القرار الأمريكي بإبقاء القوات الأمريكية في سوريا ليس مفاجئا، لكنه إعلان عن سياسة بدأت تنضج منذ فترة، وتمثل اختلافا أساسيا مع ما أعلنه ترامب قبل انتخابه. فبعدما ردد كثيرا أنه لن يتورط في سوريا وسيحيل الملف السوري إلى موسكو، أصبحت الإدارة الأمريكية تدريجيا أكثر انخراطا في تشكيل الخريطة السورية، وفي تباين واضح مع سياسات بوتين. وبعد فترة غزل متبادل بينها وبين نظام بشار الأسد، أصبح التوجه الأمريكي أقرب لتنحي بشار الأسد من بقائه. فرغم أن عنوان القرار الأمريكي هو التذرع بعدم استعادة داعش لقوته، فإن الأسباب الأخرى تتعلق بالمشاركة المباشرة في تحديد الخريطة السياسية السورية.
وقد وصف وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون خطط بقاء القوات الأمريكية في سوريا، في خطاب ألقاه يوم الأربعاء، بأن الولايات المتحدة ستظل تشارك ديبلوماسيا وعسكريا في سوريا بعد فترة طويلة من هزيمة داعش. وقال تيلرسون: "دعونا نكن واضحين، فإن الولايات المتحدة ستحافظ على وجود عسكري في سوريا يركز على ضمان عدم تمكن داعش من الظهور". وقال تيلرسون، وهو يسرد ما اعتبر أنه خطأ الإدارة السابقة في العراق: "لا يمكننا السماح للتاريخ بتكرار نفسه في سوريا. داعش لديه في الوقت الحاضر قدم واحدة في القبر، والحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في سوريا (ضروري) حتى يتم تحقيق هزيمة كاملة لداعش".
لكن وزير الخارجية الأمريكي لم يخف وجود أسباب أخرى للإبقاء على الولايات المتحدة في سوريا: "إن الانسحاب الكامل للجنود الأمريكيين في هذا الوقت سيساعد بشار الأسد، فسوريا مستقرة ومستقلة تتطلب في نهاية المطاف الانخراط في مرحلة ما بعد الأسد، من أجل أن تكون ناجحة، واستمرار الوجود الأمريكي لضمان هزيمة داعش الدائمة سيساعد أيضا في تمهيد الطريق أمام السلطات المدنية المحلية الشرعية لممارسة الحكم الرشيد في المناطق المحررة".
هذا الرأي حول الارتباط بين ضمان عدم عودة داعش وتغيير الحكم في سوريا؛ لا يخص الإدارة الأمريكية وحدها، بل يشمل أيضا خبراء أمريكيين بارزين، مثل باربرا والتر؛ التي كتبت منذ شهر مقالا في دورية "فورين أفيرز" في هذا الاتجاه، حيث قالت: "هناك حوافز قوية لقادة المتمردين لاعتناق أيديولوجية متطرفة في أي بلد مسلم؛ مع تاريخ من الفساد وقلة من القيود على السلطة. وكان تنظيم داعش واحدا من المجموعات الأولى التي قامت باستعراض هذه الاستراتيجية".
الرأي حول الارتباط بين ضمان عدم عودة داعش وتغيير الحكم في سوريا؛ لا يخص الإدارة الأمريكية وحدها، بل يشمل أيضا خبراء أمريكيين بارزين
من الواضح في كل الحالات أن هذه المواقف الأمريكية مرتبطة أيضا بالاستراتيجية الأمريكية المترابطة مع الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة، بما في ذلك "صفقة القرن"
هذا الموقف الأمريكي لا يعني بالضرورة تصادما مطلقا مع الموقف الروسي. إذ هنا مؤشرات على أن بوتين لا يعتبر الأسد خطا أحمر في المرحلة الحالية
إدلب ونهاية المعارك التقليدية في سوريا
الأحداث الإيرانية: المعركة مستمرة وكل الخيارات على الطاولة