اقتصاد عربي

هل تحجم لجنة "إدارة الدين" أزمة قروض مصر؟.. باحث اقتصادي: حالة وحيدة لنجاحها

الحكومة المصرية تحتاج إلى وضع سياسات لتنظيم الاقتراض الخارجي - حساب مجلس الوزراء على الفيسبوك
يعدّ الدَّين الخارجي أحد أهم التحديات الاقتصادية الكبرى التي تواجه مصر في السنوات الأخيرة، حيث شهدت البلاد زيادة ملحوظة في حجم الدَّين الخارجي والقروض.

وتجاوز الدَّين الخارجي لمصر مستويات قياسية، مما أدى إلى تزايد المخاوف بشأن الاستدامة المالية وقدرة الحكومة على سداد هذه الالتزامات. وفقا لتقارير البنك المركزي المصري، وصل الدَّين الخارجي في الآونة الأخيرة إلى مستويات تفوق الـ 150 مليار دولار، مما يتطلب استراتيجيات فعالة لإدارة الدَّين وتنظيم الاقتراض الخارجي.

أمام هذا التحدي، تحتاج الحكومة المصرية في حال أرادت تحجيم هذه الأزمة، إلى وضع سياسات لتنظيم الاقتراض الخارجي، وتعزيز الشفافية وتطبيق معايير الاستدامة المالية، كما يتمثل الهدف الأساسي في تحقيق توازن بين احتياجات التنمية والاستقرار المالي، دون تفاقم الضغوط المالية.

وفي ظل أزمة التضخم العالمي وتأثيراتها على الاقتصاد المحلي، اتخذت الحكومة المصرية برئاسة مصطفى مدبولي قرارا بإعادة تشكيل لجنة إدارة ملف الدين الخارجي وتنظيم الاقتراض الخارجي، يرأسها رئيس الوزراء، بهدف وضع حد أقصى للاقتراض سنويا، بناء على معايير الاستدامة المالية.

وفقا لمشروع القرار، تُناط بلجنة إدارة ملف الدين الخارجي مسؤوليات كبيرة، تتعلق بإدارة جوانب الدَّين الخارجي كافة. ومن بين أبرز مهام اللجنة:

مهام اللجنة
وتقوم اللجنة بوضع شروط وأولويات ومعايير المشروعات التي سيتم تمويلها، مع متابعات دورية بالمؤسسات التمويلية الأجنبية، حيث يعد الأمر الوحيد الذي يدفع الحكومة لتخطي الحد الأقصى للدين الخارجي، هو الضرورات القصوى، ويأتي ذلك بعد موافقة مجلس الوزراء، لتلبية احتياجات استراتيجية.

وتختص اللجنة بمناقشة بدائل سد الفجوة التمويلية بالعملات الأجنبية من المصادر الخارجية، وتحديد حجم الاقتراض الخارجي المطلوب، من خلال المصادر التمويلية المختلفة، بما لا يتخطى الحد الأقصى للاقتراض الخارجي (سقف الدين).

كما يشترط التعاقد مع شركات أجنبية أو محلية لتنفيذ المشروعات التي تحتاج إلى مكون أجنبي، الحصول على موافقة اللجنة، مع ضرورة وجود دراسة جدوى تنموية مكتملة للمشروع، مع بيان قدرة الجهة على سداد القرض.

ويقتصر الاقتراض الخارجي بالنسبة للمشروعات على تمويل المكون الأجنبي غير المتوافر محليا لهذه المشروعات.

تشكيل اللجنة
نص مشروع القرار على أن تشكل اللجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وتضم في عضويتها عددا من الشخصيات البارزة، بما في ذلك:
محافظ البنك المركزي
وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي (مقررة اللجنة)
وزير المالية
وزير الاستثمار والتجارة الخارجية
ممثل عن جهاز المخابرات العامة
ممثل عن هيئة الرقابة الإدارية

شروط الاقتراض الخارجي
حدد مشروع القرار عددا من الشروط المهمة قبل توقيع أي قروض خارجية، منها:
موافقة اللجنة: يتعين على أي وزارة أو هيئة ترغب في الحصول على تمويل لمشروع ما، إخطار وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، التي ستقوم بدورها بتصنيف المشروعات بناء على الأولوية، ثم تعرضها على اللجنة.

دراسة الجدوى: يُشترط وجود دراسة جدوى مكتملة للمشروع، توضح قدرة الجهة على سداد القرض، ولا يجوز التعاقد مع شركات لتنفيذ المشاريع التي تحتاج إلى مكون أجنبي، إلا بعد الحصول على موافقة اللجنة.

تمويل المكون الأجنبي: يقتصر الاقتراض الخارجي على تمويل المكون الأجنبي غير المتوافر محليّا، مع استثناء الحالات الضرورية التي توافق عليها اللجنة، مع التركيز على الاحتياجات الاستراتيجية في ظل الظروف الاقتصادية الطارئة.

الاتجاه إلى القروض التنموية: يوصى بالتحول نحو القروض التنموية التي تدعم السيولة وتقليل الفجوة الدولارية، مع تأكيد الشروط الميسرة وآجال السداد الطويلة.

نظام تقديم الطلبات
تم اعتماد أسلوب تقديم طلبات الحصول على القروض الخارجية، عبر نظام يمكن تطويره من قِبَل وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، مما يسهل الإجراءات ويضمن الشفافية في عملية الاقتراض.

 الدين الخارجي المصري
وكان البنك المركزي المصري قد كشف عن تراجع حجم الدين الخارجي لمصر إلى 152.9 مليار دولار نهاية حزيران/ يونيو 2024، مقابل 168.034 مليار دولار نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2023، وذلك عقب تلقيها دعما في شباط/ فبراير 2024، عبر صفقة قياسية بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات، شملت بيع حقوق تطوير أراض في منطقة رأس الحكمة على البحر المتوسط.

وقد تضاعفت الديون الخارجية لمصر أربع مرات منذ عام 2015، نتيجة الإنفاق الكبير على بناء العاصمة الإدارية الجديدة، وتطوير البنية التحتية، وشراء الأسلحة، ودعم العملة المحلية. وفي آذار/ مارس الماضي.


هل تحجم اللجنة الدين الخارجي؟




ومن جهته أكد الخبير الاقتصادي ممدوح الولي في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أنه رغم تم تكوين لجنة ادارة ملف الدين العام وتنظيم الاقتراض الخارجي والحد منه في عام 2018، إلا أنه أخذ اتجاها صعوديا بعد تشكيل اللجنة من 96.6 مليار دولار بنهاية 2018 الى 112.7 مليار بالعام التالي ثم الى 129.2 مليار في 2020 ثم الى 145.5 بالعام التالي ثم الى 162.9 في 2022 ثم الى 168 مليار دولار بالعام الماضي .

وأضاف الولي أن انخفاض الدين الخارجي جاء بالنصف الأول من العام الحالي بسبب صفقة رأس الحكمة التي استبدلت 11 مليار دولار من أرصدة الدين الإماراتي إلى الجنيه المصري، وبالتالي فلم يكن لتلك اللجنة دورا في تحجيم الدين الخارجي طوال سنوات تشكيلها، لأن الأمور في مصر تسير بتعليمات الجنرال، والذى سمح بتوسع وزارة النقل بالاقتراض بشكل كبير بالسنوات الأخيرة كما سمح لوزارات أخرى بالمزيد من الاقتراض وإن كان بقيم أقل .

وأشار الولي إلى أن إعادة تشكيل اللجنة يأتي بسبب تغيير الوزارة في تموز / يوليو الماضي وعودة وزارة الاستثمار، وخروج وزيري التخطيط والمالية من الوزارة وظل تشكيل اللجنة كما هو مع تحديد ممثل البنك المركزي ليكون محافظ البنك المركزي.

وتابع ونظرا لتدخل الجنرال في شؤن كافة الجهات الإدارية فلا توجد استقلالية لتلك اللجنة أو غيرها تؤهلها لاتخاذ قرارات حاسمة لخفض الدين ، حيث سبق اعلان وزير المالية قبل أسابيع قليلة عن الاتجاه للمزيد من الاقتراض الخارجي نظرا لكبر حجم أقساط وفوائد الدين الخارجي وزيادة قيمة الواردات والنمو المحدود للصادرات وتراجع ايرادات قناة السويس  .

مشكلة مزمنة
ومن جانبه، قلل الباحث المختص في الشأن الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، من احتمالية نحاج تلك اللجنة في تحجيم الدين الخارجي لمصر، مؤكدا أن مشكلة الدين في مصر أصبحت مشكلة مزمنة منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو، حيث غابت عن مصر الحوكمة الرقابية في عملية الاقتراض والتمويل.

وأضاف أن مصر تورطت في مشاريع بمليارات، وأن المشروعات التي تم الاقتراض لها كان يمكن الاستغناء عنها في الوقت الحالي؛ كمشروع العاصمة الإدارية، ومشروع توسعة قناة السويس، وتلك المشاريع أثرت على الأزمة التمويلية في مصر، وكذلك على سعر الصرف حسب تصريحات محافظ البنك المركزي حين تنفيذ تلك المشاريع.

أشار الصاوي إلى أن اللجنة مخولة بالموافقة على تلك المشروعات، وأن أحد أسباب عدم تحجيم اللجنة للدين الخارجي، هو وجود فجوة تمويلية بين الصادرات تقترب من (35 مليار دولار)، والواردات تقترب من (75 مليار دولار) في مصر بقرابة 30 مليار دولار، كما يوجد فجوة تمويلية أخرى خاصة بالموازنة العامة التي لا تؤدي إلى جديد يذكر.

وتابع الباحث المختص في الشأن الاقتصادي، أن التعويل على تشكيل اللجنة لتحجيم الديون لن يجدي؛ كون مصر لا تدار بمؤسسية أو بلجان، إنما نظام الحكم قائم على رأي رجل واحد، مؤكدا أن الخبراء الموجودين الذين استعانت بهم مصر خلال السنوات الماضية، بما فيهم في تشكيل اللجنة، يعلمون تماما حجم الورطة التي يمر بها الاقتصاد المصري.

الحالة الوحيدة لنجاح اللجنة

وفي السياق ذاته، أكد الصاوي أن لجنة إدارة الدين الخارجي والاقتراض، قد تنجح في تحجيم الدين الخارجي في حالة واحدة، هي إذا انتهجت نهج الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك بعد برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي مطلع التسعينيات، والتوقف عن الدين الخارجي، والتوسع بشكل كبير في الدين الداخلي، ليقفز إلى معدلات كبيرة من 100 مليار جنيه مطلع الثمانينيات إلى 1.1 تريليون جنيه وقت مغادرة مبارك للحكم.