بعد قرار
السلطة الفلسطينية خصم نحو ثلث قيمة رواتب الموظفين بقطاع
غزة، واستمرار رئيس السلطة
محمود عباس بالتلويح باتخاذ "إجراءات حاسمة" ضد القطاع المحاصر؛ اتفق مختصون فلسطينيون على أن كافة الإجراءات "العقابية" التي يتخذها عباس ضد غزة، تكرس انفصال الأخيرة عن الضفة "بما يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية".
وأكد عباس في كلمته خلال المؤتمر الثاني لسفراء فلسطين لدى الدول العربية والإسلامية الذي عقد الأربعاء في المنامة، أنه في صدد الإقبال على "خطوات حاسمة" و"غير مسبوقة" ردا على قيام حركة المقاومة الإسلامية "حماس" باعتماد لجنة إدارية لقطاع غزة.
وقال عباس: "شكلت حماس حكومة في غزة، وبذلك شرعت الانقسام، وذهبت لمجلسها التشريعي لإعطاء الشرعية".
وسبق أن حذر القيادي في "حماس" محمود الزهار، رئيس السلطة "المنتهية ولايته، من اتخاذ أية إجراءات إدارية ومالية ضد
قطاع غزة ردا على تشكيل اللجنة الإدارية".
وقال الزهار خلال مؤتمر صحفي خاص بأعضاء كتلته البرلمانية عقده الأحد الماضي، إن اللجنة الإدارية تم تشكيلها لتكون "حلقة وصل بين الوزارات والتشريعي، وجاءت بتكليف من المجلس التشريعي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، وللتخفيف من سياسة رئيس الوزراء رامي الحمدالله التي تشارك في حصار غزة".
وحول الخطوات "الحاسمة" التي من المتوقع أن يتخذها الرئيس الفلسطيني؛ قال الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة، إن "عباس لم يعد يمتلك أوراق ضغط على غزة أكثر مما فعل، فقد أوقف تعامل البنوك مع
حركة حماس، وخصم من رواتب الموظفين، وفرض الضريبة على وقود محطة الكهرباء، ولم يتبق له سوى التوقف عن دفع الرواتب كليا، وهذه خطوة لا توافق عليها إسرائيل؛ لأنها معنية بهدوء جبهة غزة".
جميع الخطوات العقابية
وأضاف أبو شمالة لـ"
عربي21" أن "جميع الخطوات العقابية التي يتخذها عباس ضد غزة؛ تعزز بشكل عملي سياسة الفصل بين غزة والضفة، ليكون الفصل بعد ذلك سياسيا، وهذه سياسة لها من يدعمها ويشجعها، كما أنها ستدفع غزة باتجاه البحث عن بدائل الارتباط بالسلطة"، مؤكدا أن "الاحتلال يريد الفصل، ولا يريد التصعيد".
ولفت إلى أن الاحتلال "معني بدفع الاتحاد الأوروبي للتعامل مباشرة مع غزة كحالة إنسانية بعيدا عن عباس، وذلك في ما يتعلق برواتب الموظفين والشؤون الاجتماعية والكهرباء، وسبق أن دفعت أوروبا تكاليف وقود الكهرباء قبل أن تطلب السلطة تحويل المبالغ إلى ميزانيتها".
وعن الخطوات التي يمكن أن تقوم بها حركة حماس لمواجهة إجراءات عباس؛ رأى أبو شمالة أن "أمام حماس خطين؛ الأول أن تخضع لعباس وتستجيب لكل اشتراطاته، وفي هذه الحالة سيواصل ضغطه ويطالب بنزع سلاح المقاومة، وهذا ما لا تقدر عليه حماس".
وتابع: "أما الخط الثاني؛ فيتمثل في أن تبحث حماس عن بدائل أخرى من خلال تركيا وقطر، لتوفير احتياجات غزة من وقود ودعم مالي، وهذا أسهل بكثير، ويلقى قبولا إسرائيليا؛ طالما أنه يحافظ على الهدوء، ولا يفتح صراعا عسكريا لا ترغبه إسرائيل، وبهذا يتم ترسيخ الفصل بين شطري الوطن".
فصل الضفة عن غزة
من جانبه؛ قال الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، إن "عباس بدأ بخطوات التضييق على غزة بهدف التخلي عن مسؤوليته تجاه القطاع، وذلك على طريق الفصل بين القطاع والضفة تدريجيا، عبر إيقاف تقديم أي خدمات للقطاع تمر عبر السلطة".
وأضاف لـ"
عربي21" أنه "مع ذلك؛ فإن قدرات عباس للتأثير السلبي على قطاع غزة محدودة؛ لأن قوة تأثيره ترتبط بمدى تعاون الاحتلال معه، ومدى تطابق ما يقوم به مع رؤية مصر للقطاع"، معتقدا أن "تخلي السلطة عن الخدمات القليلة التي تقدمها للقطاع؛ مدعاة لبحث غزة عن أساليب أخرى لتفك ارتباطها بالسلطة في
الضفة المحتلة".
وأوضح المدهون أن ممارسة سياسة التضييق على غزة "لن تؤثر على حماس وحدها، بل على جميع أطياف الشعب الفلسطيني، وهو ما سيؤدي إلى ردات فعل غاضبة من الكل الفلسطيني ضد عباس في كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، ما سيقوض شرعيته أمام الرأي العام العالمي".
ورأى أن "عباس يحاول دائما تعزيز دولة الضفة على حساب ارتباطها الجذري بغزة والقدس، ويقوم حاليا بإجراء انتخابات محلية في الضفة وحدها"، لافتا إلى أن "قوة السلطة الفلسطينية ونفوذها وتمددها تنحصر في الضفة فقط شيئا فشيئا، ليتحول مشروعها إلى كنتونات تفتقد للتواصل الجغرافي، وهو ما ينسجم مع الرؤية الإسرائيلية".