"دم ثوار يناير راح هدرا، وكأن الثوار قتلوا أنفسهم!"، و"يا ثوار يناير: عودوا إلى ثورتكم.. فقد عاد الفلول إلى مقاعدهم".. تلك كانت شعارت أطلقها
مصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تبرئة الرئيس المخلوع حسني
مبارك من تهمة قتل المتظاهرين خلال ثورة
25 يناير 2011.
وأكد محللون مصريون أنه بعد نهاية "محاكمة القرن"، والتي وصفها البعض بـ"مهزلة القرن" في 2 آذار/ مارس الجاري، ونجاح قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في تثبيت أركان حكمه؛ لم يعد أمام شركاء ميدان التحرير إلا التوحد مجددا ونبذ الفرقة.
ملفات الخلاف
وزادت حدة الخلاف بين التيارات الثورية، من رموز التيار المدني من الليبراليين واليساريين والقوميين من جهة، والإسلاميين من جهة أخرى، منذ الانقلاب على على الرئيس محمد مرسي منتصف عام 2013، وما تبعه من قتل واعتقال الآلاف من أعضاء الإخوان والمقربين للجماعة، إضافة إلى نشطاء من التيارات الأخرى.
وفي الوقت ذاته، تعيش جماعة الإخوان المسلمين أزمة خلاف داخلية من أعنف ما مرت بها منذ تأسيسها قبل 87 عاما، حيث يتنازع فريقان من قيادات الإخوان ("الجبهة التاريخية" و"جبهة الشباب")؛ أحقية إدارة الجماعة الإسلامية الأكبر في العالم.
حتمية المصالحة
وفي تدوينة لها عبر صفحتها بفيسبوك، تساءلت الكاتبة الصحفية أسماء شكر: "هل توحيد الصفوف صعب؟". ودعت شكر "لتوحيد أبناء
الثورة دون استفزاز لطرف على حساب طرف آخر"، كما طالبت بتوحيد صف جماعة الإخوان المسلمين أيضا.
كيان ثوري جامع
وحول أزمة رفاق الميدان، قال الكاتب الصحفي، قطب العربي، إن "هناك جهودا تبذل لصياغة وثيقة مبادئ مشتركة؛ تكون أرضية لعمل مشترك من خلال كيان ثوري جامع". وأكد أنه "قد ترى هذه الوثيقة النور قريبا"، وذكر عن "أن جهود تحقيق الاصطفاف بين القوى الثورية لم تتوقف لحظة".
وأشار العربي في حديث لـ"عربي21" إلى "ما تعانيه تلك الجهود من ضربات عبر أذرع الانقلاب المختلفة"، مضيفا أن "تلك الأذرع ترهب بعض القوى الثورية لمنعها من الالتقاء مع الإسلاميين"، وفق قوله.
وانتقد العربي "من يقومون بعرقلة جهود المصالحة بين الثوار؛ ممن هم داخل معسكر قوى الثورة نفسه"، واصفا إياهم بـ"القوى التي تتبنى موقفا عدائيا تجاه الغير دائما".
وأضاف: "في الفترة الماضية ظهرت بعض ثمار جهود الاصطفاف، مثل ميثاق الشرف الوطني الذي وقع عليه المئات من المصريين ممن ينتسبون للقوى الاسلامية والليبرالية واليسارية"، على حد قوله.
كما أشار إلى حملة "يناير يجمعنا" التي شاركت فيها رموز من قوى ثورية متنوعة أيضا، معتبرا أنها "حملة مؤقتة كانت ترتبط بذكرى يناير واستهدفت إعادة الوجه المضي لثورة يناير، واختتمت فعالياتها يوم 11 شباط/ فبراير الماضي".
الاصطفاف يساوي وحدة الوطن
من جانبها، ترى المحامية والناشطة الحقوقية، نيفين ملك، أنه "لا طريق آخر للمحافظة على وحدة هذا الوطن سوى توحيد الصفوف"، مؤكدة أنه "لا بديل سوى الاصطفاف الوطني وإعادة ترميم الجماعة الوطنية لمواصلة طريقها لبناء دولة ديمقراطية، دولة الحق والقانون"، وفق قولها.
وطالبت ملك في حديثها لـ"عربي21"؛ جميع رفقاء ميدان التحرير بـ"المسؤولية والتسامح والتسامي على الخلاف وبناء أرضية مشتركة تصلح للبناء عليها"، مضيفة أن "الأمر يحتاج لمزيد من الوعى والأخلاق قبل السياسة".
واعتبرت أن مصالحة الفرقاء "ممكنه في ظل معاناة جميع أطياف المعارضة والمجتمع المدني"، وأكدت أن نبذ الخلافات هو أقرب للنجاح في هذا التوقيت الذي وصفته بـ"الحرج"، مشيرة إلى "حاجة المجتمع والدولة لطوق نجاة"، على حد وصفها.
وقالت إن "كل أطياف المعارضة والمجتمع المدني مسؤولة عن اتخاذ الخطوات اللازمة والتصدي بمسؤولية دون تردد، وبنضج، للتعامل مع واقع المصريين وخاصة البسطاء من الأغلبية المسحوقه تحت نير الغلاء والفقر وسياسات الإفقار".
الموانع النفسية
وفي جانب آخر، قال استشاري الصحة النفسية، الدكتور محمد الحسيني، إن "الخلاف القائم يأتي في وقت صعب يعاني فيه الجميع"، متحدثا عن عوامل نفسية اعتبرها "سببا في تأخير الصلح بين مكونات الصف الواحد، وصنعت موانع نفسية جعلت كل طرف من المعارضة يُحجم عن التلاقي مع الآخر".
وأشار في حديث لـ"عربي21"، إلى ما أسماه بـ"الضغوط النفسية" التي يتعرض لها الجميع، و"أدت إلى حالة من الارتباك الاجتماعي، والانفصال عن الآخر"، كما قال.
كما اعتبر أن البعد المادي له "تأثير كبير في ظل عدم قدرة المعارضين على تلبية احتياجاتهم هم وأسرهم"، إضافة إلى أن "عمليات الاختطاف والقتل الممنهج والرعب الذي يعيشه الجميع؛ أثرت بشكل كبير على تقارب المعارضين".
وقال إن "الأزمة النفسية هنا تتمثل فيما زرعته أجهزة المخابرات المصرية في نفوس المعارضين، وأوصلت الثوار لحالة التخوين التي ظهرت بينهم ووصلت حتى داخل جماعة الإخوان المسلمين"، وفق تقديره.
وأكد الحسيني أن "تحقيق المعادلة الصعبة بتوحيد صفوف المعارضين ليس بالأمر المستحيل"، مستدركا بقوله: "ولكن التخلص من خلافات الماضي وتأثيراتها على يحتاج إلى بعض الوقت"، معتبرا أن "الزمن هو العلاج"، على حد تعبيره.