حذر فاعلون سياسيون وخبراء اقتصاديون مغاربة، من مخاطر التحرير الجزئي لسعر الدرهم، من خلال "
تعويم الدرهم"، معتبرين أن القرار سينعكس بشكل سلبي على القدرة الشرائية للمواطن وتهدد الاقتصاد، كما قد تهدد الاستقرار السياسي.
جاء ذلك في ندوة نظمها حزب التقدم والاشتراكية (شيوعي مشارك) تحت عنوان "تساؤلات حول نظام الصرف بالمغرب"، مساء الإثنين، حول قرار تحرير سعر صرف
العملة المغربية، ومخاوف استلهام المغرب نموذج مصر.
تعويم الدرهم
وشدد متدخلون في لقاء على أن البلاد "في حاجة إلى فتح نقاش وطني وصريح حول نظام صرف العملات بالمغرب".
وقال عبد الواحد سهيل، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وزير التشغيل الأسبق، إن "المواطن العادي له علاقة مباشرة بتغيرات صرف الدرهم مقابل العملات الصعبة".
وتابع عبد الواحد سهيل أن "القدرة الشرائية للمواطن ستتأثر بسبب تعويم الدرهم، لأن عددا من المواد نستوردها كالقمح والسكر والزبدة والسيارات والملابس، وإذا ارتفع ثمنها بالعملة الصعبة بالنسبة للدرهم سيكون له تأثيره".
وأضاف سهيل أن هذا التأثير "غير مرتبط فقط بسعر الصرف لوحده، وإنما له علاقة أيضا بالتنافسية والقدرة الإنتاجية للسوق الداخلية، فعملية تحرير سعر صرف الدرهم تهدف في حد ذاتها إلى منح السوق المحلية سيولة على مستوى العملات الأجنبية وتسعيرة تكون لها علاقة بقوة العملة الوطنية وارتباطها بالعملات الأجنبية".
وقال الجلالي كنزي، مسؤول بوزارة المالية المغربية: "لا يوجد في العالم نظام لصرف العملة ثابت لا يتغير، وإنما يتغير حسب الظروف الاقتصادية للبلد".
وتابع الجلالي كنزي أن "المغرب قرر التنزيل التدريجي لقرار تعويم العملة، بينما التعويم الكامل قد يستغرق 10 أو 15 سنة أو أكثر".
من جهته لفت حميد قسال، خبير اقتصادي، إلى أن هناك "فرقا بين التعويم والمرونة، فالمغرب لم يقرر التحرير الشامل للعملة المحلية، وإنما يعتزم الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن فقط، وهو ما يفسر تحديد السلطات المغربية لقيمة الرساميل التي يمكن أن تخرج خارج الحدود، سواء من أجل السياحة أو الاستثمار".
أسباب التأجيل
في هذه النقطة اعتبر الوزير الأسبق، سهيل، أن "تأجيل تنفيذ القرار له علاقة بالظرفية السياسية التي تعيشها البلاد، ولربما أن
الحكومة رأت بأن الموضوع لم تتم مناقشته بالقدر الكافي".
وزاد وزير التشغيل الأسبق: "يجب أن نفهم ونفهم الناس المغزى الحقيقي من هذا الأمر، وأعتقد أن هذا النوع من القرارات ليس بالضرورة أن نحدد للرأي العام تاريخا معينا لدخولها حيز التنفيذ وإنما يبدأ بها العمل لمدة حتى يتم الإعلام بها".
وفي ذات الاتجاه ذهب الخبير الاقتصادي، حميد قسال، حيث سجل أنه "متفق مع قرار التأجيل لأنه وقعت عدة أمور لم يكن أصحاب القرار يتوقعونها، منها مسألة المضاربة التي وقعت قبل أيام حين حدث تخوف لدى البنوك من تراجع قيمة الدرهم بسبب قرار تعويمه".
وسجل بأن "السوق السوداء ما زالت تتحكم في سعر العملة خصوصًا المرتبطة بالقطاع غير المهيكل".
وأفاد المسؤول بوزارة المالية المغربية، الجلالي كنزي، أنه "لا يمكن تحديد المدة الزمنية اللازمة لتعويم العملة المحلية، بالنظر لحجم الصدمة التي ستواجه الاقتصاد الوطني".
عدوى مصر
الوزير الأسبق في الحكومة المغربية، شدد على أن "النموذج المصري لا يمكن مقارنته بالمغرب، فمصر اتخذت قرار تعويم عملتها في إطار أزمة سياسية كبيرة والناس سحبوا أموالهم إلى الخارج، بينما نحن (المغرب) لدينا احتياطي مهم من العملة الصعبة واستقرار سياسي وحالة اقتصادية أحسن مما قامت به مصر في الظروف التي كانت تعيشها".
هذا الرأي خالفه فيه الخبير الاقتصادي قسال، الذي أبرز أن "هناك تقاربا بين النموذجين الاقتصاديين المغربي والمصري، ولدينا نفس القاعدة التي تعتمد على العمال المهاجرين في الخارج، غير أن مصر عانت من عدم الاستقرار السياسي مقابل الاستقرار في المغرب".
هذا وكان رئيس الحكومة المغربية قد أعلن قبل أسبوعين، إرجاء الإعلان الرسمي عن انطلاق قرار تعويم الدرهم (تحرير سعر صرفه أمام العملات الأجنبية)، حيث كان من المقرر، الإعلان الرسمي عن الانتقال إلى نظام الصرف المرن (تعويم الدرهم)، في مؤتمر صحفي، يعقده والي
بنك المغرب (محافظ البنك المركزي)، عبد اللطيف الجواهري، ووزير الاقتصاد والمالية.
وكان مقررا أن يقدم وزير الاقتصاد والمالية المغربي، عرضا حول "الانتقال التدريجي لنظام الصرف المرن"، خلال اجتماع لمجلس الحكومة المغربية، قبل أن يعلن عن تأجيله أيضًا، دون ذكر سبب ذلك.
هذا وأعلن محافظ البنك المركزي المغربي في 20 حزيران/يونيو الماضي، أن بلاده ستعتمد قرار تعويم الدرهم بشكل رسمي انطلاقًا من تموز/يوليو الحالي، واعتبر أن بلاده تتوفر على كل الضمانات من أجل نجاح هذا التعويم، الذي اختير تنفيذه بشكل تدريجي، في الوقت الذي تعيش فيه البلاد وضعا ماليا واقتصاديا عاديا.