نشر موقع "بي بي سي" البريطاني تقريرا عن الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة "بي بي سي"، السبت، عن التعذيب والرعب الذي يتعرض له الشعب المصري في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، الذي تقلد السلطة بعد انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وذكر الموقع، أن العملية التي شنتها الأجهزة الأمنية ضد اعتصام مساند لمرسي في القاهرة، في آب/ أغسطس سنة 2013، أدت إلى مقتل 800 شخص في مسجد رابعة العدوية، وذلك وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، التي وصفت الأمر بأنه "إحدى أكبر عمليات قتل المتظاهرين، التي ارتكبت في يوم واحد، في التاريخ الحديث".
ونقل الموقع جملة من الروايات التي جمعها فريق موقع بي بي سي حول الاختفاء القسري والتعذيب الذي تمارسه الأجهزة الأمنية، على غرار زبيدة التي انضمت إلى قائمة المختفين في مصر.. وفيما يلي نص التقرير الذي نشره موقع "بي بي سي":
قصة اختفاء زبيدة
لقد كانت إقامة حفل زفاف عائلي بمثابة مناسبة سعيدة، حيث كان من المفترض أن ترفع من معنويات زبيدة، التي كانت في حاجة ماسة لذلك. في الواقع، كانت الشابة البالغة من العمر 23 سنة واحدة من المرضى المقيمين في مستشفى القاهرة، حيث تلقت العلاج من الصدمات الأخيرة التي تعرضت لها، قبل أن يرافقها شقيقها الأصغر إلى منزل العائلة السابق في حي فقير ومزدحم، حيث ظل البعض من أفضل ملابسها في الشقة القديمة.
في الأثناء، هرع شقيق زبيدة إلى الصيدلية لصرف وصفة طبية لها، وكان قد ترك الشابة عند مدخل البيت، ولكنه عندما عاد بعد دقائق، لم يجدها. وقد حدث ذلك حوالي الساعة الثانية بعد الزوال في الثامن من نيسان/أبريل سنة 2017. وقد اختفت زبيدة منذ ذلك الوقت، ولم تظهر مرة أخرى أبدا. وبذلك، تكون الشابة الجذابة، ذات العيون العسلية المثيرة، قد انضمت إلى صفوف "المُختفين" في مصر.
اقرأ أيضا: شهادات مؤلمة عن سجون مصر في وثائقي على "BBC" (شاهد)
قصّت علينا أمها أحداث ذلك اليوم، وهي ترتدي العباءة السوداء والحجاب المنقوش. وقد كانت الأم شديدة الترحاب بالضيف، كما أنها أرادت منا مناداتها باسم "أم زبيدة" فقط، لوصل الصلة بابنتها.
التقينا في منزل الأسرة الحالي، الذي لا يبعد كثيرا عن الأهرامات. وتحظى الشقة بالقليل من الأثاث النظيف، علاوة على أنها تقع في عمارة شاهقة توفر القليل من وسائل الراحة، إلا أنها تسمح للأسرة بأن تكون بعيدة عن الأنظار. وقد انتقلت العائلة إلى هناك على أمل أن تهب هذه الشقة زبيدة بداية جديدة، ولكنهم فقدوها بدلا من ذلك.
قالت الأم وعينيها مغرورقتان بالدموع: "لقد حاولت العثور على زبيدة لمدة 10 أشهر، وكنت كل يوم أموت مائة مرة. لقد دُمّرت عائلتنا بأكملها؛ وذلك جميع أفرادها الستة. لقد دُمّرنا أنا وأشقائها بالكامل. نحن نتمنى لو أننا كنا في عداد الموتى".
أخبرنا الجيران أن رجالا مسلحين وملثمين جاؤوا في سيارة للشرطة وأخذوها بعيدا في حافلة صغيرة
لا تحمل أم زبيدة أدنى شك حول هوية المسؤول عن اختفاء ابنتها، حيث أفادت "نحن نعلم هوية الفاعل، إنها الشرطة. لقد أخبرنا الجيران أن رجالا مسلحين وملثمين جاؤوا في سيارة للشرطة وأخذوها بعيدا في حافلة صغيرة. لقد مروا على منزلنا القديم واستفسروا عنها عديد المرات". ووفقا لما ذكرته أم زبيدة، كان لدى ابنتها الهاتف المحمول لشقيقها الأصغر، الذي تمكنت من خلاله من إجراء مكالمة سريعة لأحد أقربائها الذي قال: "لقد كان بالإمكان سماع الشرطي وهو يهينها، ومن ثم تم إنهاء المكالمة".
في الحقيقة، بدأت هذه المشكلة بالنسبة للأم وابنتها، منذ سنوات، حيث صرحت أم زبيدة أنهما كانتا تمران بالقرب من حركة احتجاجية خلال سنة 2014، ليتم اعتقالهما في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ. وقد أُدينتا بارتكاب عدة جرائم منها؛ حضور مظاهرة محظورة. وأوردت أم زبيدة أنهما أمضيا سبعة أشهر في السجن، وتمت تبرئتهما بعدها. والجدير بالذكر أن روايتها لما حدث خلال استجوابها الأولي تقشعر منه الأبدان، ولكنها تمثل رواية مألوفة جدا لدى المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان في القاهرة.
قالت أم زبيدة: "لقد ظلوا يضربوننا ويُهينونا لمدة 14 ساعة. كما جردونا من الثياب وصعقونا بالكهرباء. لقد أرادوا منا أن نعترف بأمور لم نفعلها من قبيل التخطيط لتفجير فندق، وامتلاك أسلحة. لقد سمعتُ زبيدة وهي تصرخ 'ساعديني يا أمي'. وعلى الرغم من أنني لم أتمكن من رؤيتها، إلا أنني قلت لها ألا تخاف". وصرّحت أم زبيدة أنها رفضت الاعتراف، مع أنهم هددوها باغتصاب ابنتها أمام عينيها.
بعد أن أُطلق سراحهما من السجن، حاولت الأم وابنتها إعادة بناء حياتهما. وقد كانت زبيدة تدرس التجارة وتحلم بإطلاق مشروعها الصغير. وعندما اختفت للمرة الأولى، كانت الشابة متجهة لاقتناء حذاء في 15 تموز/ يوليو سنة 2016. وفي هذا الصدد، أفادت أم زبيدة أنه قد "تم توقيف السيارة التي كانت زبيدة على متنها عند نقطة تفتيش تابعة للشرطة. حينها، أعطت رقم هاتفي المحمول إلى أحد المارة وطلبت منه أن يتصل بي. وبحلول الوقت الذي وصلت فيه، كانت الشرطة قد غادرت المكان".
تم إلقاء زبيدة على جانب الطريق على مشارف المدينة بعد مرور 28 يوما. وقد وصفت الأم عودة ابنتها بصوت متقطع، وكأن خروج كل كلمة من فمها كان يثير ألما. وقد أوضحت الأم أن "شخصا ما عثر عليها، ومن ثم أبلغنا بالأمر. لقد كانت معصوبة العينين، كما كانت يداها وساقيها مكبلتين. وعندما جلبناها إلى المنزل، كانت عباءتها ممزقة، ولم تكن ترتدي ملابس داخلية تحتها. وقد ذهبت معها إلى الحمام لمساعدتها على تغيير ملابسها والاغتسال.
لقد فعلوا بها كل ما من شأنه أن يغضب الله، كل شيء
وأضافت الأم: "لقد وجدت جروحا على جسدها، وعلامات صعق بالكهرباء. وقد صدمت عندما أخبرتني أنهم اعتدوا عليها. لقد فعلوا بها كل ما من شأنه أن يغضب الله، كل شيء".
بعد ذلك، تغيرت زبيدة ولم تعد ودية ومؤنسة، حيث أكدت والدتها على أنها "لم تعد ترغب في رؤية الناس، وحاولت عزل نفسها. في الحقيقة، لم تعد سعيدة كما في الماضي، وأصبحت تختبأ تحت السرير وتصرخ. لذلك، توجب علينا أخذها إلى مستشفى الأمراض النفسية". وعندما غادرت المستشفى لحضور حفل الزفاف، فقدت حريتها للمرة الثانية.
اقرأ أيضا: اغتصاب للفتيات وصعق.. وثائقي عن التعذيب بمصر (شاهد)
في الوقت الراهن، تشعر والدتها بشيء من الراحة في غرفة نوم زبيدة، التي أصبحت بمثابة المزار. وفي الغرفة، ظل كل شيء في مكانه كما تركته زبيدة في نيسان/ أبريل الماضي، كما لو أن الشابة قد تركتهم منذ بضع ساعات، وليس من حوالي السنة. وتزين خزانتها تذكارات ثمينة قد تبدو وكأنها لطفل، على غرار صندوق المجوهرات الذي كان على شكل سلحفاة، والألعاب الجميلة، ومجسمات قطط صغيرة مصنوعة من السيراميك.
كانت زبيدة تحدق بهدوء من خلال الصورة الموضوعة في إطار، حيث كان هناك القليل من أحمر الشفاه على فمها، وكان شعرها مخفيا تحت حجاب أنيق يحمل زينة جلد الفهد. وقد التقطت هذه الصورة بعد أن تم إطلاق سراح الشابة ووالدتها من السجن في سنة 2014. وفي هذا السياق، أفادت أم زبيدة أن "زبيدة كانت سعيدة جدا لأنهم سمحوا لنا بالخروج. ولكن لسوء الحظ، لم تدم هذه السعادة". وقد أرتني أم زبيدة دفترا صغيرا مليئا بالرسومات والكتابة العربية، التي كانت مذكرات ابنتها في السجن. وقد كانت هناك عبارة واحدة مكتوبة في أسفل الصفحة باللغة الإنجليزية، وكانت بارزة جدا وهي: "لا تنسوني".
في الأثناء، تصر الأم على أن الأسرة لا علاقة لها بأي جماعة محظورة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين. وقد وُصفت الحركة الإسلامية بكونها منظمة إرهابية في سنة 2013، بعد أن فاز أحد قادتها بالرئاسة، التي احتفظ بها لمدة سنة واحدة فقط. وتخشى العديد من عائلات المختفين، وهي كثيرة للغاية، التحدث علنا. وعلى الرغم من المخاطر، ترفض أم زبيدة أن تلتزم الصمت، حتى وإن تعرضت ابنتها للاختفاء القسري لمرتين، وليس لمرة واحدة.
حتى وإن أوصلتني كلماتي إلى حبل المشنقة، فسأواصل الكلام
في هذا الإطار، قالت أم زبيدة: "أتمنى أن يأخذوني ويطلقوا سراحها. اعتقلوني وخذوني مكانها. فأي خطر قد نشكّله على من هم في السلطة؟ إذا اختفت ابنتي وأخذوها ومارسوا بحقها التعذيب، فكيف لي ألا أتكلم؟ حتى وإن أوصلتني كلماتي إلى حبل المشنقة، فسأواصل الكلام". ولكن، لسائل أن يسأل، هل تعتقد أم زبيدة أن ابنتها ستعود؟ وهنا أجابت الأم قائلة: "لدي أمل في الله عز وجل بأنها ستعود إلى البيت".
مُختفون وراء الشمس
كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر، وهو ما كان يدركه إبراهيم متولي وعائلته. ففي 10 أيلول/ سبتمبر من السنة الماضية، توجه المحامي البالغ من العمر 52 سنة إلى مطار القاهرة الدولي ليسافر صباح ذلك اليوم على متن الرحلة المتجهة إلى سويسرا. وقد كان من المقرر أن يدلي بشهادته أمام فريق تابع للأمم المتحدة يُعنى بحالات الاختفاء القسري. وبالنسبة لمتولي، كان هذا الأمر شخصيا، إذ تعرض ابنه الأكبر، عمرو، للاختفاء قبل أكثر من أربع سنوات.
إبراهيم متولي
من جانبه، قال عبد المنعم، الابن الأصغر للمحامي، إن "والدتي طلبت منه عدم السفر، لأنها لم تستطع تحمل حدوث أي أمر آخر. مع ذلك، كان والدي قد اتخذ قراره. فعندما يكون الابن في خطر، لا بد للأب من أن يفعل كل شيء". وخلال النهار، تلقت عائلة متولي رسالة نصية مفادها أنه قد غادر إلى جنيف، لتتنفس العائلة الصعداء، إلا أن تلك الرسالة لم تأت من إبراهيم، حيث انضم المحامي إلى صفوف المختفين، أو كما يشير المصريون إليهم "بالمختفين وراء الشمس".
تصدّر خبر اختفاء إبراهيم متولي العناوين الرئيسية خارج البلاد. وبعد يومين، ووسط تزايد الضغوط الدولية، تم عرضه أمام المدعين العامين، إذ تم اتهامه "بنشر الأخبار الكاذبة" و"تشكيل منظمة غير مشروعة"، في إشارة إلى مجموعة دعم لأسر المختفين التي شارك في تأسيسها. وقد قدم متولي المشورة والمساعدة القانونية للعديد من العائلات اليائسة. وكانت والدة زبيدة قد توجهت إليه طلبا للمساعدة عندما كانت تتنقل من مركز شرطة إلى آخر، متوسلة الحصول على معلومات عن ابنتها.
أعجز عن التنفس أحيانا عندما تراودني أفكار بأنني لن أراه مجددا
في الحقيقة، كان متولي يخطط لتقديم قضية جوليو ريجيني، طالب الدكتوراه الإيطالي الذي قُتل، عند وصوله إلى جنيف. وتجدر الإشارة إلى أن ريجيني اختفى من شوارع القاهرة في كانون الثاني/يناير سنة 2016. وقد عُثر على جثته مشوهة داخل حفرة على مشارف المدينة. وقد أُلقيت زبيدة في وقت لاحق بالقرب من المكان ذاته. وكانت جثة ريجيني تحمل علامات تعذيب تحيل إلى أن من فعل ذلك محترف في التعذيب. وفي الأثناء، تحمل متولي مسؤولية التحقيق في مقتله.
قال عبد المنعم، وهو طالب في القانون: "أراد والدي حماية ما تبقى من الشباب الذين كانت حياتهم معرضة للخطر. لقد كان يعتبر نفسه بمثابة أب لهم جميعا". أما الآن، فبات يقع على عاتق الشاب البالغ من العمر 22 سنة التحدث باسم والده، على الرغم من أنه يعرف أنه قد يكون المختفي المقبل. وأضاف الشاب "أشعر بالقلق، حيث أنني إذا تعرضت لذلك، فسيضيع مستقبلي. مع ذلك، لا أعتبر نفسي بصدد القيام بأي أمر غير قانوني، إذ أنني مجرد صوت لوالدي".
وثّقت المفوضية المصرية للحقوق والحريات ما لا يقل عن 1500 حالة اختفاء قسري في السنوات الأربع الماضية، لكن البعض يعتقد أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير. وعلى حد قول محمد لطفي، وهو أحد كبار الناشطين، فإن "جعل الناس يختفون تعد سمة مميزة لنظام الرئيس، عبد الفتاح السيسي".
الجدير بالذكر أن كل من يعارض النظام، أو يشتبه بقيامه بذلك، سواء كان على خطأ أو صواب، معرض للخطر. وفي بعض الأحيان، قد يصل الأمر إلى اعتقال أقرباء وأصدقاء المشتبه بهم. ويمثل العديد من الإسلاميين أهدافا لهذه الاعتقالات، وهم الأشخاص الذين يعتقدون أن المبادئ الإسلامية يجب أن تكون قوام المجتمع والنظام السياسي.
فضلا عن ذلك، لا يدعو معظم الإسلاميين إلى استخدام العنف لتحقيق أهدافهم في مصر. من جهتهم، أفاد المحتجون أن معظم المختفين تم تعذيبهم قبل أن يعاودوا الظهور مرة أخرى خلال أسابيع الاحتجاز أو بعد أشهر من ذلك الوقت، ليتم توجيه تهم متعلقة بالإرهاب ضدهم. وفي هذا الصدد، لم يتم توجيه التهم لعمرو متولي أو إطلاق سراحه.
الطريقة التي تتم معاملته بها تعرض حياته للخطر
تشعر بالأسى لأنها تعجز عن رؤيته أو التعرف على مكان وجوده
تضمنت السنوات التي تلت اختفاء عمرو الكثير من البحث، كما كانت مليئة بالعذاب. وقد أفاد عبد المنعم في هذا السياق أن والدته لا تنفك تخبر السلطات أنه في حال عدم جلبهم لشقيقه، فمن الأفضل أن يقتلوه ويجلبوا جثته. وأضاف أنها تشعر بالأسى لأنها تعجز عن رؤيته أو التعرف على مكان وجوده. علاوة على ذلك، ترى والدته أن الحال كان ليختلف إذا ما كان ابنها ميتا، حيث يتسنى لها آنذاك زيارة قبره.
في المقابل، يعلم عبد المنعم مكان والده، وإن كانت المعرفة تبعث على شيء من الطمأنينة، إذ يقضي محامي حقوق الإنسان عقوبته في سجن طرة، سيء السمعة. وأفاد نجله أن والده محتجز في الحبس الانفرادي داخل زنزانة مظلمة. وأطنب عبد المنعم في بيان حال والده قائلا :"إنه يتلقى مقدارا صغيرا للغاية من الطعام، حيث لا يكاد يكفي طفلا في العاشرة من العمر. وقد وجد في بعض المرات جرذا داخل زنزانته واضطر لقتله. وقد سمح لنا بزيارته لمرة واحدة فقط دامت لثلاثة دقائق. إنه في حالة صحية يرثى لها، فضلا عن أن الطريقة التي تتم معاملته بها تعرض حياته للخطر".
التعذيب أمر لا بد منه
محمود حسين
في السياق ذاته، يمتلك محمود محمد حسين معرفة مباشرة بتقنيات التعذيب الحالية، وهو شاب يبلغ من العمر 22 سنة، يعتمر قلنسوة فوق رأسه ويرتدي سروال جينز ضيق. وتذكرهكل خطوة يقطعها بالإساءة التي تعرض لها، حيث أن إحدى ساقيه أصبحت ملتوية على نحو سيء. وتجدر الإشارة إلى أن محمود تعرض للاعتقال خلال سنة 2014، وذلك في الذكرى الثالثة للثورة. وكان يبلغ حينها 18 سنة، وقد خرج للاحتفال بهذه المناسبة. وأفاد الشاب أنه تعرض للاحتجاز والاضطهاد بسبب شعار "وطن بلا تعذيب" الذي كتب على قميصه .
لقد تعرضت للصعق بالكهرباء في أماكن حساسة في جسدي
لا يمثل محمود ضحية التعذيب الأولى التي تشاركنا حكايتها
في الوقت الراهن أصبحنا نأمل في أن نمارس حياتنا بشكل طبيعي وأن نبقى على قيد الحياة
لقد تخلصوا من جيل كامل
في وقت لاحق، أكدت منال أن الزيارة كانت سريعة كالمعتاد، حيث أوردت أن "الأمر يبدو قاسيا جدا على خالد خاصة وأن لقاءه مع والده لا يستغرق سوى وقت وجيز. في هذا السجن، يجب علينا أن نقول كل شيء في غضون 60 دقيقة".
في الواقع، اشتهرت عائلة علاء بمواقفها المناهضة للنظام المصري. ولعل الأمر المثير للاهتمام هو أن والده هو المحامي والحقوقي الشهير، أحمد سيف الإسلام. فعندما كان هذا المحامي الشهير على فراش الموت سنة 2014، كان أبناه علاء وسناء قابعين خلف قضبان السجن. وعند وفاة والدهما، لم يتسن لعلاء وشقيقته سوى حضور مراسم دفنه، أما والدتهما فهي ليلى سويف التي كانت طيلة عقود ناشطة.
عند وصولنا إلى البيت، كانت عائلة علاء الموسعة مجتمعة على طاولة العشاء في شقتها المليئة بالكتب. كانت ليلى، وهي مدرسة رياضيات ذات شعر رمادي اللون، منشغلة داخل المطبخ بتحضير السلطة وقلي بعض الشرائح الرقيقة من البسطرمة، وهي عبارة عن شرائح من لحم البقر المتبل الذي يعد الطبق المفضل بالنسبة للمصريين.
في غرفة الطعام، تجتمع مختلف الأجيال حول الطاولة. وأثناء تناول الطعام، كان أفراد العائلة يتجاذبون أطراف الحديث بأصوات عالية. وكان محور الحديث يتراوح بين مسائل تاريخية ومواضيع ساخرة. ولعل ما ينغص عليهم هذا الجو الهادئ هي المساحة الفارغة على الطاولة. في الأثناء، صرحت خالة علاء، أهداف سويف، قائلة "نحن آسفون، نحن نشعر بالحزن، لكنني أعتقد أن الغضب سيؤتي ثماره".
إثر ذلك، استدركت هذه المرأة قائلة إن حال أسرتها أفضل من الأسر التي يواجه أبناؤها أحكاما بالسجن المؤبد أو تعرضوا للاختفاء القسري أو القتل. كانت أهداف امرأة مفعمة بالحيوية وطليقة اللسان، أما شعرها فكان طويلا وأسود اللون، كما أنها كانت ترتدي نظارات ذات إطار أسود. وخلال حديثها، كانت أهداف تنتقي كلماتها بعناية تماما مثل الروائي.
لم أر قط نظاما يستخف بقيمة الحياة مثل نظام السيسي
في سياق متصل، حدثتنا عن ابن أختها بعينين دامعتين، "كان بإمكان علاء أن يصبح شخصا مذهلا بفضل فكره النير ومهاراته. ولعل هذا هو يفسر اختطافه. إنهم يريدون إبعاده عن الواجهة". لقد تخلصوا من جيل كامل، وفقا لما جاء على لسان منى، وهي شقيقة علاء البالغة من العمر 31 سنة، التي كانت شبيهة بأخيها من حيث الشعر المجعد والالتزام الثوري.
لعل الأمر المثير للاستغراب أن عددا لا يحصى من أصدقاء منى يقبعون في السجن. وحيال هذه المسألة، أوضحت هذه الشابة المصرية أن مصر تنزف دما في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. كما أكدت "لم أر قط نظاما يستخف بقيمة الحياة مثل نظام السيسي".
شددت منى على أن حالات الاختفاء وأحكام الإعدام والتعذيب أصبحت من الأخبار المتداولة بشكل يومي في مصر، مضيفة أنه "لا يزال الأشخاص، الذين يلتزمون الصمت ويحاولون الابتعاد عن الشأن السياسي، ملقين في السجن أو رهن الاعتقال التعسفي". كما أردفت أن المصريين أصبحوا مخدرين ومنهكي القوى وفي حالة هلع، وهو ما دفعهم لعدم الخروج للشارع. "فخوفنا من نظام لا يتوانى عن القتل أمر مفهوم".
عندما ُيطلق سراح علاء في شهر آذار/ مارس المقبل بعد قضاء خمس سنوات من السجن، سيخضع للرقابة لمدة خمس سنوات إضافية، الأمر الذي يعد بمثابة شكل من أشكال السجن. علاوة على ذلك، قد يكون مطالبا بقضاء كل ليلة في قسم الشرطة المحلي، مع العلم أن ذلك يعد مصير الكثير من النشطاء الآخرين.
اقرأ أيضا: الرئاسة المصرية ترد على تقرير "بي بي سي" بشأن الانتهاكات
سنة 2014، التقيت بعلاء عبد الفتاح في شقة أمه قبل إدانته. في ذلك الوقت، كان هذا الشاب في حالة سراح مشروط. وعند التقائنا به، كان يتجاذب أطراف الحديث مع خالته وهما يرتشفان الشاي، أما محور الحديث فكان يتراوح بين النظريات الرياضية والقضايا السياسية. وخلال حديثنا معه، بدا هذا الشاب الثوري منشغلا بتدهور الأوضاع في بلده بعد الثورة.
في هذا السياق، صرح علاء قائلا "عند مواجهة مبارك، كان الأمل أمرا ممكنا وملموسا. في ذلك الوقت، كان كل الثوار يشعرون بأن نضالهم سيؤتي أكله، فخاطروا بحياتهم دون يأس. أما في الوقت الراهن، فقد تبدد الأمل".
كان والد علاء الراحل يخشى أن يكون مصير ابنه السجن. وعندما سألت علاء عن مصير ابنه، أجابني قائلا "بالتأكيد، سيكون مصير ابني زنزانة السجن. ولا أستطيع أن أضمن أن لا يتعرض للقتل أو التعذيب أو المضايقات من قبل الشرطة. وعموما، لا أستطيع أن أقدم لابني أي شيء ما لم يتغير وضع البلاد".
ميدان الثورة
في الوقت الراهن، يقصد أغلب الناس ميدان التحرير لالتقاط صور سيلفي، فضلا عن أنه يعتبر بمثابة وجهة سياحية بالنسبة للزوار الأجانب تماما مثل الأهرامات والمتحف المصري في القاهرة، الذي لا يبعد سوى بعض الدقائق عن الميدان. كما يعد هذا الميدان قبلة للمصريين من مختلف الفئات من العشاق المهذبين إلى المراهقين الرعناء، الذين يخيرون الوقوف أمام النصب التذكاري الكبير، الذي يعلوه العلم المصري، أو الجلوس لبعض الوقت على المدرجات.
في تلك الفترة، غزت الحشود ميدان التحرير متحدية الرئيس حسني مبارك، الذي كان يحكم البلاد بقبضة حديدية، وبعد 18 يوما مليئة بالشغب والمواجهات، رحل الحاكم القوي للدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان
في حقيقة الأمر، يقصد المصريون هذا الميدان لاسترجاع ذكرياتهم وليس لرفع الأعلام والشعارات. أما النصب التذكاري، فقد كان خاليا من الثوار وضحايا النضال من أجل الحرية في مصر. باختصار شديد، كان الميدان خاليا من كل المؤشرات الدالة على أن هذا المكان كان مسرحا للثوار. لا توجد أي علامات تدل على أن هذا المكان كان مهد الثورة. فمنذ فترة طويلة، تم إجراء تغييرات على هذا الميدان الذي كان مكتظا بالثوار وأعوان المرور (الذين يرتدون أزياء رسمية وأولئك الذين يرتدون أزياء مدنية) في يوم من الأيام.
ميدان التحرير لن يشهد ثورة أخرى
في حال أراد المصريون التمرد على النظام الحالي، فإن ميدان التحرير لن يشهد ثورة أخرى. ففي شهر كانون الثاني/ يناير من سنة 2011، التقى المصريون في هذا الميدان للمطالبة بتغيير النظام، لتكون محطة انطلاق لما يسمى بالربيع العربي. وفي وقت لاحق، تبين أن الربيع العربي لم يكن ربيعا بأتم معنى الكلمة.
في تلك الفترة، غزت الحشود ميدان التحرير متحدية الرئيس حسني مبارك، الذي كان يحكم البلاد بقبضة حديدية، وبعد 18 يوما مليئة بالشغب والمواجهات، رحل الحاكم القوي للدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان، ليمثل ذلك نهاية لثلاثين سنة من الحكم الدكتاتوري، أو على الأقل هذا ما كان يأمله الشعب المصري.
سرعان ما وجد مبارك نفسه وراء القضبان، في مواجهة اتهامات من بينها المشاركة في قتل المتظاهرين. وفي حزيران/ يونيو من سنة 2012، خلفه في سدة الحكم الرئيس الإسلامي محمد مرسي، الذي كان يعتبر من أبرز قيادات الإخوان المسلمين.
لقد كان هذا الرئيس أول حاكم منتخب ديمقراطيا في مصر، لكنه أثبت عدم كفاءته. وقد تسبب هو والإخوان المسلمين في حدوث انقسامات عميقة في صلب المجتمع المصري، وبعد سنة واحدة عاد المحتجون للشوارع بالملايين، مطالبين برحيل مرسي. وفي تموز/ يوليو من سنة 2013، أطيح بمرسي في انقلاب عسكري استند حينها إلى دعم شعبي، وتم أيضا إيداع مرسي وراء القضبان. وقد قاد هذا الانقلاب قائد الجيش المصري، الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي كان يبدو ظاهريا شخصا متدينا، وهادئا في حديثه، ولبرهة كان يتمتع بشعبية كبيرة.
خلال أربع سنوات من عملي كمراسلة لشبكة البي بي سي من مصر، كنت شاهدةً على تعرض المتظاهرين الليبراليين وغير المسلحين للسجن لمدة سنوات.
في آب/ أغسطس من سنة 2013، أشرف السيسي على عملية شنتها الأجهزة الأمنية ضد اعتصام مساند لمحمد مرسي في القاهرة. وقد أسفر ذلك عن مقتل ما لا يقل عن 800 شخص في مسجد رابعة العدوية، حسب منظمة هيومن رايتس ووتش، التي وصفت الأمر بأنه "إحدى أكبر عمليات قتل المتظاهرين التي ترتكب في يوم واحد خلال التاريخ الحديث".
إنشاء 17 سجنا جديدا في عهد السيسي
في وقت لاحق، تم ترقية الجنرال السيسي إلى رتبة فريق، ثم ذهب نحو الفوز بالانتخابات الرئاسية سنة 2014، وقد كان فوزا بنسبة ساحقة، ولكن في ظل نسبة مشاركة شعبية ضعيفة. في المقابل، يتهم المعارضون هذا الرجل العسكري القوي في مصر بأنه شن حملة غير مسبوقة على حقوق الإنسان في بلاده.
خلال أربع سنوات من عملي كمراسلة لشبكة البي بي سي من مصر، كنت شاهدةً على توجيه الأجهزة الأمنية المصرية لفوهات المسدسات نحو المتظاهرين السلميين. وقد حدث ذلك في ذكرى الثورة سنة 2014، إذ أنه حال وصولنا إلى موقع مظاهرة سلمية، تقدم عناصر الشرطة المدججين بالأسلحة، وهم يرتدون أقنعة لإخفاء وجوههم. ودون إصدار أي تحذير، شرعوا في إطلاق النار في اتجاه الحشد.
إلى جانب هذه الواقعة، كنت أيضا شاهدة على تعرض المتظاهرين الليبراليين وغير المسلحين للسجن لمدة سنوات. وقد عملت على تغطية المحاكمات الجماعية للإسلاميين، التي تضمنت إصدار أحكام جماعية بالإعدام لحوالي 700 رجل، بعد جلسة استماع لم تدم أكثر من ساعات. كما تعرضت أنا وزملائي في شبكة البي بي سي للمضايقات في الشوارع، من قبل قوات الأمن المصرية. وفي إحدى المناسبات هددنا ضابط شرطة بإطلاق النار علينا إذا لم نتوقف عن التصوير.
في حادثة أخرى، اعتقلنا بسبب تصويرنا مقابلة صحفية مع امرأة تعرض زوجها للقتل في أحداث مسجد رابعة. وبعد ساعات قليلة قضيناها في قسم الشرطة، تم الإفراج عنا وإطلاق سراح المرأة التي أجرينا معها المقابلة. وكان ذلك نموذجا بسيطا من سلسلة طويلة من الإجراءات القمعية السائدة هنا في مصر.
كما تتعرض حرية الصحافة لهجمة شرسة، فقد صنفت مصر ضمن أكثر ثلاث دول في العالم تسجن الصحفيين. وبالتالي، يعتبر كل شخص يتجرأ على تحدي الرواية الرسمية، عرضة للاعتقال بتهمة "نشر أخبار زائفة"، كما تم حظر المئات من المواقع الإلكترونية، من بينها مواقع إخبارية مستقلة. لكن هذه ليست مصر الجديدة، التي كان الكثيرون يحلمون بها عندما ملؤوا ميدان التحرير.
تعقيب الحكومة
حاولنا الحصول على تعقيب من الحكومة حول الاتهامات الموجهة لها، بشأن ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، والرد على الروايات التي قمنا بجمعها حول الاختفاء القسري، والتعذيب على يد أجهزة الأمن. وفي هذا الصدد، اتصلنا بوزارة الداخلية، ووزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات، ولكن لم يعبر أي طرف منها عن استعداده لإجراء مقابلة صحفية.
في الماضي، كان المسؤولون ينفون وجود حالات اختفاء قسري أو انتشار انتهاكات حقوق الإنسان. كما أخبروني أنه لا توجد عمليات تعذيب ممنهج، ولكن أحيانا "ترتكب الأخطاء"، وتقع معاقبة أفراد الشرطة المسؤولين عنها. ويبدو أن الرئيس السيسي ينظر إلى الجغرافيا على أنها ذريعة يمكن استخدامها، حيث قال في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، "عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، نحن لسنا في أوروبا، بل في منطقة مختلفة تماما". كما ادعى أيضا أن المعلومات التي تنشرها المنظمات الحقوقية لا يمكن الوثوق بها.
يشعر الكثير من المصريين بالقلق من ارتفاع الأسعار أكثر من الاضطهاد
بمجرد الخروج في جولة هنا، عبر أفران الخبز وعربات الشاي والمقاهي المليئة بالشيشة، يمكنك سماع صوت التذمر والشكاوى؛ فهناك حالة تململ من الأرصفة المليئة بالحفر، والارتفاع الصاروخي في معدلات التضخم التي بلغت حوالي 17 بالمائة في كانون الثاني/ يناير، ولكنك لن تسمع أي تذمر حول غياب الإصلاحات الديمقراطية.
في مصر، يشعر الكثير من المصريين بالقلق من ارتفاع الأسعار أكثر من الاضطهاد، فيما يشعر آخرون بالرضا عن حالة الاستقرار النسبي تحت حكم زعيمهم المتصلب، خاصة في ظل الهجمات والتفجيرات التي ينفذها الفرع المحلي لتنظيم الدولة، الموجود في شبه جزيرة سيناء. ولا يزال الرئيس السيسي يتمتع بقدر من الدعم، ولكن البعض ممن صوتوا له في المرة الماضية ندموا الآن على اختيارهم، وباتوا يقولون على موقع فيسبوك: "أنا آسف، لقد انتخبت دكتاتورا". أما بالنسبة للمجتمع الدولي، يتعمد الكثيرين تجاهل سجل حقوق الإنسان في عهد هذا الرئيس، لأنهم ينظرون إليه على أنه شريك مهم في الحرب على التطرف.
قبل انتخاب الجنرال السيسي رئيسا لمصر، سألت أحد النشطاء الليبراليين حول توقعاته، فقال لي: "سوف يكون النسخة المصرية من بينوشيه، وسوف يبني الكثير من السجون الجديدة"، في إشارة منه إلى الجنرال أوغستو بينوشيه الذي تحول إلى دكتاتور في دولة الشيلي.
في آخر إحصاء، أعلن الناشطون الحقوقيون في حملات حقوق الإنسان، عن إنشاء 17 سجنا جديدا في عهد السيسي. وترجح الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي منظمة مقرها مصر، أنه يوجد اليوم حوالي 60 ألف سجين سياسي في السجون المصرية.
لا منافسة
تتدفق روح الدعابة في دم الشعب المصري تماما مثل نهر النيل، وهي مختلطة بالحمض النووي لهذه الأمة العظيمة التي عانت كثيرا وصبرت كثيرا. والآن باتت الانتخابات المقبلة مادة دسمة لهذه الدعابة. سألني أحد الأصدقاء: "هل سمعت آخر نكتة؟ لقد انسحبت انتخابات الرئاسة من الانتخابات الرئاسية"، إذ أن عملية الاقتراع التي ستجرى بين 26 و28 آذار/ مارس المقبل، بات الشعب يعتبرها منافسة بين السيسي وظله.
اقرأ أيضا: 14 منظمة دولية: انتخابات الرئاسة بمصر ليست حرة ولا نزيهة
في الواقع، تم استبعاد كل المنافسين الجادين، أو اعتقالهم، أو اضطروا للانسحاب من السباق الرئاسي. وعندما أعلن قائد الأركان السابق في الجيش المصري، سامي عنان، عن ترشحه، تعرض للاعتقال في وقت وجيز، حيث وجهت إليه اتهامات بالترشح للمنصب الرئاسي دون أخذ إذن الجيش. ومن أبرز مساعدي عنان، هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، الذي كان بدوره ضحية اعتداء بدني تسبب له في جروح بليغة، الذي تعرض له أثناء تواجده أمام منزله. وقد أكدت عائلته أن تلك كانت محاولة لقتله، ثم تعرض هو أيضا للاعتقال.
السيسي لا يلقي بالا لمنتقديه، على الرغم من تزايدهم
أما الآن، بات السيسي في مواجهة منافس واحد في هذه الانتخابات، وهو سياسي غير معروف، يدعى موسى مصطفى موسى. وينفي هذا الرجل أنه يحاول لعب دور الكومبارس لإضفاء الشرعية على النظام، على الرغم من أنه معروف لدى الجميع بكونه من مساندي السيسي. وفي حين يتجه الرئيس المصري نحو انتصار مضمون، يشير المعارضون إلى أن شرعيته سوف تكون ضعيفة جدا. فقد أعلنت 14 منظمة حقوقية، دولية ومحلية، أن هذه الانتخابات هي "مجرد مهزلة"، فيما دعا قادة المعارضة المصرية إلى مقاطعتها.
لكن، لا يبدو أن الرئيس يلقي بالا لمنتقديه، على الرغم من تزايدهم. فهو مصر على أنه لن يرحل بنفس الطريقة التي رحل بها حسني مبارك، حيث قال مؤخرا: "احذروا، فما حدث قبل سبع أو ثماني سنوات لن يتكرر مجددا".
ترزح مصر حاليا تحت وطأة انعدام الاستقرار في الجوار الليبي، ومواجهة عدو عنيد (مقاتلو تنظيم الدولة في شمال سيناء). لذلك، يقدم الرئيس المصري نفسه على أنه صمام الأمان في مواجهة الفوضى. كما يدعي بأنه يخوض حربا ضد الإرهاب، إلا أن المنظمات الحقوقية ترى في المقابل أنه يستخدم هذه الشعارات ذريعة لشن حربه الحقيقية على المعارضين. وعوضا عن إنشاء ديمقراطية جديدة ونشطة في قلب العالم العربي، يبدو أن ما حصل في مصر هو عودة إلى الحالة السابقة التي كان يخيم عليها الخوف.
خلال السنوات الأخيرة، تشدقت السلطات في القاهرة باقتناعها بالحاجة للقطع مع الممارسات القديمة، وتظاهرت باحترام الحقوق الفردية. ولكن الآن، لا يبدو أن الحكومة تواصل التخفي وراء هذا القناع، بل تخلت عنه نهائيا، وهي إستراتيجية مليئة بالمخاطر. في هذا السياق، قال الناشط الحقوقي المخضرم محمد لطفي، "إنهم يعتقدون أنهم من خلال القمع والقوانين المتشددة، يمكنهم الوصول لمبتغاهم، وهو البقاء في السلطة. ولكن هذا في الواقع يدفع الناس لتبني مواقف أكثر تطرفا ضد النظام الحاكم".
قبل مغادرة مصر في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير، ذهبت لزيارة تخوم القاهرة والقيام بجولة أخيرة في نهر النيل. خلال هذه الزيارة، مررت براعي أغنام منشغل بالعناية بقطيعه، داخل مكان مسيج بأشجار النخيل. وكان ابنه الصغير يرتدي جلابية طويلة تقليدية، ووقف يحمل بين ذراعيه حملا صغيرا، عوضا عن الهاتف الذكي. لقد بدا هذا المشهد كما لو أنه يعود لقرون خلت. ولكن في هذا البلد البالغ تعداد سكانه 100 مليون نسمة، الذي يزخر بشباب يتمتع بالكثير بالطاقات، تبدو الأمور هنا كأنها لا تزال عالقة في الماضي.
ركبت العبّارة إلى جانب عدد من المسافرين الآخرين، ومعهم سياراتهم ودراجاتهم وعرباتهم. وكان وجود زائر أجنبي بينهم يمثل مفاجأة لهم، حيث بات هذا الأمر شيئا نادرا في الوضع الحالي.
في تلك الأثناء، وضع أحد باعة الخضار بعض حبات الكرز الحلوة في يدي، فيما سألني قائد العبّارة عما إذا كنت أريد التقاط صور من غرفة القيادة التي تقع في الأعلى. لقد كان هذا جزءًا من مصر التي سأشتاق إليها، إنهم الناس الذين يتميزون بطيبة قلوبهم، والفوضى وثراء الروح. لقد جئت من هناك في رحلة دامت أربع ساعات، وفي رأسي الكثير من الأسئلة: ما الذي سيحدث إذا كانت مصر عاجزة عن شق طريقها نحو الديمقراطية الحقيقية؟ كم سجنا سيملؤه النظام الحاكم؟ وكم سيستغرق الأمر قبل أن يرتد كل هذا القمع على أصحابه.
نقلا عن "نون بوست"
هل يجدي إنكار برلمان السيسي الاختفاء القسري والاعتقال
ابتسم البلتاجي فوجه له القاضي تهمة إهانة المحكمة
حبس أبو الفتوح 15 يومًا.. والنيابه توجه له هذه الاتهامات