نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا لمراسلها في بيروت ديفيد كينر، يقول فيه إن السعودية وحلفاءها في لبنان يعتقدون أن السيطرة على الجوانب المالية هي مفتاح تحقيق أهداف السياسة الخارجية وطموحات السياسة الداخلية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تعهد في خطاب استقالته من الرياض خلال نهاية الأسبوع، بأن "يقطع" يد إيران في المنطقة، ما زاد مخاوف حرب بالوكالة بين الرياض وطهران، مستدركا بأن أعضاء في حزب الحريري يقللون من شأن فكرة مواجهة مسلحة في لبنان.
وينقل كينر عن عضو كتلة المستقبل باسم الشاب، قوله: "تحتاج شخصين للرقص، لكن ليس هناك في الساحة سوى شخص واحد"، في إشارة إلى أن التوازن العسكري هو لصالح حزب الله، إلا أن الشاب أشار إلى سلاح آخر يعتقد أنه يعطي الحريري وحلفاءه السعوديين قوة الضغط في دراما البلد السياسية: وهو دور رئيس الوزراء المستقيل في دعم الاقتصاد اللبناني.
وقال الشاب أيضا إن الحريري "هو الوسيط الذي يبقي علاقات لبنان جيدة مع الغرب ومع دول الخليج"، مضيفا أن رئاسة الحريري للوزراء كان لها تأثير ملطف، حيث منعت تشديد الضغط على لبنان من أمريكا ومن دول الخليح بسبب تأثير حزب الله
وتذكر المجلة أن الحريري طلب من واشنطن في الصيف أن تخفف من العقوبات المقترحة ضد حزب الله؛ لأن ذلك قد يعني خروج البنوك الأمريكية من السوق اللبنانية، وأعرب فريق الحريري بعد لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أشاد بدور الجيش اللبناني، عن ثقتهم باستمرار الدعم العسكري، بالرغم من تخفيض نفقات وزارة الخارجية الأمريكية.
ويلفت التقرير إلى أن الشاب أشار إلى احتمال أن يقوم الاتحاد الأوروبي بإدراج حزب الله على قائمة الإرهاب -لا جناحه العسكري فقط كما هو حاصل الآن- ما سيعقد علاقة الحزب بالحكومة اللبنانية.
ويقول الكاتب إن نمو الاقتصاد اللبناني كان أقل من 2% على مدى العامين الماضيين، وزاد الضغط عليه بسبب تدفق اللاجئين السوريين، حيث أعرب بعض المحللين عن مخاوفهم من انهيار اقتصادي وشيك؛ لأن الاقتصاد بسبب المشكلات في قطاع البنوك وأسعار العقارات المتضخمة جدا.
وتستدرك المجلة بأنه "حتى لو استطاع الحريري أن يساعد الاقتصاد ويمنعه من الانهيار، فإن بعض الخبراء متشككون بأن ذلك سيجعله قادرا على الحصول على تنازلات من حزب الله".
وينقل التقرير عن أميل الحكيم من المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، قوله: "إن المسألة هي إن كانت المعاناة الاقتصادية الأكبر ستضع المزيد من الضغط على حزب الله من ناحية استراتيجية.. حزب الله، بصفته حركة، يحتاج التمويل، لكنه لن يتوقف بسبب ذلك. والتوقع بأنه سيكون بإمكان الحكومة أن تشن حملة ضد حزب الله بسبب المعاناة الاقتصادية لا يعدو كونه حلم يقظة، لكن الذي سيحصل هو أن الدولة ستكون عاجزة وغير قادرة على ذلك".
ويفيد كينر بأن الحريري يأمل في أن يستخدم دوره في تغذية الاقتصاد اللبناني ليضعف نفوذ حزب الله في بيروت بالتدريج، فيما يأمل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من خلال حملته ضد كبار رجال الأعمال السعوديين، بأن يبني دولة مركزية –دولة قادرة على القيام بالإصلاحات محليا وقادرة على مواجهة إيران إقليميا- حيث نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا يوم الثلاثاء، قالت فيه إن الحكومة تستهدف أصولا قيمتها 800 مليار يملكها رجال الأعمال المعتقلون.
وتورد المجلة نقلا عن الزميل المتخصص في الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسات العامة في جامعة رايس، كريستيان كوتيس أولريتشسين، قوله: "أعتقد أننا نرى محمد بن سلمانن يعيد تشكيل السعودية إلى الدولة التي يريد أن يحكمها على مدى نصف القرن القادم"، وأضاف أن أبناء مؤسس السعودية ابن سعود حكموا المملكة من 1953، وخرجوا جميعا تقريبا من المشهد السياسي، وتعيش السعودية اليوم تداعيات انتقال السلطة، ففي الوقت الذي ترتخي فيه قبضة الحرس القديم على السلطة، استغل محمد بن سلمان الفرصة لكسر المصالح الاقتصادية المترسخة، التي انتعشت من العلاقات السياسية لأولئك الأمراء.
وينوه التقرير إلى أن بعض الشركات تعاني حتى قبل الحملة، فمجموعة ابن لادن الضخمة فشلت في الحصول على عقود حكومية مؤخرا، ما اضطرها إلى تسريح آلاف العمال، وكان مديرها بكر بن لادن أحد المعتقلين البارزين، نهاية الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى أن شركة "سعودي أوجيه"، التي تملكها عائلة الحريري، اضطرت للإغلاق الصيف الماضي، لافتا إلى أنه من المفارقات أن تلك الشركة هي التي قامت بإنشاء فندق "ريتز كارلتون"، الذي يحتجز فيه الأمراء ورجال الأعمال الذين اعتقلوا خلال الحملة.
ويذهب الكاتب إلى أنه "مع أن الامبراطورية التجارية للحريري ذبلت، إلا أنه يشارك ولي العهد رغبته في الوقوف في وجه النفوذ الإيراني، حيث يسعى محمد بن سلمان إلى تحويل السعودية إلى قوة إقليمية متنفذة، ولذلك أطلق الحرب في اليمن ضد من وصفهم بوكلاء إيران على عتبته، ونظم مقاطعة لقطر؛ بحجة علاقاتها الحميمة مع إيران، بالإضافة إلى أنه أنحى باللائمة على ثورة 1979 في إيران في زيادة المحافظة في السعودية".
وترى المجلة أنه "إذا كان يأمل في تقوية الاقتصاد السعودي لمواجهة إيران في العالم العربي فإن عليه أن يجذب الاستثمارات الأجنبية، وكان قد رئس مؤتمرا للمستثمرين قبل أسبوعين، حيث قال لهم إنه يسعى لتنويع الاقتصاد السعودي، ولدفع المجتمع نحو الليبرالية، ونجاحه سيعتمد على مدى إقناعه لهؤلاء المستثمرين بأنه يبني اقتصادا تضبطه قواعد تقوم على العدل أكثر من النظام الذي يقوم بكنسه جانبا".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول مدير السمسرة في شركة "مينا" وهي شركة استثمارات في الإمارات، نبيل الرنتيسي: "ينتظر المستثمرون نتيجة تلك الاعتقالات.. فإن كانت فقط لمكافحة الفساد واستعادة الأموال للدولة.. سيرون أن ذلك أمر جيد، وإن تبين أن السعودية تسعى لمزيد من الشفافية، فإن ذلك قد يؤدي إلى المزيد من الاستثمارات الأجنبية".
ديلي تلغراف: في لبنان يسألون "أين سعد الحريري؟"
روبرت فيسك: هذه قصة إجبار الحريري على الاستقالة
فورين بوليسي: الملك سلمان وابنه يعيدان الحكم لمركزية ابن سعود