمد صوان، أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية "عجز تماما عن تحقيق الحد الأدنى للأداء التنفيذي"، وهو ما فتح الباب أمام من يطالبون بتعديل
الاتفاق السياسي، أو "تغيير المجلس الرئاسي نفسه".
وشدد صوان، خلال مقابلة خاصة مع "عربي21"، على رفضه "عسكرة الدولة"، وأكد أن حزبه ومعه آخرون سيقاومون هذا الأمر، ولن يسمحوا بـ"عودة الديكتاتورية العسكرية مرة أخرى"، موضحا أن الحزب لا يعترض على شخصية من يقود الجيش الليبي، لكن شرطه الوحيد أن تكون هذه القيادة "تحت تبعية السلطة المدنية".
وكشف صوان أنه تلقى دعوة "غير رسمية" لزيارة مصر، وأكد أنه لن يتردد في تلبية هذه الدعوة إذا "أفادت القضية الليبية وساهمت في حلحلة الوضع الراهن"، بحسب قوله.
من جهة أخرى، قال رئيس الحزب -ذي الخلفية الإسلامية- إن هناك أعضاء من جماعة
الإخوان المسلمين انسحبوا من الحزب؛ نظرا للمواقف التي اتخذها من بعض القضايا، منها المشاركة في الاتفاق السياسي، واصفا هذا الانسحاب بـ"الظاهرة الصحية"؛ لأن ذلك يؤكد استقلالية الحزب عن الجماعة، وفق قوله.
وفيما يلى نص الحوار:
* نبدأ معك باجتماعات "غدامس" الأخيرة، التي وصفتها بالإيجابية.. ما الذي حدث في الكواليس؟
- اجتماع "غدامس" جاء بعد رحلة طويلة من المشاورات والمحاولات لتجاوز الأزمة، ولكن للأسف كل الجهود لم يكتب لها النجاح، ومن ضمنها التي بُذلت مع المجلس الرئاسي من أجل مساعدته للخروج من حالة الارتباك والعجز. ولو حقق "الرئاسي" بعض النجاحات لما كان هناك من يتحدث عن التعديل، ولالتحق به أغلب المعارضين له، ولكن للأسف عجز المجلس على كل المستويات في تحقيق الحد الأدنى للأداء التنفيذي، عدا التواصل مع الخارج في ظل استمرار البلاد في انقسامها، والمواطن في معاناته.
وأستبعد أن يستطيع المجلس الاستدراك فيما تبقى، مع أنني آمل ذلك. من هنا، وصلت أغلب الأطراف إلى ضرورة التفكير في إيجاد مخرج من الأزمة، واتضح أن هناك قضايا أساسية يدور حولها النقاش، أهمها معالجة المجلس الرئاسي عددا وشخوصا، وبعض القضايا الأخرى، مثل تركيبة المجلس الأعلى للدولة، وتركيبة مجلس النواب وفقا للمواد 16، 17 الواردة بالاتفاق السياسي، والقيادة العليا للجيش. ومن هنا جاءت اجتماعات "غدامس".
* ولماذا مدينة "غدامس" تحديدا؟ وهل فعلا رفض المجلس البلدي للمدينة عقد الاجتماعات؟
- بحسب القضايا التي أشرت لها سالفا، التقت إرادة كثير من أعضاء فريق الحوار على دعوة لجنة الحوار للاجتماع، واستجاب الجميع. وكانت الرغبة أن يكون اللقاء بين الليبيين دون حضور أطراف أخرى، وفي مدينة ليبية، وقد تم اقتراح مدينة "غدامس" (مدينة تاريخية في غرب البلاد) أو مدينة "جنزور" (غرب العاصمة طرابلس)، ووقع الاختيار على "غدامس". ولكن عند وصول أطراف الحوار لمطار المدينة على متن طائرتين، واحدة انطلقت من الشرق والأخرى من طرابلس، فوجئنا برفض المجلس البلدي وأعيان غدامس لعقد فريق الحوار لقاءاته بالمدينة؛ بحجة عدم الترتيب المسبق، وتم عقد الاجتماع داخل صالة المطار، وعرضت خلاله أهم المقترحات، وكان هناك شبه إجماع حولها، وتلخصت في: تسمية رئيس ونائبين، ورئيس حكومة منفصل، ومعالجة قضية القائد الأعلى للجيش، وتركيبة مجلس الدولة. وطُرحت أيضا تركيبة مجلس النواب، ومعالجة وضع لجنة الدستور. ونظرا لتعذر حضور فريق مجلس الدولة، فربما لديه ما يضيف على جدول الأعمال، تم تحديد موعد اللقاء القادم ومكانه، وسيكون مبدئيا يوم 21 من الشهر الجاري في تونس.
* وبرأيك.. ما أهم التعديلات التي يجب أن تجرى على الاتفاق السياسي حتى يصبح مقبولا لدى كل الليبيين؟
- الحقيقة، الناس لا تبحث عن بنود الاتفاق وتفاصيلها أكثر من البحث عن ماذا قدّم الاتفاق من حلول للأزمات التي تمر بها البلاد. وهذا يدفعني إلى القول إن ارتباك المجلس الرئاسي، وعدم قدرته على الإنجاز، يستدعي بالضرورة إعادة النظر فيه؛ باختيار العناصر ذات الخبرة والكفاءة، والتخلص من عقلية هذا "حزب تحالف" أو هذا "حزب عدالة" أو ذاك "فلول القذافي"، وتقديم الكفاءة مهما كان توجهها الفكري. فالمرحلة لا يصلح لها التكنوقراط، بل تحتاج شخصيات سياسية قادرة على استيعاب كل المتناقضات. وهذا ما قلناه في مدينة الصخيرات المغربية، ولكن للأسف هناك رفض لأي شخصية قادرة بحجة الانتماء الفكري.
* طالبت من قبل بضرورة إجراء البرلمان تعديلا للإعلان الدستوري لتضمين الاتفاق السياسي فيه، كشرط لمناقشة مبدأ تعديل الاتفاق.. هل سيقبل البرلمان؟
- في الأصل، البرلمان هو المشكلة. هذه حقيقة. وأنا ذكرت سابقا لو أن الرئاسي نجح وكان في المستوى (المتوقع)، لالتحق به الجميع، لأن الوطن يتمزق ولا يمكن الانتظار. ولذلك نحن دفعنا بأن يبدأ الرئاسي أعماله ويشكل حكومة ويفوضها العمل قبل حتى منح الثقة، على أن تستكمل هذه الاستحقاقات فيما بعد. لكن للأسف "الرئاسي" لم يتحرك رغم الفرص الثمينة التي منحت له.
والحقيقة أن البرلمان كذلك لم يوفّق لتقديم أي شيء منذ انطلاقته. وأنا أدعو أعضاء البرلمان إلى إصلاح ما مضى؛ لأن التاريخ سوف يسجل عليهم هذه الحقبة إن لم يتداركوا ويتحملوا مسؤولياتهم فيما تبقى لإنقاذ الوطن.
* رئيس البرلمان عقيلة صالح لمّح إلى قبول البرلمان مبدئيا العودة إلى المسودة الرابعة للاتفاق.. هل ستقبل الأطراف الأخرى ذلك؟
- لا رجوع إلى المسودة الرابعة. والاتفاق السياسي هو الإطار العام للعملية السياسية باتفاق الجميع، عدا من يعيشون حالة من الرفض دون تقديم أي حلول عملية. والمطروح الآن هو إحداث التعديلات التي ذكرتها آنفا إذا تحقق توافق عليها.
* البعض اعتبر فتح الاتفاق من جديد وتعديله انقلابا على الاتفاق وتلاعبا به.. ما تعليقك؟
- نحن عارضنا فتح الاتفاق السياسي خوفا من انفراط العقد والدخول في المجهول، لكن ما يدفعنا لذلك الآن هو -كما ذكرت سابقا- ارتباك المجلس الرئاسي، وعدم وجود أفق للخروج من الأزمة.
* تعديل المادة الثامنة في الاتفاق يسمح بوجود خليفة حفتر في المشهد، وربما توليه قيادة الجيش الليبي.. هل تقبل بتعديل هذه المادة؟
- نحن ليست لدينا مشكلة مع من سيقود الجيش طالما كان تحت السلطة المدنية. أما "عسكرة" الدولة فهو مشروع فاشل، وللتخلص منه قامت ثورة 17 فبراير 2011 (الثورة الليبية ضد نظام القذافي)، وقدّم الليبيون التضحيات الجسام. وسوف نقاوم عسكرة الدولة، ونعمل على إقامة دولة الديمقراطية والقانون والمؤسسات بكل الوسائل المشروعة.
* لوحظ مؤخرا نشاط من قبل دول الجوار الليبي، خاصة الجزائر ومصر.. ما تقييمك للدور الإقليمي؟
- دول الإقليم حريصة على استقرار
ليبيا وأمنها، إلا أن بعض الدول كان تدخلها سلبيا في الملف الليبي.
* في مصر تم إسناد ملف ليبيا إلى المخابرات العامة، والتي التقت جميع الأطراف وآخرهم رئيس حكومة الوفاق فائز السراج.. هل ترى تراجعا في الدور المصري عن دعم حفتر؟
- نتمنى أن تلعب مصر دورا إيجابيا في الملف الليبي، وألّا تعتمد السلطات المصرية في فهمها للوضع الليبي على رؤية طرف واحد من أطراف الصراع، وأن تبتعد عن مقارنة ما يجري في مصر من صراع داخلي بما يجري في ليبيا، فالأمر مختلف، ومصالح مصر مرتبطة بليبيا واستقرارها، وازدهارها (ليبيا) اقتصاديا يعود بالنفع على البلدين.
* ذكرت لنا بعض المصادر أن مصر دعتك بشكل شخصي لزيارة القاهرة، وأنك اشترطت دعوة رسمية.. ما صحة ذلك؟ وهل ستقبل بزيارة مصر ولقاء السيسي أو رئيس أركانه؟
- نعم، تم الاتصال بي، ودعيت لزيارة مصر، ولم تكن الدعوة بشكل رسمي، ولم أطلب بأن تكون الدعوة رسمية، فمصر دولة جارة وشقيقة، وشعبها عزيز علينا، ولن أتردد في أي خطوة أرى أنها تخدم بلدي وتخدم الوفاق والمصالح المشتركة.
* مؤخرا، لوحظ صدام بين توجهات الحزب الداعمة للاتفاق والحوار، وبين توجهات المفتي العام الرافض للاتفاق جملة وتفصيلا.. ما سبب الصدام بينكما؟
- توقيع الحزب بالأحرف الأولى على الاتفاق السياسي ودعمه لحوار الصخيرات (تم توقيعه في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2015)، وتقديم التنازلات لصالح شركاء الوطن.. كلها قرارات اتخذت داخل الحزب بطريقة صحيحة، وهذا هو التوجه العام لحزبنا، لكنه لم يرض بعض الأعضاء، أو المؤيدين للحزب من خارجه. وهذه في تقديري ردود فعل طبيعية، فالحزب يمارس العملية السياسية التي تتطلب مرونة كبيرة، والعديد من الأعضاء انتسبوا للحزب عاطفيا، ولم يستوعبوا الفرق بين المبادئ والمتغيرات في ميدان السياسة.
* وهل تتفق رؤية الحزب، كونه محسوبا على "الإسلام السياسي"، مع بعض التوجهات الإسلامية الأخرى، ومنها جماعة الإخوان الليبية؟
- الحزب مؤسسة مستقلة عن أي جهة، بما فيها الإخوان المسلمين كجماعة دعوية، ولذلك ظهرت العديد من الاختلافات في المواقف بين الحزب وجماعة الإخوان، وهذا أمر معروف لكل متابع، ما دفع العديد من الإخوان وغيرهم إلى الانسحاب من الحزب، وهذه ظاهرة صحية تحسب لحزب العدالة والبناء.
* انتقدت مؤخرا تصريحات القوات التابعة لحفتر بشأن اقتحام العاصمة الليبية.. ما هي توقعاتكم بهذا الصدد؟
- أنا لست عسكريا، ولكن من الواضح أنها مجرد تهديدات للإثارة الإعلامية، ولا قدرة لأحد على الحسم عسكريا، فالسلاح في كل مكان. وأنا انتقدت إطلاق هذه التهديدات؛ لأنها تزعج الناس وتوتر الأوضاع، وتُحبط جهود الوفاق والمصالحة.
* بكل صراحة.. كيف ترى مستقبل الجنرال حفتر في المشهد الليبي؟
- أنا أجتهد لأرى مستقبل ليبيا دولة مدنية ديمقراطية يسودها الرخاء والاستقرار على يد شبابها الذين قدموا التضحيات، ولست محبطا حتى أتخوف من عودة الحكم العسكري والديكتاتورية، ولا أتخوف ممن قاربوا الثمانين عاما وأخذوا نصيبهم في أيام قد خلت.