تساءلت مجلة "إيكونوميست" في تقرير نشرته في عددها الأخير: هل يمكن للسعودية أن تحافظ على نسائها؟ مشيرة إلى أنه سؤال مهم وسط تزايد مشاعر الغضب لدى المرأة
السعودية، التي لم تعد راغبة في أن تعامل كالأطفال.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه "رغم أن تعيين
نساء لرئاسة مصرفين كبيرين وسوق تداول، وهي سوق تبادل الأسهم في البلاد، يقدم بارقة أمل من أن الطريق أمام النساء لتحقيق مستقبل في مجال العمل ليس مغلقا تماما، إلا أن القيود المفروضة على المرأة باتت تثير تعبها، لدرجة أن الكثير منهن بدأن يجدن طريقهن وبشكل صامت خارجها".
وتشير المجلة إلى أن "هناك عدة طرق تختار فيها المرأة العيش بعيدة عن بلدها السعودية، منها الهروب أثناء العطلات التي تقوم بها العائلة إلى الخارج، وهناك الدارسات في الجامعات الغربية ممن يؤخرن العودة لأجل غير مسمى، وبعض النساء يستفدن من خدمات سرية على الإنترنت تقدم عروضا لزواح المصلحة، ويتزوجن من رجال مستعدين لتسهيل سفرهن إلى الخارج".
ويلفت التقرير إلى أن إيمان، التي تعمل إدارية في مستشفى خاص، وجدت عرضا بـ4 آلاف دولار، يشمل شهر عسل في أستراليا، حيث تخطط أن تهرب بسرعة.
وتذهب المجلة إلى أن "ما يدفع النساء للبحث عن مخرج من السعودية هو نظام
الولاية، فهذا النظام يفرض قيودا على حركة المرأة، مع أن الجانب الأهم الذي حظي بالاهتمام هو منع المرأة من قيادة السيارات، فمن أجل السفر، أو العمل، أو الدراسة، أو تلقي العلاج في الخارج، أو الحصول على بطاقة الهوية، وحتى الخروج من السجن بعد انتهاء المحكومية، فإنه يجب على المرأة الحصول على موافقة الولي الذكر، فالمرأة في السعودية ترتبط حياتها من الولادة وحتى الموت بالولي، الذي قد يكون والدها أو زوجها أو أي من الأقارب، وأحيانا يكون هذا الولي في حال وفاة الزوج والأب، أخا صغيرا أو شابا؛ نظرا لأن القانون يعطي الولد حق الولاية منذ الولادة، فيما يتم التعامل مع النساء على أنهن قاصرات طوال حياتهن".
ويذكر التقرير أن إيمان مطلقة، ويتولى ولايتها شقيقها، الذي يبلغ عمره 17 عاما، أي نصف عمرها، ويسمح لها بالعمل مديرة في المستشفى، ويأخذ ما تكسبه من مال، وتصف وضعها بأنها مثل الشاة، ففي الوقت الذي ينفق فيه شقيقها المال على المخدرات ومحلات التدليك في البحرين، فإن زوجها السابق يرفض السماح لها برؤية الأولاد، ويرفض شقيقها السماح لها بمواصلة دراستها في أوروبا، ويهددها بالضرب إن اشتكت.
وتنوه المجلة إلى أن إيمان حاولت الذهاب إلى المحكمة لتنقل الولاية إلى شقيقها الأكبر المتعاطف معها، إلا أن القاضي رفض القضية، وقام بهذا وهو يتحدث على هاتفه، كما تقول إيمان، مستدركة بأنه مع أنها كانت ترتدي العباءة، إلا أنها تشك بأن القاضي رفض القضية لأنها تقدمت بها بنفسها.
ويكشف التقرير عن أن الخدمات الاجتماعية لا تقدم المساعدة الكافية؛ لأن الملاجئ المخصصة للنساء، اللاتي يتعرضن للانتهاك والعنف المنزلي، تشبه السجون، حيث النوافذ مطلية بالسواد، ولا يسمح فيها بالزيارة، مشيرا إلى أن إيمان عندما تسمع نساء يقلن إن إخوانهن لا يضربوهن تفترض أنهن يكذبن؛ "لأنهن يخفن من الذهاب إلى الملاجئ".
وتورد المجلة أن عدد البنات الهاربات لا يعرفه إلا الباحث في علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض منصور العسكر، الذي يقول إن المعدلات في ارتفاع، وبحسب تقديراته، فإن هناك ما يقرب من ألف فتاة تهرب من السعودية كل عام، لافتا إلى أن عددا كبيرا منهن يهربن من الرياض إلى مدينة جدة الساحلية ذات الجو الليبرالي والمنفتح.
وبحسب التقرير، فإن علماء سعوديين يؤكدون أن قانون الولاية لا علاقة له بالإسلام، لكن بعادات وتقاليد القبائل البدوية، التي تسيطر على معظم وسط الجزيرة العربية، مشيرا إلى أن السيدة خديجة، أول زوجات الرسول الكريم، كانت تاجرة ودعمت زوجها، فيما سافرت زوجاته لاحقا بين المدينة ومكة دون مرافقة زوجهن لهن.
وتنقل المجلة عن الباحث في شؤون العقيدة في الرياض حسن المكي، قوله: "لقد حرر الإسلام المرأة من الولاية"، وأضاف مكي، الذي تعرض للسجن أحيانا لتفكيره المنفتح: "يحق للمرأة اختيار زوجها"، مستدركة بأن الشيوخ الذين يسيطرون على القضاء والإفتاء يؤكدون أن الولي يحمي النساء الضعيفات، وبالضرورة المجتمع.
وينوه التقرير إلى أن محكمة سعودية حكمت في كانون الأول/ ديسمبر 2016 بالسجن لمدة عام على رجل أنكر نظام الولاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأشار سعودي آخر يدرس في جامعة مكة إلى أن الفتيات الهاربات ربما قررن الفرار من الضرب الجسدي، لكنه قال إن معظمهن تأثرن بوسائل التواصل الاجتماعي، واستخدمنها بطريقة سيئة "لتقليد الثقافات الأخرى، ونتيجة لضعف الإيمان".
وتورد المجلة عن بعض الاقتصاديين، قولهم إن نظام الولاية يؤثر في اقتصاد البلاد ويفقرها، فنسبة ربع الـ 150 ألف مبتعث للخارج كل عام هي من الفتيات، ونظرا لاختيار معظمهمن البقاء في الخارج، خاصة في دبي، فإن مبلغ 5 مليارات دولار تنفقه الدولة على المبتعثين يذهب هدرا.
وينقل التقرير عن الأكاديمية السعودية التي استقرت في بريطانيا نجاح القاسمي، قولها: "السعودية تخسر المعركة الطويلة للحفاظ على أصحاب الكفاءات".
وتبين المجلة أن مشكلة الإصلاحيين تكمن في أن من أكثر الداعيات بقوة لنظام الولاية هن نساء، خاصة في المناطق الجنوبية مثل منطقة عسير، رغم أن هاشتاغ مثل #IAmMyOwnGuardian و #StopEnslavingSaudiWomen على وسائل التواصل الاجتماعي جذبا 14 ألف توقيع.
ويقول التقرير إن "المسؤولين السعوديين يعترفون بأهمية جعل البلاد أكثر ودية مع النساء، وهناك الكثير من الفتيات اللاتي يذهبن إلى الجامعات مقارنة مع الرجال، ورغم أن الكثير من الرجال يرسلون صورهم عندما يتقدمون بطلبات وظائف لزوجاتهم، ويقومون بالذهاب إلى المقابلات نيابة عنهن في بعض الأحيان، إلا أن السعودية ألغت في عام 2012 نظام الولاية في أربع وظائف، منها: مساعدة مبيعات في محل للملابس، وطباخة، وموظفات في المتنزهات الترفيهية".
وتفيد المجلة بأنه "يمكن مشاهدة النساء في مراكز التسوق الراقية وهن يبعن مواد التجميل، ويمنح الرجال المنفتحون الفتيات إذنا مدته خمس سنوات للتحرك دون مرافقة، مع أنهم يحصلون على معلومات حول تحركاتهن من خلال الرسائل الهاتفية، وتم تخفيف القيود المتعلقة باللباس قليلا في داخل البلاد، ففي المدن الكبيرة أضافت النساء مجموعة من الألوان للعباءة التي يجب عليهن ارتداؤها، وحتى في مدينة بريدة عاصمة المحافظة في البلاد، قامت النسوة بعمل فتحات في النقاب من أجل إظهار عيونهن".
ويستدرك التقرير بأن "الكثير من النسوة يعبرن عن غضبهن وإحباطهن على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت صور للنساء وهن يركبن دراجات نارية بشكل واسع، بالإضافة إلى ظل امرأة وهي ترقص فوق سيارة، فيما انتشرت أغنية بوب لنساء وهن على ألواح تزلج ودراجات هوائية وفي السيارات، ويقول العسكر إنه طالما لم يتكيف النظام، فإنه يواجه خطر الانهيار".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول: "يجب على القضاة والشرطة العمل معا من أجل تجريد الرجال من حق الولاية، وبالنسبة لإيمان المديرة الإدارية في المستشفى، فإن هذا لن يحدث سريعا، ولهذا ينتظرها شهر العسل في أستراليا".