مع التطورات التي يعرفها
حراك الريف بالمغرب، تسارعت في الفترة الأخيرة خرجات وتصريحات مستشاري
الملك، التي تدعو كلها إلى إبعاد الملك عن هذا الملف وعدم إقحامه في تدبير هذا الملف وتحمل
الحكومة مسؤولية حله.
آخر المتحدثين كان المستشار الملكي، عباس الجراري، الذي أطلق النار على الجميع، في حوار مع جريدة "الصباح" اليومية، في عدد الإثنين، وتساءل: "أين هي الحكومة من كل هذا، وأين هي الأحزاب والمؤسسات التي تصرف عليها المليارات؟"، وهاجم "جميع من يتفرج على ما يجري أو يذكون نيران الفتنة أكثر مما هي متقدة".
وكان فؤاد عالي الهمة، كبير مستشاري الملك وصديقه، قد هاجم قبل أيام رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، في بلاغ غاضب صادر بصفته الشخصية، رافضا وجود وساطة لحل مسألة حراك الريف.
خروج عن التحفظ
قال أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة، حسن طارق: "طبعا تصريحات مستشاري الملك، تخرق
واجب التحفظ، فوضعهم الحساس يجعل ما يقال بلسان المستشارين يحسب على الملك، لأنهم لا يملكون هامشا للحرية في ممارسة أدوارهم بعيدا عن الملك، وحتى ما صدر عن المؤسسة الملكية في الحقيقة في هذا الملف، يبين هذه الحقيقة أنهم لا يتحركون بعيدا عن الملك".
وتابع حسن طارق في تصريح لـ"
عربي21"، أن "تاريخ خرجات مستشاري الملك يجعلها محسوبة، ومعروفة بسياقها، انطلاقا من الخرجة الشهيرة للمستشارين مزيان بلفقيه ومحمد معتصم إبان حكومة التناوب، والتي أكدوا عليها إبان تشكيل حكومة عباس الفاسي في 2007، والتي أكدوا خلالها على أخلاقيات وسياق وظيفة تصريحات المستشارين".
وزاد: "ما يصدر عن المستشارين في شقه السياسي لا يمكن أن يقرأ إلا فيما تفكر فيه المؤسسة الملكية، فهذه الخرجات المتكررة يصعب أن نتصور أنها تعبير عن انطباعات شخصية للمستشارين".
واعتبر أن حديث مستشارين ملكيين عن حراك الريف "يؤكد أن ما يقع ليس بسيطا ولا هينا، نحن أمام حدث استثنائي في عهد محمد السادس، وهذا دليل آخر على أننا أمام حدث كبير، ومن هذا الجانب يمكن اعتبارها خرجات طبيعية. ومع ذلك يبقى التساؤل عن دلالات تصريحات مستشاري الملك".
الحل في تعديل الدستور
قال أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسي، عبد الرحيم العلام: "إذا كان
مستشارو الملك مستاؤون من تعريضه للحرج، فما عليهم إلا أن يشيروا عليه بعدم جمع كل السلطات والصلاحيات بين يديه، وأن يدفعوا باتجاه تعديل دستوري يؤسس لفصل واضح في السلط والمسؤوليات".
وأضاف عبد الرحيم العلام في تصريح لـ"
عربي21"، أن "الملك يشرف بموجب الدستور على الحكومة وعلى تعيين مدير المتاحف وعلى رئاسة مباريات رياضية، لهذا فإقحام الملك من طرف الأحزاب أو الحكومة أو المحتجين ليس ترفا بل هو واقع يفرض نفسه".
وتساءل العلام: "كيف يريد هؤلاء من الناس الذين يرون أن مشاريع الملك تحضر لها إمكانيات ضخمة وتنفذ في زمن قياسي ألا يطالبوا الملك بالتدخل لحل المشاكل، خاصة وهم يرون أن المشاريع التي تعلن عنها الحكومة تمهل ولا تنجز في وقتها؟".
وعن خرق واجب التحفظ، قال العلام: "إن خرجة المستشار الملكي مأذون له فيها من طرف الملك لأن المستشار لا يتكلم من تلقاء نفسه، فزيارة الهمة لابن كيران وخروجه ببلاغ لا يمكن أن يحدث من تلقاء نفسه".
وعن الوضعية القانونية لمستشاري الملك، أضاف: "إن وضعية مستشاري الملك منظمة باللاتنظيم، لا وجود لها في القوانين التنظيمية، ولا في النصوص التشريعية العادية، فلا تعرف متى يجب أن يتكلموا ولا متى يجب أن يتحفظوا، بل وضعيتهم يفرضها العرف والتاريخ ولا أساس قانوني لها".
هجوم المستشار
وأطلق مستشار الملك محمد السادس، عباس الجراري، النار على جميع المتدخلين من أحزاب وحكومة، داعيا إلى عدم تعريض الملك للحرج من خلال تحميله مسؤولية حل المشاكل في البلاد، معترفا أن "للدولة أخطاء في الريف".
وتساءل الجيراري: "أين هي الحكومة من كل هذا، وأين هي الأحزاب والمؤسسات التي تصرف عليها المليارات؟ الجميع يتفرج على ما يجري أو يذكون نيران الفتنة أكثر مما هي متقدة".
وأضاف: "لقد وصلنا إلى طريق يكاد يكون مسدودا، بعد أن فشلت المؤسسات المنوط بها حل المشكل في تدبير الأزمة والوصول بها إلى بر الأمان".
وتابع: "الكل ينتظر تدخل الملك، وهذا ليس هو الحل منذ البداية، لا يعقل أن تتخلى الحكومة والمؤسسات عن مسؤولياتها ليتم الزج بالملك في قضايا مثل هاته، ليس سهلا أن يغامر الملك في ملف شائك مثل هذا لا يمكن توقع ردود الأفعال فيه".
ومضى يقول: "تصرف الأحزاب والحكومة والمؤسسات بإسناد كل شيء إلى الملك، بحق أو باطل، يضعه في موقف حرج، على الجميع أن يتحمل مسؤوليته، لا أن يلقي كل طرف المسؤولية على الآخر، ونتمنى أن تتغلب الحكمة في الأخير، لأن
المغرب يبدو وكأنه فقد حكماءه، بعد أن ركن مثقفوه إلى الصمت أو انسحبوا، فيما اختار البعض الآخر التفرج بسخرية واستهزاء بما يجري".
هذا، وكان الديوان الملكي قد أصدر قبل عام من الآن، بلاغا شديد اللهجة أكد فيه "أن مستشاري صاحب الجلالة لا يتصرفون إلا في إطار مهامهم، وبتعليمات سامية محددة وصريحة من جلالة الملك، نصره الله".
خرجات مستشاري الملك بدأت تتسارع في الفترات الأخيرة، حيث تعد هذه رابع خرجة ـ علنية ـ لمستشارين ملكيين في سنة واحدة، تطرح حسب مراقبين مسألة احترام واجب التحفظ من طرف مساعدي الملك.
هذا الخرجات الأربع واحدة فيها ذات طبيعة اقتصادية، حيث تحدث ياسر الزناكي عن مشروع "محمد السادس ـ طنجة تك" بطنجة، والثلاث الباقية ذات طبيعة سياسية، أولها؛ هجوم مستشار الملك الطيب الفاسي الفهري، على زعيم حزب الاستقلال حميد شباط، والثاني؛ هجوم المستشار فؤاد عالي الهامة على رئيس الحكومة السابق ابن كيران، والثالث؛ هجوم المستشار الجراري على الأحزاب السياسية.