نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب باتريك كوكبيرن، يقول فيه إن
الأكراد خسروا 40% من المناطق التي سيطروا عليها سابقا على مدى اليومين السابقين، في الوقت الذي انسحبوا فيه من مناطق متنازع عليها مع بغداد لفترة طويلة.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن قوات البيشمركة الكردية تنسحب من مساحات واسعة من الأرض في شمال
العراق، تمتد من سوريا في الغرب إلى إيران في الشرق.
ويقول كوكبيرن: "لقد أصبح من الواضح أن الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، اتفقا في اجتماع يوم الأحد أن ليس لديهما خيار إلا الانسحاب من
كركوك وغيرها من الأراضي المتنازع عليها، فهم يعرفون أنهم أضعف من أن يقاتلوا القوات العراقية، وليس لديهم حلفاء يمكن الاستغاثة بهم للمساعدة، ويتبادل زعماء الأكراد اللوم على الهزيمة، التي ستعد واحدة من أسوأ الكوارث في التاريخ الكردي".
ويلفت الكاتب إلى أن "الجغرافيا السياسية في شمال العراق ستتحول، ليس لصالح الأكراد، حيث تراجعت الوحدات العسكرية الكردية من محافظة سنجار القريبة من الحدود السورية، التي يعيش فيها الأزيديون الذين قتلوا واستعبدوا من تنظيم الدولة، عندما احتل مناطقهم في آب/ أغسطس 2014، وحلت مليشيات مؤلفة من أزيديين، لكنها تدين بالولاء لبغداد، محل قوات البيشمركة".
ويفيد كوكبيرن بأنه "في الجانب الآخر من الخط الفاصل، غادرت قوات البيشمركة الكردية وغير الكردية بلدات خانقين وجلولاء ومندلي، بالقرب من الحدود الإيرانية شمال شرق بغداد، وهذه كلها أماكن بذلت الأحزاب الكردية جهدا لتمكين حكمها فيها خلال السنوات الأخيرة، وتمت خسارتها الآن وربما إلى الأبد".
وينوه الكاتب إلى أن "قوات البيشمركة تخلت عن آخر حقلي نفط كانا تحت سيطرتها بالقرب من مدينة كركوك، متخلية عن المكاسب التي حصل عليها الأكراد منذ سقوط صدام عام 2003، وكان امتلاك حقلي النفط في كركوك يعد ضروريا إن كانوا سيحققون الاستقلال السياسي".
ويذكر كوكبيرن أن الاحتفالات قامت في بغداد لما يعد انتصارا كبيرا ثانيا للعراق ورئيس وزرائه حيدر العبادي هذا العام، حيث كان النجاح الأول في استعادة الموصل في تموز/ يوليو، بعد حصار للمدينة دام تسعة أشهر، مشيرا إلى أن الانتصار الثاني تمثل في الهزيمة التي كانت بسهولة غير متوقعة للأكراد هذا الأسبوع، في أعقاب
الاستفتاء المدمر للذات حول الاستقلال في 25 أيلول/ سبتمبر.
وتنقل الصحيفة عن معلق كردي لم يرغب بأن ينشر اسمه، قوله: "ما أخشاه الآن هو نشوة النصر في بغداد، حيث هناك حديث حول بسط سيطرة الحكومة على كل مكان في العراق".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذا قد يعني أن تضع بغداد المزيد من الضغط السياسي والعسكري على المحافظات الكردية الثلاث، التي تشكل حاليا أراضي حكومة إقليم كردستان، التي أصبح وضعها الآن صعبا".
وبحسب الصحيفة، فإن الرئيس العراقي فؤاد معصوم، وهو كردي، دعا إلى حوار بين الحكومة المركزية والقيادات الكردية لحل الأزمة التي تسبب بها الاستفتاء، لافتة إلى أن العبادي قال مشيرا إلى الاستفتاء إنه "انتهى وأصبح من الماضي"، لكنه دعا إلى حوار "بموجب الدستور"، الذي يستبعد الاستقلال الكردي، "ولا شك بأن توازن القوى مال بشكل كبير نحو بغداد، وبعيدا عن العاصمة الكردية أربيل".
ويبين كوكبيرن أن مسعود
بارزاني وحزبه الحزب الديمقراطي الكردستاني حاولا يوم الاثنين لوم البيشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني؛ لتقدم القوات العراقية دون مقاومة، وتم اتهامها بخيانة الأكراد، بالتوصل إلى صفقة مع بغداد، مستدركا بأن المصادر الكردية قالت لـ"إندبندنت" إن كلا من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني اتفقا على أنهما أضعف من أن يقاتلا لأجل كركوك، مع أن الأوامر لم تصل إلى جميع قادة البيشمركة في الوقت المناسب.
وتورد الصحيفة نقلا عن مستشفى في السليمانية، قوله إنه استقبل جثامين 25 مقاتلا، وعالج 44 جريحا، مشيرة إلى أنه بشكل عام فإن الإصابات لدى الطرفين كانت بسيطة، وهو دليل على أن اتفاقا بالانسحاب كان قد تم قبل تقدم القوات الحكومية العراقية، حيث انسحبت قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني من محافظة سنجار يوم الاثنين، ومن المواقع التي سيطرت عليها في محافظة كركوك، فيما يبدو أنه انسحاب مرتب مسبقا.
ويقول الكاتب إن "بارزاني لام (قرارات أحادية الجانب اتخذها سياسيون أكراد)، وهو اتهام يفترض أنه لا يشمله، مع أن قراره غير الحكيم بإجراء الاستفتاء تسبب بمواجهة مع بغداد، يمتلك فيها الأكراد أوراقا ضعيفة، وقد عورض الاستفتاء من القوى الدولية والإقليمية، ما عدا إسرائيل والسعودية، وليست أي منهما في موقع تستطيع منه تقديم مساعدة عملية للأكراد، واختار بارزاني أن يتحدى العبادي بعد أن حققت قواته المسلحة انتصارا كبيرا في الموصل، ولم يكن ممكنا أن يتراجع".
ويشير كوكبيرن إلى أن أمريكا عارضت الاستفتاء، لكنها بقيت على مسافة من الأزمة، حيث لم يكن بإمكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يبدو أكثر بعدا عندما قال: "لا نحب رؤيتهما يشتبكان.. وكانت لنا علاقات جيدة مع الأكراد لسنوات عديدة كما تعلمون، وكنا أيضا بجانب العراق".
ويذهب الكاتب إلى أنه "سيتم نقاش المسؤولية عن هذه الكارثة بين الأكراد العراقيين لعقود قادمة، لكن عمليا كان ما حصل نتيجة لقيام بارزاني بلعب أوراقه على مستوى أكبر مما تحتمل، ونتيجة الخلافات بين الأحزاب الكردية، وهو ما عنى أن الأحزاب لم يكن أمامها خيار عسكري ضد بغداد، وبسبب الاستفتاء لم يفشل الأكراد فقط في عدم كسب الاستقلال، بل إنهم سيجدون أن الحكم الذاتي، الذي كان بالنسبة لهم أمرا مفروغا منه، أصبح مهددا مع إحكام بغداد سيطرتها على المحافظات الكردية".
ويخلص كوكبيرن إلى القول إن "العديد من الأكراد سيرون يد إيران ويد الحرس الثوري الإيراني تحركان الحكومة في بغداد والأحزاب الكردية للخروج بالنتيجة الحالية، وستكون إيران سعيدة بأن ترى حكومة بغداد أصبحت أقوى، وأن يكون بارزاني، المقرب من أمريكا، تم إضعافه، ولكن لا حاجة لنظريات المؤامرة لإيضاح ما حصل، فما حصل بشكل أساسي هو أن بارزاني بدأ مواجهة ليس بإمكانه أن يكسبها".