تعتزم السلطات الأردنية بضغط من صندوق النقد الدولي رفع الدعم عن مادة الخبز الذي طالما اعتبرته خطا أحمرا، إذ يدرك صناع القرار في الأردن أن رفع سعر الخبز قد يكون بمثابة إشعال فتيل احتجاجات شعبية كالتي وقعت عام 1996 في مدن الجنوب بعد أن رفعت حكومة عبد الكريم الكباريتي سعر كيلو الخبز إلى 25 قرشا.
وتحاول الأردن التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة أن تلبي كافة شروط بعثة صندوق النقد الدولي، للحصول على قروض مالية، ومن بين هذه الشروط "إزالة التشوهات في الميزانية ووقف دعم السلع"، تحت اسم برامج "التصحيح الاقتصادي" التي وضعها الصندوق منذ 1989 والتي شكلت حسب خبراء اقتصاديين جوهر السياسات الاقتصادية للحكومات الأردنية المتعاقبة.
اقرأ ايضا: كيف يطبَّق صندوق النقد على اقتصاد الدول؟ الأردن مثالا
الحديث عن رفع الدعم عن الخبز ليس وليد اللحظة، فقد حاولت حكومات أردنية سابقة رفع الدعم عن الخبز الذي يعتبر سلعة أساسية للأردنيين، إلا أن الكلفة السياسية والاجتماعية وقفت حجر عثرة أمام مخططات تلك الحكومات، لتخرج الحكومة الحالية بعنوان "استبدال دعم السلعة بدعم المواطن" للترويج لرفع أسعار الخبز.
وزير الصناعة والتجارة والتموين يعرب القضاة، قال في تصريح للتلفزيون الأردني الثلاثاء الماضي، إن "الحكومة لم تتخذ قراراً بعد حول تحرير سعر الخبز".
مضيفا: "حتى لو حررنا الخبز فإن سعر الكيلو لن يتجاوز (32 - 35 قرشاً) والحكومة لن تترك الأمور وستضع سقفاً أعلى للسعر".
وبحسب لائحة الأسعار الحالية لمادة الخبز، يبلغ سعر كيلو الخبز الصغير 24 قرشا، وكيلو العربي الكبير 16 قرشا، وكيلو المشروح 18 قرشا.
تتذرع الحكومة الأردنية بأنها تقدم دعما للخبز بقيمة 230 مليون دينار، يذهب منه دعم لـ 3 ملايين مقيم غير أردني، بينما يذهب قسم كبير من الخبز إلى القمامة كهدر، على حد قولها.
وخرج الناطق باسم الحكومة محمد المومني بتصريح الخميس الماضي، أثار سخرية واسعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، قال فيه إن البعض "يقوم بتهريب الخبز المدعوم إلى الدول المجاورة بهدف الاستفادة من فارق الأسعار"، رغم أن الأردن محاط بدول تشهد تشديدات أمنية على الحدود بسبب الأوضاع في المنطقة.
عجز الموازنة
الخبير الاقتصادي،فهمي الكتوت، يرى أن "ما تقوم به الحكومة ليس إصلاحا ماليا واقتصاديا فلم تضع خطط وبرامج للخروج من الأزمة الاقتصادية بعيدا عن جيب المواطن، وتحقق نموا اقتصاديا من خلال الاستثمارات ونمو قطاعات إنتاجية، ما يجري هو عجوزات متفاقمة في الموازنة، وهنالك ضغوطات من قبل صندوق النقد الدولي لتخفيض هذه العجوزات بنسب ضئيلة جدا، الحديث يدور عن رفع الدعم عن الخبز الذي بلغ 140 مليون دينار، وتتوقع الحكومة بعد تقديم دعم مباشر للمواطن أن ينخفض قيمة الدعم إلى 70 مليون دينار، فماذا سيحقق هذا المبلغ مع عجز موازنة يبلغ مليار دينار".
وحسب "الكتوت"، الهدف من رفع الدعم عن مادة الخبز "فرض صندوق النقد الدولي لسياسته على الدول المدينة ومن بينها الأردن، وسياسة الصندوق تنص على رفع الدعم عن أي سلعة وتحرير الأسواق والتجارة ورفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة، كي تتمكن الحكومة الحصول على قروض جديدة".
وأوضح الكتكوت في تصريح لـ"عربي21" أن "الحكومة الأردنية تحاول امتصاص ردة الفعل الشعبية حول رفع أسعار الخبز من خلال قولها إنها تحاول إيصال الدعم لمستحقيه و أن هناك شرائح من غير الأردنيين يتلقون هذا الدعم".
احتجاجات مرتقبة
الناشط محمد السنيد (مطلق شرارة الاحتجاجات في عام 2011)، يحذر الحكومة الأردنية في حديث لـ"عربي21" من مغبة رفع أسعار الخبز، الأمر الذي قد يولد احتجاجات واسعة ضد أي قرار يستهدف الطبقة الأوسع اجتماعيا خاصة أن الظروف الاقتصادية والمعيشية من سيء إلى أسوأ بفعل السياسات الحكومية العقيمة والفاشلة اقتصاديا، التي خلفت زيادة في الأعباء على الطبقة الأوسع والأفقر، و ننصح الحكومة بمعالجة أسباب المديونية وعدم تحميلها للمجتمع".
ويستذكر الأردنيون أحداث ما عرفت بـ "ثورة الخبز" عام 1996 والتي أطاحت بحكومة عبد الكريم الكباريتي الذي رفع سعر مادة الخبز مما خلف احتجاجات واسعة في مدينة معان، كما يستذكرون "هبة نيسان" جنوب المملكة التي عمتها احتجاجات غاضبة في 15 نيسان/ أبريل 1989 وبدأت في مدينة معان وسرعان ما انتقلت إلى باقي المدن والكرك والسلط وإربد، نتيجة للظروف الاقتصادية السيئة للتطور فيما بعد للمطالبة بالإصلاح السياسي.
البحث عن بدائل
النائب عن محافظة الكرك، صداح الحباشنة، دعا الحكومة "للابتعاد عن الخبز والبحث عن بدائل أخرى لما قد يسببه هذه القرار من ردة فعل في الشارع الأردني خصوصا في مناطق الجنوب".
وقال الحباشنة في تصريح لـ"عربي21"، إن "رفع الدعم عن الخبز قد يكون فيلما من قبل الحكومة لإعطاء مجلس النواب رصيد شعبي من خلال قف رفع سعر الخبز، مقابل تمرير قرارات اقتصادية أخرى من بينها توسيع شريحة من يخضعون لقانون ضريبة الدخل".
وأضاف: "هذه الحكومة حكومة جباية تفتقد لثقة المواطن عليها البحث عن بدائل أخرى كإلغاء الهيئات المستقلة التي تستنزف 350 مليون دينار سنويا من الميزانية، إلى تحديد سقف أعلى للرواتب على الوظائف العليا و وقف التنفيعات والسفرات وخصوصا سفرات أعضاء مجلس النواب".
بدورها، دعت جمعية حماية المستهلك، الحكومة إلى إيجاد حلول للحد من اختلالات آلية توزيع مادة الطحين المدعوم، وبيع الفائض منه بالسوق السوداء، بدلا من رفع الدعم الذي لن يساهم بانخفاض نسبة المديونية وسد عجز الموازن
وبحسب دراسات حكومية، يقدر استهلاك الفرد من مادة الخبز حوالي 90 كيلوغراما سنويا، ويقدر استهلاك الأردنيين من الخبز يوميا بـ 10 ملايين رغيف.
نتنياهو يحتفي بـ50 عاما من الاستيطان بالأغوار.. ما الدلالات؟
خبراء يدعون لعقد مؤتمر دولي لدعم المصالحة الفلسطينية اقتصاديا
المصالحة الفلسطينية.. لماذا غاب الأردن وحضرت مصر؟