في القصة الثانية التي تنشرها "عربي21" حول شهادات
معتقلين سابقين في سجن
تدمر الصحراوي في
سوريا، يروي أبو رسمي (59 عاما) جانبا من تجربته داخل أعتى
سجون الأسد الأب، بعد أن قضى 20 عاما في المعتقل.
فمصافحة أحد قيادات الإخوان المسلمين، ومتابعة دروس القرآن الكريم، كانت كافية لدى النظام السوري لاعتقال أبي رسمي (اسم مستعار) من حزيران/ يونيو عام 1981 حتى عام 2000، بتهمة "الانتساب لجماعة الإخوان المسلمين".
يقول أبو رسمي لـ"عربي21": "في أثناء خروجي من جامعة دمشق، اتجهت نحوي دوريتا أمن، وخرج منهما رجال مسلحون قاموا باعتقالي وقادوني للتحقيق بفرع الأمن الداخلي في دمشق، وخضعت فيه للتعذيب بالكهرباء والضرب على الدولاب لمدة أسابيع".
وخلال التحقيق وجه له رئيس الفرع، المقدم محمد ناصيف، تهمة "الانتماء للإخوان المسلمين وحضور دروس دينية في المسجد"، على الرغم من أن أبا رسمي يؤكد أنه لم يكن منظما في صفوف الإخوان حينها.
ويضيف: "بعد 20 يوما من التحقيق، رُحلت إلى سجن تدمر مع 43 معتقلا، داخل سيارات عديمة التهوية، وكانت تلك اللحظات رهيبة في حياتي، إذ عرفنا أننا متجهون نحو الإعدام، وبدأنا بالغناء (الله معي الله معي يا نفس صبرا لا تجزعي)".
ويتابع أبو رسمي: "دخلنا سجن تدمر، وبدأ الحراس يضربوننا بصورة وحشية بواسطة الكرابيج والعصي، وهم يصرخون: "جماعة أبو عصام"، ويقصدون عصام العطار المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، ثم قاموا بتعريتنا بالكامل، وقادونا إلى غرفة
التعذيب، وربطونا داخل دولاب سيارة وانهالوا علينا بالضرب حتى تشققت أجسامنا، وكان ذلك اليوم أشبه بكابوس، إذ توفي تحت التعذيب أحد الإخوة إثر ضربة على الرأس"، وفق رواية أبي رسمي.
اقرأ أيضا: سجناء سابقون في "تدمر" يروون لـ"عربي21" قصص التعذيب (1)
الإنسان يجب أن يكون حذرا فيما يتمنى
يتابع المعتقل السابق: "بعد انتهاء التعذيب الذي دام لساعات، وُزعنا على المهاجع. دخلنا مهجع 29، وجدنا أشخاصا بوجوه شاحبة، حليقي الرأس والذقون. والمفارقة المضحكة هي أن الإنسان يجب أن يكون حذرا فيما يتمنى، فقبل اعتقالي كنت أشاهد مقابلة لأمين الأصفر وحسين فخري وعبد القادر عبد الرزاق (قيادات في إخوان سوريا) وتمنيت أن التقي معهم، لأتفاجأ أنهم يقفون أمامي في المهجع نفسه".
"ولم ينتهِ التعذيب عند هذا الحد"، حسب أبي رسمي؛ "فبعد مدة قصيرة من توزيعنا على المهاجع، عاد الحراس لأخذنا إلى الحلاقة، ورافقت مسيرنا إلى الحلاقين جولة ضرب أخرى؛ بواسطة كوابل تخرج منها أسلاك حديدية كانت تمزق أجسادنا العارية. كنا نُضرب على أيدي أشخاص لا يمتلكون أدنى حس من الإنسانية. وبقيت عملية التعذيب ترافقنا طيلة فترة السجن".
ولا يقتصر تعذيب المعتقلين في سجن تدمر على الضرب فقط، فيشرح أبو رسمي أنواعا أخرى مارسها النظام السوري من التعذيب بحق معارضيه، من بينها قطع مياه الشرب عن المساجين لمدة أيام، أو تقديم طعام ملوث ببراز وبول الحراس، وفق روايته.
ويؤكد أبو رسمي أن "حراس السجن كانوا يتبولون في طعام السجناء بشكل متكرر، ويجبرونهم على تناوله". ويقول: "في إحدى المرات، استرقت النظر من ثقب في بوابة المهجع، ورأيت السجّان يتبول في الحساء الذي قُدم لنا".
اما أصعب أنواع التعذيب، فهي عندما كان الحراس يحرمون السجناء من الماء، بحسب أبي رسمي الذي يوضح أنه "كان يقدم للمهجع الذي يضم أكثر من 200 سجين؛ لتر إلا ربع من المياه في منتصف الصيف، وكانوا يتعمدون إطعامنا كميات كبيرة من الحلويات بشكل إجباري إلى جانب طعام شديد الملوحة، وكنا نعذب إذا رفضنا، مما يفاقم العطش لدينا".
"نشر" الأمراض
ويستذكر أبو رسمي خلال فترة سجنه؛ كيف عمد النظام السوري إلى نشر الأمراض السارية بشكل متعمد بين السجناء، ومن أبرز تلك الأمراضي الكوليرا والسل.
ويؤكد أن "السجانين نشروا مرض السل من خلال خلط طعام السجناء داخل وعاء البصاق الذي يستخدمه المرضى، ما أدى إلى انتشار المرض بشكل كبير، وبدأت أجسام السجناء بالهزال، وانتشر الموت في السجن، إذ لم تكن هنالك متابعة صحية".
ويضيف أبو رسمي: "انتشر مرض الجرب بشكل مخيف، وكان لحم السجناء يفيض قيحا، وعندما كنا نرى ذلك كنا نبكي. لجأنا لعلاج ذلك بالماء والملح ورماد السجائر، وكان ذلك مؤلما جدا للسجناء، فمنهم من أصيب بالجهاز البولي، وكان الجرب يأكل اللحم"، على حد وصفه.
يتابع: "كنا نترك أشهرا بشكل متعمد دون علاج. لجأنا إلى اختراع أداوت بدائية داخل السجن لخلع الأضراس، مستخدمين مقص الأظافر ودون مخدر".
كل هذه المعاناة اليومية تترافق مع إهانات يومية وتعذيب مستمر يمارسه النظام بحق المساجين. ويقول أبو رسمي: "كان الحارس يقف على سطح المهجع ويتبول علينا ونحن نيام، وكان يقوم أحيانا بسكب مياه باردة علينا في فصل الشتاء، ويجبرنا على الوقوف على قدم واحدة لساعات، وفي حال رفضنا الأوامر يضربون كل المهجع".
أُفرج عن "أبو رسمي" بعد محاكمة صورية، ليخرج بعد 20 عاما من الجحيم، ويستقر به المطاف بالعاصمة الأردنية، عمّان، يحاول جاهدا توثيق ما حصل مع السجناء في تدمر والسجون السورية الأخرى؛ لعل صوته يصل إلى محكمة العدل الدولية لمحاسبة "الجلادين"، كما يقول.
* تم التحفظ على أسماء المعتقلين السابقين ومقابلاتهم المصورة، بناء على طلبهم، تخوفا على عائلاتهم في الداخل السوري.