لا مبالغة في أن يعتبر متابعون كُثُر للشأن الفلسطيني أن السلطة سجلت
«انتصارا» على الإدارة الأمريكية أخيرا، بإجبارها على التراجع عن تهديدها بإغلاق المكتب
التمثيلي لمنظمة التحرير في واشنطن، ولا مبالغة ولا غرابة أيضا في اعتبار أن إدارة
الرئيس دونالد ترامب لم تُسجّل أي انتصار يُذكر في أي من ساحات الصراعات الخارجية.
وتقدير ذلك يعود إلى كثرة كلام وقلة فعل، فيما تحيط بالفريق المقرب من الرئيس دائرة
خطر، ناتجة من اتهامات لصهره جاريد كوشنر وأقرب معاونيه بمحاولة الاستعانة بالروس للتأثير
في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
الرئيس الذي تحولت وعوده بانتصارات إلى شلل لئلا نقول انتكاسات في ملفات
عدة، من كوريا الشمالية إلى الإرهاب مرورا بسورية والعراق وغيرها، لم يعُد يتبقى له
سوى شهر واحد لـ «لملمة» سمعته ومحاولة تحقيق إنجاز داخلي في سنته الأولى في السلطة
والتي باتت توصف بـ«سنة تشريعية مفقودة» لم يصدر خلالها أي قانون رئيسي يشكل نواة سجل
إنجازات للبيت الأبيض.
ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يأمل الجمهوريون بأن يتمكن الكونغرس في الأيام
التي تفصلنا عن الذكرى الأولى لتولّي ترامب الرئاسة من تمرير أول حزمة شاملة من الإصلاحات
الضريبية على مدى عقود، ما يهدئ الناخبين الجمهوريين المتضررين ويمثل انتصارا سياسيا
شخصيا لا يمكن إنكاره حتى بالنسبة إلى رئيس يهوى الإنكار عندما يتعلق الأمر بانتكاسات.
وبدل الاعتراف بأن غياب التمويل كاد «يغلق» الحكومة الفيديرالية لولا
صفقة مع الديموقراطيين في أيلول (سبتمبر) الماضي، يتحدث ترامب في تغريداته على «تويتر»
عن «نجاحات باهرة»، يقول إنه لم يدرك شخصيا كثرتها، موجها إلى وسائل الإعلام الكبرى
المناهضة له تهمة التعتيم على ما اعتبره «إنجازات»، مشيرا بذلك إلى تحسن في مؤشرات
نمو الوظائف، إضافة إلى أوامر تنفيذية وقّعها تتعلق بالهجرة ومشاريع صغيرة أقرها الكونغرس.
وتكمن المشكلة فعليا في فشل الرئيس في الاستفادة من سنته الأولى، وهي
الفترة التي تشكل مرحلة قدرة قصوى بالنسبة إلى الرؤساء الأمريكيين لتحقيق سجل تشريعي،
ذلك أن أسلاف الرئيس الحالي لطالما استفادوا من ارتفاع شعبيتهم في سنتهم الأولى لبسط
نفوذهم، الأمر الذي بدا معكوسا حاليا مع الأخذ في الاعتبار درجة القبول المنخفضة التي
تعاني منها رئاسة ترامب.
وفي وقت بات اهتمام الجمهوريين ينصب على تفادي انعكاس عثرات الرئيس على
أداء حزبهم في انتخابات التجديد النصفي، ينخرط خصومهم الديمقراطيون في نقاشات داخلية
حول ربط مساهمتهم في إقرار مشاريع تعويم الحكومة الفيديرالية ماليا، شرط تمرير أولوياتهم
المتعلقة بقضايا مثل تجديد برنامج الرعاية الصحية للأطفال وإنقاذ مهاجرين يعرفون بـ
«الحالمين» مهددين بالترحيل، كونهم لا يحملون وثائق قانونية وأتت بهم إدارة الرئيس
باراك أوباما إلى الولايات المتحدة أطفالا من مناطق نزاعات على أمل منحهم فرصة تأمين
مستقبل وعيش كريم.
صحيح أن السنة الأولى في رئاسة ترامب تبدو مجردة من أي بريق، لكن قلق
الجمهوريين يذهب إلى أبعد من ذلك، وعينهم على انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني
(نوفمبر) 2018، والتي قد تشكل انقلابا في موازين القوى لمصلحة الديمقراطيين، الذين
في حال تمكنوا من تحقيق انتصار في الكونغرس، سيحوّلون الرئيس إلى ما يعرف بـ«بطة عرجاء»،
وهو تعبير يصوّر العجز عن امتلاك القدرة المطلوبة للمناورة في الساحة السياسية الأمريكية.
وقياسا لما تحقق في السنة الرئاسية الأولى، فإنه ليس هناك حتى الآن ما يدعو الجمهوريين
إلى الاطمئنان.
الحياة اللندنية