استغرب المحامي السعودي، نايف آل منسي "غضب (الإسلامويين) العارم على
مسلسل (
غرابيب سود)"، متسائلا: ما الذي أزعجهم بالضبط في المسلسل الموجه بشكل مباشر وصريح لتعرية فكر الغلو والتطرف عند
تنظيم الدولة الإسلامية، الذي ما انفكوا يتبرأون منه"؟.
وقال آل منسي لـ"
عربي21" مسلسل (غرابيب سود) الذي يبث حاليا على قناة الـ mbc ، استطاع إلى حد ما إيصال رسالته، لكن ما ينقصه هو التركيز على الدوافع الأيدلوجية التي تقف وراء (الفكر الداعشي)، لأن ذلك "هو جوهر القضية، ومربط الفرس" على حد قوله.
واعتبر آل منسي، عضو هيئة التحقيق والادعاء العام سابقا، توجه المسلسل لإبراز تنظيم الدولة كمجموعة من الأشرار القتلة، العاشقين للقتل والتدمير والتخريب، من غير إبراز دوافعهم وأهدافهم فيه قصور كبير، ولا يفضي إلى تعرية فكر التنظيم المتطرف بشكل واضح.
ووفقا لآل منسي فإن المطلوب حتى يؤتي هذا العمل ثماره، التركيز المكثف على المنطلقات والدوافع التي ينطلق منها التنظيم في تجنيد أتباعه، ومن ثم دفعهم للانخراط العملي في معاركه المفتوحة هنا وهناك".
ولفت آل المنسي إلى أن "كثيرا من تلك المنطلقات والدوافع مقبولة عند غالب المسلمين، لكنها توظف من قبل التنظيم بما يخدم أهدافه وتوجهاته في الحشد والمواجهة واستهداف الأعداء".
اقرأ أيضا: إنتاج تلفزيوني ضخم خلال رمضان عن نساء تنظيم الدولة (فيديو)
وذكر آل منسي أن المسلسل ما زال في بداياته، لكن ما يمكن قوله بحسب الحلقات السابقة أنه عمل موجه لتعرية هذا الفكر، وتوجيه رسائل تحذر من خطره وشره، خاصة الشباب" مضيفا "وإن كان ثمة مبالغة في النقد فهي موجهة في الأساس لذاك التنظيم وليس للأعمال الدينية بذاتها".
من جانبه رأى الداعية السعودي، سعد التويم أن المسلسل يتضمن "محاولات جادة لتشويه المرأة السنية، وإلصاق تهمة "الدعشنة" بها عن طريق كذبة (جهاد النكاح).
وانتقد التويم تلك المشاهد التي اختيرت فيها المرأة السعودية، لتكون هي الممارسة لجهاد النكاح، متسائلا: لماذا تم اختيار المرأة السعودية "السنية" بالذات؟.
واتهم التويم المسلسل بأنه "يحمل النظرة الإيرانية الصرفة تجاه أهل السنة ويسوق لها، وينشر فبركات الشيعة وكذبهم ضد أهل السنة" على حد وصفه.
واستنكر التويم بشدة إظهار المسلسل "حلقات تحفيظ القرآن والدروس الدينية باعتبارها المصدر الأول للإرهاب و(الدعشنة) في العالم".
وقال التويم في مقاطع مصورة عبر حسابه على تطبيق "سناب شات" جهاد النكاح الذي يروج له المسلسل لم يُفتِ به أي عالم سني" متسائلا: "أين هم عن نكاح المتعة الذي يفتي بجوازه جميع أئمة الشيعة"؟.
في السياق ذاته اتهم الباحث الشرعي السعودي، عيسى الحديبي القائمين على المسلسل بأنهم "يسعون لإسقاط الإرهاب، والسلوكيات السيئة على الدين نفسه" مستنكرا تصوير المسلسل لجمعيات تحفيظ القرآن بأنها المحضن الذي ينتج الإرهابيين.
وأوضح الحديبي في حديثه لـ"
عربي21" أن المتحدث الرسمي الأمني السعودي صرح بأن جمعيات تحفيظ القرآن الكريم لا علاقة لها بالإرهاب".
وتساءل الحديبي "لماذا لا تخصص تلك القنوات مسلسلات لانتقاد إرهاب الحشد الشعبي الشيعي، وانتقاد استهداف متطرفي الشيعة لرجال الأمن السعودي في منطقة القطيف"؟.
وتقييما منه للجوانب الفنية من المسلسل، رأى الكاتب والشاعر العراقي، خليفة الدليمي الحائز على دبلوم في الإخراج السينمائي والتلفزيوني من ألمانيا، أن سيناريو المسلسل ضعيف جدا، وفيه استهتار بعقلية المشاهد في كثير من مشاهده.
ولفت الدليمي إلى أن المسلسل من الناحية الدرامية ساذج وغير مقنع، خاصة في طريقة عرضه لاستدراج الشباب والعناصر وإقناعهم بفكر تنظيم الدولة، وتجنيدهم لصالحه، جعلت المسلسل في غالب مشاهده يبدو وكأنه أضحوكة وموضعا للتندر.
وردا على سؤال "
عربي21" كيف يقيم نص المسلسل وإخراجه؟ قال الدليمي "يبدو أن كاتب النص حاول الغوص لتسليط الضوء على دقائق تفكير التنظيم، لكنه للأسف أعاد قول ما نعرفه جميعا، ولم يأت بما يبهر المشاهد أو يشده".
وأضاف "أما الإخراج فكان مملا، لأنه اعتمد على السرد المباشر، ولم يقم بتمرير رسائله بذكاء عبر مشاهد درامية مؤثرة، وثمة مشاهد كثيرة في المسلسل كان يمكن إظهارها بطريقة أفضل، وأكثر تأثيرا ووقعا في نفس المتلقي".
ولاحظ الكاتب العراقي أن المسلسل من حيث المضمون، لم يوفق في صياغة رسائله بطريقة صحيحة، بل بعضها كانت سلبية، وفي الاتجاه الخاطئ، إذ لا يصح بذريعة مواجهة الإرهاب الطعن بمظاهر الدين والتدين، كمهاجمة حلقات تحفيظ القرآن، وكأنها هي المحاضن المنتجة للإرهابيين، أو تشويه صورة أهل السنة لصالح الشيعة.
ووفقا للدليمي فإنه بمشاهدته لحلقات المسلسل، وبقراءته لما بين السطور، وجد أن المادة التي يقدمها هذا المسلسل تخدم بشكل قوي جدا الماكنة الإعلامية الشيعية، ويغذي وجهة نظرها بشكل كبير جدا، خاصة ما يتعلق منها فيما أسموه بـ"جهاد النكاح".
اقرأ أيضا: تنظيم الدولة يهدد بتفجير مقر تلفزيون "MBC" في دبي
بدوره رأى الخبير في الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية أن هذا المسلسل يأتي في إطار سلسلة من المسلسلات التي تعكس رؤية "مستشرقي الداخل" الذين هم أسوأ من "مستشرقي الخارج" بحسب عبارته.
وتوضيحا للرؤية الاستشراقية في نظرتها للإنسان المسلم، أوضح أبو هنية أنها تتمثل في تصويرها للمسلم بأنه "عنيف وشهواني"، وهذا ما تم إظهاره بشكل مسف ومبالغ فيه جدا في المسلسل، وإن كان موجها بالطبع لتنظيم الدولة، لكنه لا يخلو من آثار سلبية تمس الصورة بمجملها.
وانتقد أبو هنية مضمون العمل ومحتواه، لأنه لم يقدم تحليلا علميا دقيقا لأسباب العنف والتطرف، إذ لم ترد فيه أي إشارة إلى الديكتاتوريات المحلية، ولم يذكر الاستبداد وكوارثه، ولم يتم الحديث عن حالة انسداد الأفق السياسي.. متسائلا: هل التطرف والغلو وليد النص الديني أم ابن الواقع أو كليهما؟.
وأكد أبو هنية (المشارك مع محمد أبو رمان في تأليف كتاب عاشقات الشهادة الصادر حديثا) في جوابه على سؤال "
عربي21" بشأن دوافع النساء في انضمامهن لتنظيم الدولة أنه لا فرق بين الرجال والنساء في ذلك.
وتابع "من أبرز تلك الدوافع التعلق بدولة الخلافة التي تطبق الدين كاملا، والسعي لتحرير العالم الإسلامي من الهجمة الصليبية، وفي الوقت نفسه مواجهة الهجمة الإيرانية..".
وانتقد أبو هنية تركيز المسلسل على إظهار الطابع الشهواني بطريقة مبالغ فيها، والترويج الفج لخرافة "جهاد النكاح"، عازيا ذلك إلى غياب البحث الجاد، وعدم طلب المعرفة الصحيحة، والاكتفاء بقصص وحكايات من هنا وهناك، مع التغافل التام عن تقديم تحليل علمي شامل ودقيق لأسباب الظاهرة، حتى تأتي معالجتها قوية وناجعة.