كتب المعلق في صحيفة "فايننشال تايمز" ديفيد غاردنر مقالا حول الأزمة الخليجية، محذرا من استمرار المواجهة بين
قطر وبقية دول الخليج.
ويقول الكاتب إن "وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بدأ رحلة صعبة للبحث عن حل للخلاف الخليجي الخليجي؛ ليس أقلها أنه ورئيسه دونالد ترامب يقفان على طرفي نقيض في هذا النزاع المسموم، حيث أن الرئيس وقف مع السعوديين، فيما أثنى تيلرسون على القيادة القطرية".
ويضيف غاردنر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "مجرد حضور رجل النفط السابق في المنطقة يعني أن الولايات المتحدة بدأت تتفهم تداعيات هذه المواجهة في الخليج، التي دخلت شهرها الثاني، حيث بدأت الأزمة تلقي بظلالها على طموح المنطقة لإعادة إنتاج اقتصادها المرتكز على النفط، من خلال الاستثمارات الخاصة والخارجية".
ويشير الكاتب إلى أن
السعودية، التي ألحت عليها الإمارات، وتحظى بدعم من مصر والبحرين، تتهم قطر بزعزعة استقرار المنطقة، من خلال دعم الجماعات الجهادية المتطرفة، والتقارب مع إيران، وبأنها تحاول تقويض حكمها عبر دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، ولهذا السبب قطعت علاقاتها الدبلوماسية معها، وأغلقت المعابر الجوية والبرية والبحرية معها.
ويلفت غاردنر إلى أن "الحصار بدأ بعد القمة العربية الأمريكية، التي نظمتها الرياض للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث دعا الدول السنية للاتحاد والوقوف ضد إيران، وسواء كانت قطر في مرمى هدفه أم لا، فإنه كتب تغريدات بعد عودته، وصف فيها قطر بالممول للإرهاب على أعلى المستويات، وتجرأت السعودية بتقديم 13 مطلبا كانت تدرك أن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لا يمكنه القبول بها".
ويفيد الكاتب بأن "قائمة المطالب تضم إغلاق قناة (الجزيرة)، ووقف التعاون العسكري مع تركيا، ودفع تعويضات، وهي مطالب وصفتها وزارة الخارجية الأمريكية الضعيفة بأنها مطالب (معقولة قابلة للتنفيذ)، وتستطيع الدوحة، التي تستقبل أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، معالجتها، لكن كانت مجمل المطالب محاولة لتحويل قطر إلى دويلة تابعة، وقامت الإمارات العربية المتحدة، التي تقدم فيها كل من أبو ظبي ودبي باعتبارهما طليعة التحديث في العالم العربي، بتهديد أي شخص يتعاطف مع قطر بالسجن لمدة 15 عاما".
ويقول غاردنر: "في منطقة معروفة بتشفير سياساتها بصيغ غامضة وطقوس أخوية، فإن العداوة الصريحة التي برزت للسطح تقطع القلب، وتم توضيحها فقط من خلال اتهام قطر بأنها تقوم بتمويل الإرهاب، مع أن السعودية أنفقت مليارات الدولارات لتصدير نموذج متعصب من الوهابية حول العالم، حيث نشرت هيئة أبحاث بريطانية تقريرا، أشار بأصبع الاتهام للسعودية، باعتبارها الممول الرئيسي للتطرف الإسلامي في بريطانيا، في وقت تمتنع فيه حكومة تيريزا ماي من نشر تقرير مماثل، يعتقد أنه توصل إلى النتائج ذاتها".
ويضيف الكاتب: "صحيح أن قطر في محاولتها للتصرف بشكل تجاوز حجمها، وركوب موجة التمرد في العالم العربي من عام 2011، فإنها قامت بتمويل جماعات سلفية متشددة في سوريا وليبيا واليمن، وكذلك فعلت السعودية، إلا أن قطر ينظر لها على أنها تقوم بتخريب جاراتها من الملكيات المطلقة والديكتاتوريات الجمهورية مثل مصر، من خلال دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، التي تقدم نسخة منافسة من الإسلامية التي تنظر بدونية للحكم الوراثي، وبالنسبة للإماراتيين، حيث مدح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، أبو ظبي، قائلا إنها (أسبرطة الصغيرة)، فإن قطر المتعجرفة تصرفت بشكل تجاوز حجمها".
وينوه غاردنر إلى أنه "في الوقت الذي أعلن فيه تيلرسون عن توقيع اتفاق قوي جدا مع القطريين، يطالب فيه هؤلاء منافسيهم بعمل الأمر ذاته، والمشكلة لم تبدأ من هنا، بل من قوة التصعيد التي بدأت من ولي عهد السعودية
محمد بن سلمان، وولي عهد الإمارات محمد بن زايد، وستكون بحسب مسؤول عربي بارز (مدمرة) في حال لم تكن هناك قوة إقليمية أو خارجية للتدخل فيها".
ويبين الكاتب أن "الاقتصاديين يشيرون إلى أن العقوبات القادمة على قطر ستطال رأس المال والأرصدة، بحيث يقود تجفيف السيولة ودفع رأس المال إلى الخروج منها، وستكون هذه نهاية لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي الست، التي تعد السعودية والإمارات والبحرين وقطر أعضاء فيها إلى جانب كل من عُمان والكويت".
ويذهب غاردنر إلى أنه "علاوة على ذلك كله، فإن هناك مفهوما بأن نزوات غير شرعية، إلى جانب تهور قادة شباب في الخليج، هي التي تتحكم في الأزمة، وحتى المراقبون المتحفظون لا يستبعدون عملية عسكرية تقودها السعودية في قطر".
ويقول الكاتب: "حتى دون هذا الأمر، فإن تقييم مخاطر الدين وآفاق الاستثمار في الخليج سيتعرضان للخطر، خاصة
رؤية 2030 السعودية، التي تطمح فيها الرياض بأن تبتعد في اقتصادها عن النفط، بالإضافة إلى أن خطط محمد بن سلمان لخصخصة جزء من أسهم شركة النفط (
أرامكو) في عام 2018 ستكون في خطر، حيث قال أحد الاقتصاديين الكبار في المنطقة: (أي حق لدي كوني مساهما في (أرامكو)؟ وما هي الحماية المتوفرة لي من السلطة المطلقة؟)".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "تيلرسون المدير السابق لشركة (إيكسون موبيل) يعرف الجواب على هذا السؤال، سواء نجحت وساطته أم لا".