المملكة لبنان وأوراق القوة

لا بُد في البداية من النظر بشكل شامل للأوضاع الحالية والتوترات الغير مسبوقة بين لبنان والمملكة العربية السعودية على خلفية الموقف من نفوذ إيران بشكل عام، وحزب الله في لبنان على وجه الخصوص.

وما يحدث داخل المملكة أيضا على ما يراه البعض أنه قربٌ لسقوط حكم آل سعود، إلا أن الوضع بالنسبة للبنان مختلف إلى حد بعيد، وقد يكون ما يحكى عن سقوط الحكم يُمثل كارثة، فيما لو حدث على لبنان قبل غيره ولو لم يتنبه البعض إلى ذلك.

إن كل ما يحكى وما ذهب إليه المحللون والمتابعون من أن لبنان في أمان ولا توترات داخلية ولا فتنة طائفية، وأبعد من ذلك فلا حرب على لبنان تلوحُ في الأفق وحتى لو كان كل ذلك صحيحا، فإن حروبا من نوع آخر ستدمر كل لبنان وليس حزب الله وحده لو اشتعلت! 

إن الحرب اللبنانية التي اشتعلت نهائيا في 1975 واستمرت أكثر من خمسة عشر عاما، بدأت في الظاهر طبعا ببعض التظاهرات المطالبة بزيادة عدد مقاعد المسلمين في البرلمان اللبناني تبعا لازدياد عددهم، وبعدها اتسعت رقعة الاحتجاجات على خليفات كانت كلها معيشية حياتية شعبية، فترك الناس اليافطات وحملوا البنادق وكانت الكارثة. 

إذا كانت الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت ردحا من الزمن أشعلها احتكار البحر بسمكه في صيدا عاصمة الجنوب اللبناني، واحتكار الرغيف في بيروت، فإلى أين يتجه الناس فيما لو قررت المملكة إعلان الحرب الاقتصادية  "فقط" على لبنان؟

وهنا من السذاجة الاعتقاد أن الكارثة مقتصرة على ترحيل اللبنانيين العاملين منذ سنوات هناك، وهو ما لم تلوّح مجرد تلويح به المملكة بعد، وذلك إن دلَّ على شيء، فإنما يدل على أن السلاح المحتمل استخدامه أمضى وأفعل، وترحيل اللبنانيين إن حدث ليس سوى طلقة واحدة فقط من هذا السلاح الفتاك.

إن سنوات دعم المملكة للبنان بالعموم ولبعض المؤسسات فيه بالخصوص طويلة جدا،  والمؤسسات لم تستطع الاعتماد على نفسها بعد كل تلك السنوات إما فسادا او ركونا، ومعلوم أن بعض التأخير في مخصصات تلك المؤسسات من السعودية ولو بالأيام، يُدخل تلك المؤسسات في أزمة مالية تستمر إلى حين إعادة إرسال مخصصاتها، فما دلالات ذلك ؟

بالدرجة الأولى إن لبنان تعود على العيش بهذه الطريقة ما يجعل عنقه مغلولا دائما، وتاليا فإن القضاء على قطاع واسع معتمِد داخل لبنان على هبات المملكة، يمكن أن يتم بكبسة زر ولو لم تكن تلك القطاعات على غير ود مع المملكة فمن باب الضغط، ولم ندخل في الحرب الحقيقية بعد، إن تم ذلك سيعلو الصراخ لكنه سيُقلّب الناس على حزب الله ضمنيا فقط، ولن يجدي نفعا مع تسليم اللبنانيين بسيطرة الحزب على مفاصل البلد، وهنا يتحقق هدف واحد فقط، إفقار شريحة كبيرة ليس لها ذنب ودون أي جدوى.

مجرد تلويح المملكة بعد ذلك بترحيل اللبنانيين العاملين على أراضيها كفيل بإحداث ضربة اقتصادية نستطيع فهم حجمها لو درسنا تعداد هؤولاء هناك، وبالأرقام نظهِّر الصورة الكاملة التي تشمل من يَعمل ومن يُعيل ومن يَعتمد بشكل كبير في لبنان على مساعدة أقاربه من هناك بشكل دائم، وتَظهر الصورة المفزعة عندها، ولم تلعب المملكة العربية السعودية بعد كل أوراق قوتها ولم تشهر كامل أسلحتها بعد في وجه لبنان. 

دخول لبنان في المجهول لا يكون فقط بكل ما سبق، الطامةُ الكبرى أنه مهما كانت الأوضاع داخل السعودية متوترة، فهي شؤون داخلية لا يتوقف معها قرار اتخذ منها كدولة بمعنى "سيستم"، فإن قاطعت لبنان، فإن النظام من قاطع لبنان وليس الملك أو أفراد، وهنا الكارثة الكبرى التي لا يعلم أحد متى يمكن التراجع عن تعديل دخل في نظام بلد، قرر التوقف عن التواصل معنا وماذا لو حدث ما يعتقده حلفاء حزب الله من فوضى في المملكة تزامنا مع مقاطعة لبنان ؟ 

فمن يعيد تصويب الأمور؟ 
رغم كل التطمينات الاقتصادية التي سمعناها منذ استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، التي نزلت كالصاعقة على اللبنانيين ومن ضمنهم حزب الله، ومهما كان من هدوء وتصريحات مدروسة لا يمكن أن تُخفي المأزق الكبير الذي حدث، مهما حاولت الأطراف السياسية في البلد تبريد الأجواء. وندخل لاحتمال إشهار المملكة سلاحها بوجه لبنان.

ماذا لو سحبت ودائعها؟؟؟ 

أما احتمالات الحرب على لبنان، فهذا ما هو غير واضح حتى الآن، فمن الصعب تخيل الأمر مع إشارة الخبراء لانتفاء الإمكانية في المدى المنظور، إلا أن كثيرون يعتقدون باستخدام إسرائيل للغاية هو ما ينفيه حُلفاء المملكة في لبنان جملة وتفيصلا، بل ويعدّونه افتراء لمجرد الطرح، وتضليل لو قلنا إن حربا ستشنها المملكة على لبنان، فلا يتطابقَ غير استخدام التقنيات الحديثة جدا في قصف مواقع ربما لحزب الله مع مراعاة امتلاكه للصواريخ القادرة على إسقاط الطائرات، ما سيدفع المهاجم إلى استخدام الـ ب52 مثلا في غارات بعدد كبير من الصواريخ دفعة واحدة، لكنها غير متواصلة، وهذا بحد ذاته يؤدي إلى حالة من الشلل الحياتي بشكل عام والأخطر الاقتصادي في البلاد، فكيف إذا اجتمعت كل النقاط التي ذكرناها في حرب ربما تطول؟