للسنة الثالثة على التوالي يحتفل
اليمنيون بعيدهم الوطني لثورة
26 سبتمبر (أيلول)، في ظل حرب طاحنة اندلعت إثر انقلاب مسلح نفذته مليشيات "الحوثي" والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح؛ على السلطة الشرعية أواخر أيلول/ سبتمبر 2014.
وفي حين ظل هدير مدافع الحرب يطغى على كل صوت دونها، إلا أن أهازيج
الاحتفالات الوطنية التي ارتفعت؛ احتفاء بالذكرى الـ55 لثورة اليمن الكبرى، بدت وكأنها الأكثر حضورا دون غيرها من الأصوات.
فقبل 55 عاما، ثار اليمنيون ضد الاستبداد وسلطة الفرد (الإمام)، وحكم الأسرة "الكهنوتية" (السلالية)، التي ظلت تحكم اليمن بالحديد والنار لقرابة الألف عام، على فترات متقطعة لكن متقاربة، كان آخرها حكم أسرة "بيت حميد الدين" الإمامية، منذ مطلع القرن العشرين، حتى اندلاع
ثورة سبتمبر الشعبية عام 1962م، وإعلان الجمهورية.
ويرى معلقون يمنيون، أنه بعد 52 عاما من الحكم الجمهوري، سعى الملكيون إلى العودة مجددا، ومحاولة استعادة ما يعتبرونه "حكمهم الإلهي المسلوب"، فاجتاحت مليشيات الحوثي العاصمة اليمنية صنعاء، في 21 أيلول/ سبتمبر 2014، بمساعدة ودعم من صالح الذي دفع معهم بالقوات العسكرية والقبائل الموالية له، انتقاما من ثورة شباط/ شباط 2011؛ التي أسقطته بعد حكم استمر 33 عاما.
فميليشيات الحوثي تعتبر نفسها امتدادا تاريخيا ووريثا شرعيا للحكم الإمامي الملكي قبل ثورة 1962؛ الثورة التي لطالما وصفت في أديبات
الحوثيين وتصريحات قياداتهم العليا؛ بأنها ليست "ثورة"، وإنما "انقلاب".
لذلك يُعتقد على نطاق واسع، أن المليشيات الحوثية تعمدت اختيار يوم 26 أيلول/ سبتمبر 2014؛ لاجتياح العاصمة صنعاء، غير أن الظروف السياسية والميدانية، حينها، فرضت عليها – كما يقال - تقديم الزمن إلى الـ21 من أيلول/ سبتمبر، والتسريع بعملية الاجتياح اضطرارا.
ويعزز ذلك، محاولاتها المستميتة في جعل هذا اليوم (21 أيلول/ سبتمبر) هو العيد الوطني لليمنيين، بدلا عن 26 أيلول/ سبتمبر، حيث أصبحت سنويا (على مدى الأعوام الثلاثة الماضية) تعلنه عيدا وطنيا وتمنح فيه إجازة رسمية للموظفين، وتنفق أموالا طائلة على تكريس الاحتفاء به كعيد وطني رسمي. كما يظهر زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، في هذا اليوم؛ ليلقي خطابا متلفزا.
ورغم كل ذلك، إلا أن مليشيات الحوثي على ما يبدو ما زالت مضطرة لعدم تجاهل ثورة 26 سبتمبر/ أيلول، بشكل كلي، لإدراكها صعوبة ذلك، في مثل هذا التوقيت على الأقل، لا سيما مع ملاحظتها تصاعد زخم الاحتفاء الجماهيري بذكرى الثورة على نحو أكبر من ذي قبل.
وشهدت ذكرى الثورة اليمنية هذا العام، بشكل خاص، تصعيدا شعبيا غير مسبوق، من خلال تنوع مظاهر الاحتفال بثورة 26 أيلول/ سبتمبر إعلاميا وجماهيريا بصورة أوسع فاقت التصورات، حيث كسرت بعض المحافظات الواقعة تحت سيطرة المليشيات القيود؛ بالاحتفاء بهذا اليوم الوطني لأول مرة منذ ثلاثة أعوام.
تنوع في الزخم الاحتفالي
وعقب تحررها جزئيا من سيطرة مليشيات الحوثيين في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، تحولت محافظة مأرب (شرق اليمن)؛ لتحتضن في أيلول/ سبتمبر 2016؛ أولى الاحتفالات الوطنية بالثورة. وبالنيابة عن العاصمة صنعاء، المحتلة من الانقلابيين، أشعل المسؤولون اليمنيون شعلة الثورة في مأرب، في ذكراها الـ54 حينذاك.
وهذا العام، دخلت محافظة تعز، بإيقاد شعلة ثورة أيلول/ سبتمبر، في ذكراها الـ55، بحضور عدد من الوزراء والمسؤولين اليمنيين الرفيعين، لأول مرة منذ كسرها جزئيا للحصار المفروض عليها، في منتصف آب/ أغسطس، 2016. كما شهدت مدينة تعز، عروضا عسكرية وشعبية.
وعلى عكس العامين الأخيرين، توسعت رقعة الاحتفالات الوطنية لهذا العام إلى عدد من المحافظات والمدن الأخرى، بما فيها محافظات ما تزال تحت سيطرة وحكم الانقلابيين، مثل محافظة إب – وسط اليمن، التي شهدت عدد من المظاهر الاحتفائية، كـ"التنصير" - وهو إشعال النار في أعالي الجبال والمنازل المرتفعة، لكن الميليشيات منعت رغبة أبناء هذه المحافظة في إيقاد شعلة الثورة وسط المدينة.
وبحسب مراقبين، فإن دخول محافظة إب هذا العام، ضمن زخم الاحتفالات الثورية، يأتي كنتيجة طبيعية تعكس الخلافات المستفحلة بين شريكي الانقلاب، حيث تؤكد المعلومات أن أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام هم من تسلموا زمام هذه المبادرة الاحتفالية بالثورة في المحافظة التي يمتلكون فيها نسبة كبيرة من المؤيدين.
ومع أن حزب المؤتمر، ظل على مدى العامين الماضيين من الانقلاب، يتجاهل مثل هذا العيد الوطني الرسمي بحكم تحالفه مع الحوثيين، وهو الذي ظل يحتفل به ويمجده طوال سنوات حكمه الثلاثين للبلاد، قبل سقوطه في 2011، إلا أن الخلافات الأخيرة بين الحليفين جعلت بعض قياداته تدعو إلى ضرورة الاحتفال بالذكرى.
وبهذه المناسبة، كتب الأمين العام المساعد للحزب، الشيخ ياسر العواضي، في إحدى تغريداته قائلا: "ثورة 26 سبتمبر الخالدة ستظل ثورة الشعب التي لا تموت ولا مساومة ولا تفريط في قيمها وأهدافها".
ومنذ وقت مبكر من هذا الشهر، أطلق الناشطون اليمنيون حملتهم الاحتفائية الوطنية على صفحات التواصل الاجتماعي، تحت وسم #دمت_ياسبتمبر_التحرير، واستبدلوا صور حساباتهم بتصميم يحمل هذا الوسم أسفل رقمي الثورة (26) البارزين مع صورهم الشخصية.
وبشكل لافت، أحيا المغردون أناشيد وطنية سبتمبرية قديمة، استعادوها من الأرشيف الوطني، ونشروها بعد أن عفى على معظمها الزمن. كما تناقلوا بالمثل أشعارا تمجد ثورة سبتمبر، لأبرز شعراء اليمن الثوريين أمثال شاعر الثورة محمد محمود الزبيري، والشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني، وغيرهم.
ولأول مرة تقريبا، نشر المغردون صورا وأفلاما قديمة، بالأسود والأبيض، لرواد الثورة الأوائل، ولقطات توضح جزءا من المعارك التي خاضها الجمهوريون ضد الملكيين آنذاك.