نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، بحثا لمدير المعهد للشؤون العسكرية والأمنية مايكل إيسنس، يناقش فيه احتمالات توسع الصراع في الشرق الأوسط، بسبب الاحتكاكات مع
إيران وروسيا في
سوريا، مقدما توصيات للحكومة الأمريكية لتجنب التصعيد.
ويقول الكاتب في بداية بحثه، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "صدامات وقعت بين الجيش الأمريكي والقوات الموالية للنظام، والمدعومة من إيران، وتكرر ذلك ست مرات على الأقل، ما زاد من القلق بأن أمريكا قد تكون في طريقها للصدام مع سوريا وحلفائها، مع قرب هزيمة
تنظيم الدولة، والتنافس لملء الفراغ بين القوى الموجودة على الساحة، وفي الوقت الذي تنسق فيه أمريكا بشكل غير رسمي مع روسيا لتجنب الصدام، يجب أن تكون هناك جهود موازية لتجنب صراع أوسع مع القوات الموالية للنظام وإيران".
ويشير إيسنس إلى أن "تلك الصدامات تضمنت هجوما بصواريخ كروز على قاعدة الشعيرات الجوية، ردا على قيام النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين (7 نيسان/ أبريل)، والمنع الجوي للمليشيات المؤيدة للنظام (18 أيار/ مايو، 6 و8 حزيران/ يونيو)، والطائرات دون طيار المسلحة (8 و20 حزيران/ يونيو)، التي هددت الثوار السوريين ومستشاري التحالف بالقرب من التنف الحدودية، وإسقاط طائرة من نوع (أس يو 22) تابعة للنظام السوري، وكانت تلك الطائرة هاجمت قوات سوريا الديمقراطية بالقرب من الطبقة (18 حزيران/ يونيو)".
ويلفت الكاتب إلى أن "هناك قلقا بين المسؤولين الأمريكيين من أنه بعد هزيمة تنظيم الدولة في الموصل قد تشعر طهران بأنها لم تعد مستفيدة من الوجود الأمريكي في
العراق، وقد تشجع وكلاءها في العراق على مهاجمة القوات الأمريكية".
ويفيد إيسنس بأن "مواقع خطر الاحتكاك تتضمن الخليج العربي، حيث تضايق سفن البحرية الإيرانية سفن البحرية الأمريكية في العادة، وفي هضبة الجولان، حيث تحاول إيران وحزب الله إنشاء بنية لمهاجمة إسرائيل، (وكانت إسرائيل قتلت جنرالا إيرانيا وعددا من كبار مسؤولي حزب الله في هجوم طائرة دون طيار في كانون الثاني/ يناير 2015)، وزادت الخشية من أن تقوم إيران بعمل تخريبي في السعودية أو البحرين، حيث تدعي إيران أن السعودية تقف خلف هجوم تنظيم الدولة في طهران في تاريخ 7 حزيران/ يونيو، وفي مضيق باب المندب، حيث هاجم الحوثيون السفن الحربية، مستخدمين صواريخ إيرانية مضادة للسفن وقوارب ملغومة يتم التحكم فيها عن بعد".
ويبين الكاتب أن "وجود هذا العدد الكبير من نقاط التماس زاد المخاوف من وقوع اشتباك متعمد أو غير متعمد، يؤدي إلى توسيع الصراع مع إيران، فماذا يمكن أن نتعلم من الماضي لتجنب التصعيد مع إيران ووكلائها أو إدارته؟".
وينوه إيسنس إلى أنه "في الوقت الذي تتبع فيه إيران سياسات مضادة للوضع الراهن، وهو ما يتسبب بالتوتر للدول الأخرى، كانت إيران طيلة الوقت حساسة تجاه الثمن، وحريصة خلال الأزمات في التعامل مع أعدائها الأقوياء مثل أمريكا، وكانت بشكل عام تركز على المعاملة بالمثل، بالإضافة إلى عدم المباشرة والغموض والصبر".
ويجد الكاتب أنه "لذلك، دائما ما حرصت إيران على عدم التورط في مغامرات خارجية مكلفة، وحتى لو كان ذلك يعني التخلي عن مجتمعات شيعية محاصرة، كما حصل خلال انتفاضة الشيعة عام 1991 في العراق، وعندما ذبح آلاف الشيعة الهزارة على يد حركة طالبان عام 1998، وحرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وقمع المتظاهرين الشيعة عام 2011 في البحرين، أو المساعدة بعد وقوع الحدث مثل إرسال فيلق بدر العراقي لمساعدة انتفاضة 1991، وتسليح تحالف الشمال الأفغاني المعارض لحركة طالبان، وإعادة بناء حزب الله بعد حرب 2006، والتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن بعد دور بلاده في قمع الشغب في البحرين".
ويقول إيسنس إن "إيران تواجه أعداءها مباشرة عندما تستطيع ذلك، وعن طريق وكلائها عند عجزها، أو عندما يقتضي المنطق عن طريق الإرهاب والحرب الإلكترونية، بالإضافة إلى أنها في العادة تختبر أعداءها إلى أقصى الحدود، فإن وجدت ردا صارما أحجمت حتى تجد ظروفا مواتية فتعود للمشاغلة، فخلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) واجهت إيران البحرية الأمريكية من خلال طرق غير مباشرة، عن طريق الألغام، ومهاجمة السفن غير المصحوبة، وعندما تم مواجهتها حاربت بقدر ما تستطيع، واضطرت إلى التراجع عن أساليبها بعد عدة مواجهات مؤلمة مع البحرية الأمريكية".
ويشير الكاتب إلى أنه "خلال الاحتلال الأمريكي للعراق، قامت إيران بتسليح المجموعات الشيعية، وساعدت المتمردين السنة ضد القوات الأمريكية، وردت على مجموعة اغتيالات بالقنابل اللاصقة لعلمائها الذريين، بمحاولة تفخيخ سيارات الدبلوماسيين الإسرائيليين في جورجيا والهند وتايلند في شباط/ فبراير 2012، وبين 2011 و2013 ردت على الهجوم الفيروسي على حواسيب برنامجها النووي، وعلى المقاطعة الاقتصادية بهجمات سايبرية على قطاع المال في أمريكا وشركة (أرامكو) السعودي، وقريبا ردت على دعم السعودية للثوار في سوريا بدعمها للحوثيين في اليمن".
ويبين إيسنس أن "طهران تتميز بالمرونة التكتيكية عندما تكون الأضرار المحتملة أكبر من الفوائد، فتعود عن تهديداتها، مع أنها قد تجدد تلك التهديدات في مكان أو زمان مختلفين، ولذلك عندما أعادت أمريكا حاملة طائرات إلى مياه الخليج في كانون الثاني/ يناير 2012، بعد أن هددتها طهران بعدم فعل ذلك، لم تستطع إيران فعل شيء، مع أنها حاولت إسقاط طائرة دون طيار في الخليج في شهر آذار/ مارس 2013، وحديثا لم يقم وكلاء إيران في العراق بالوفاء بتهديداتهم السابقة بمهاجمة القوات الأمريكية إن هي عادت للعراق، وذلك لأنهم بحاجة لمساعدة الأمريكيين ضد تنظيم الدولة".
ويستدرك الكاتب بأنه "بالرغم من الحرص الإيراني بشكل عام، إلا أن طهران قامت بأعمال تحمل مخاطرات كبيرة، مثل الهجوم على بناية المارينز في بيروت عام 1983، وتفجير البرجين في الخبر في السعودية عام 1996، وخطة اغتيال السفير السعودي في أمريكا عام 2011، ولهذا السبب فإن التعامل مع إيران يحمل دائما درجة من صعوبة التنبؤ، وعندما تشعر بأنها منتصرة (كما هو الحال الآن بسبب نجاحها في سوريا) تميل لاستغلال هذا الوضع، وربما تحاول أن تتجاوز".
ويرى إيسنس أن "تدخل إيران في سوريا غير مسبوق، فلم يسبق لها أن أرسلت هذا العدد من الجنود إلى أي عمليات خارج حدودها، ومع ذلك لم تتخل عن قاعدة تجنب المخاطرة الكبيرة، ولذلك لم ترسل إيران أكثر من الحد الأدنى للجنود للقيام بالمهمة، فكان لديها 700 جندي قبل زيادتهم إلى 3 آلاف في 2015، وسحبت معظمهم بعد ذلك عندما تعرضت لزيادة في الخسائر، ويعتقد أن لديها الآن حوالي 1500 عسكري، أي أقل من 1% من قواتها البرية، (وعلى العكس من ذلك نشرت أمريكا ثلث قواتها البرية في العراق بين عامي 2007 و2009)".
ويلفت الكاتب إلى أن "إيران حاولت تقليل خسائرها في سوريا، باستخدامها مليشيات شيعية غير إيرانية، حتى مع عدم فعاليتها، وعندما صارت رياح الحرب ضد مصلحة الأسد قامت طهران بإقناع روسيا بالتدخل، وكأنها جعلت قوة عظمى تقاتل عنها بالوكالة، وقد خسرت إيران في خمس سنوات من الحرب في سوريا حوالي 500 جندي، لكن هذا الرقم يبدو صغيرا جدا مقابل خسائر المليشيات الشيعية الموالية لإيران، حيث خسر العراقيون 1900 مقاتل، واللبنانيون 1100، (وبحسب التقديرات الإسرائيلية خسر حزب الله 1700 مقاتل في سوريا)، وحوالي 700 أفغاني و150 باكستانيا".
ويذهب إيسنس إلى أنه "مع أن إيران تسعى لفرض نفسها إقليميا، إلا أن تعاملها مع الصدامات التي وقعت حديثا في سوريا، تعكس حذرا إيرانيا، ولذلك تركت للمليشيات الشيعية الوكيلة أن تتحدى قوات التحالف والثوار في التنف، وعندما دكت هذه القوات سحبتها إيران، واستخدمت طائرات دون طيار لإبقاء الضغط، ثم قررت تجاوز الجيب الذي يسيطر عليه التحالف والثوار، فاعتمدت إيران في تحديها للمصالح الأمريكية في سوريا على أصول يمكنها الاستغناء عنها، وساعد ميل الأمريكيين للرد بشكل متناسب إيران على القيام باختبارها إلى أبعد الحدود دون مخاطرة كبيرة".
ويقول الكاتب إنه مع أن أمريكا تجنبت ولعقود مواجهة مباشرة مع إيران، إلا أن هناك خطوات لتقليل احتمال وقوع مواجهة:
أولا: على أمريكا التوقف عن إرسال رسائل مختلطة بالنسبة لسوريا، تسمح لإيران أو لسوريا بالقيام بحسابات خاطئة، فمع تهديد أمريكا بالرد على أي هجوم كيماوي يقوم به النظام، إلا أنها جعلت من الواضح أنها لا تسعى للإطاحة بالأسد، وليست ضد عمليات تسمح للأسد بالسيطرة على معظم سوريا، وهذا الغموض سمح بقيام إيران والنظام بعمليات باختبار القوات الأمريكية.
ثانيا: على أمريكا الحصول على دعم دولي عريض لخطوطها الحمراء في سوريا، فلن تتشجع إيران على تحدي المصالح الأمريكية في سوريا إن هي خاطرت بإزعاج أطراف أساسية في أوروبا، وعلى واشنطن أن تبقي على تنسيقها مع موسكو لتجنب الاشتباك.
ثالثا: يجب أن يتم التعامل بشكل دائم مع الخطوط الحمراء؛ حتى لا يشكك في التزام أمريكا، وعندما تختبرها دمشق وطهران على واشنطن أن ترد بحسم؛ وذلك حتى لا يؤدي عدم الفعل إلى تحديات أكبر، أو خطأ في الحسابات.
رابعا: سهولة توقع الرد الأمريكي يسهل على طهران ودمشق حساب المخاطرة وتقليل خسائر اختبار حدود أمريكا، ولذلك يجب أن يكون الرد الأمريكي غير متوقع، ويجب أن يستهدف أصولا مهمة لكل من طهران ودمشق لإدخال عامل الشك في حساباتهم.
خامسا: الطريقة المثلى لمواجهة استراتيجية الحرب بالوكالة الإيرانية في سوريا هي استراتيجية الوكلاء بإحياء برنامج التدريب والتسليح للثوار غير الإسلاميين في سوريا، وهذا سيمكن أمريكا من الضغط على طهران ودمشق بطرق غير مباشرة، ويجب أن يكون الهدف إغراق قوات النظام في مستنقع تمرد منخفض الوتيرة في المناطق التي يسيطرون عليها، ومنع الهجمات الجديدة على المناطق التي يسيطر عليها الثوار في الشرق والجنوب وإقليم إدلب، والتقليل من المشكلات التي يخلقها الإيرانيون في المناطق الأخرى، ومنع إيران من بناء جسر بري بين إيران والبحر الأبيض المتوسط.
سادسا: على واشنطن التفكير في إجراءات مكلفة على إيران في أنحاء أخرى من المنطقة، مثل اليمن؛ لجعل تدخلها هناك أكثر كلفة، وللضغط على قواتها المحملة أكثر من طاقتها، وهذا قد يقلل من استعداد إيران لتحدي المصالح الأمريكية في سوريا.
وأخيرا: على أمريكا تقوية التنسيق السياسي مع حلفائها في الخليج؛ لمنع خطوات أحادية الجانب تجاه إيران وحلفائها، بما من شأنه التأثير سلبا على ديناميكية التصعيد بين إيران وأمريكا في اليمن وسوريا وغيرها من المناطق، وفي الواقع محاولة الحوثيين ضرب سفن أمريكية قد يشير إلى أن هذا التصعيد حصل فعلا، وأن مصلحة أمريكا أن تمنع تكراره.