رصد معهد "تشاتام هاوس" البريطاني، في تقرير حديث، انتعاش التجارة غير الشرعية، منها تهريب السلع والبشر وتجارة
السلاح والمخدرات، في ظل ضعف الدولة الليبية.
وفيما يلي أبرز أشكال التهريب والفوضى، التي تشهدها
ليبيا منذ 2011، وفق المعهد المعروف رسميا باسم "المعهد الملكي للشؤون الدولية".
سلع
مارس الزعيم الليبي الراحل، معمر
القذافي، (1969 - 2011) درجة من السيطرة على التهريب، لكن سقوط نظامه أطلق تنافسا بين جماعات محلية للسيطرة على طرق التهريب لجني المال.
التنافس، أشعل صراعات في أنحاء ليبيا، حيث يتناحر أفراد وشبكات ومجتمعات محلية عرقية وقبلية ومدينة، على أسبقية في سوق غير شرعية نشطة.
منذ 2011، تطورت طرق التهريب عبر الصحراء، فلم تعد قاصرة على الممرات التجارية غير الرسمية للسلع المهربة، بل شملت أيضا قنوات لتهريب الأسلحة والمخدرات والوقود والسجائر المزيفة، وكذلك تهريب البشر.
في المناطق الحدودية، كان تهريب السلع المدعمة، كالوقود والأرز والمواد الغذائية الأخرى، عنصرا حاسما في الحياة الاقتصادية للبلاد.
وأدى انتشار الأسلحة والجماعات المسلحة إلى تغيير تركيبة قطاع التهريب، ما أجبر مهربين قدامى على الابتعاد مع قدوم عناصر جديدة.
تهريب البشر
خلال حكم القذافي، كان يتم السماح بتهريب البشر، عبر البحر المتوسط، بأعداد محدودة، لتقديم حوافز للحلفاء المحليين للنظام، وممارسة نفوذ سياسي على الدول الأوروبية، عبر العمل كصمام للسيطرة على تدفقات المهاجرين.
لكن بعد ثورة 2011، توقفت القيود القديمة، ومنذ 2013 شهدت ليبيا زيادة كبيرة في تهريب المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.
أصبحت ليبيا نقطة الانطلاق الرئيسة للهجرة إلى أوروبا على طول المتوسط، ففي 2012 استخدم حوالي 15 ألف مهاجر هذا الطريق، وارتفع العدد إلى أكثر من 163 ألفا، عام 2016.
ويمثل هذا العدد نسبة صغيرة نسبيا من العدد الکلي للمھاجرين غير الشرعيين بليبيا، الذين تقدرهم المنظمة الدولية للهجرة بين 700 ألف ومليون.
وترجح تقديرات غير رسمية أن تهريب البشر في ليبيا جلب لأصحابه حوالي 978 مليون دولار، عام 2016، أي 3.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لليبيا في 2015.
وتختلف العلاقة بين المهربين والجماعات المسلحة تبعا للموقع، ففي الجنوب يبدو أن المهربين يستفيدون من روابطهم المحلية العرقية والقبلية والعائلية، لضمان التنقل بالمناطق "المألوفة لهم".
وبمجرد وصولهم إلى مناطق توجد بها عوائق، ينقلون المهاجرين إلى مهربين آخرين، مع تأمين الاتصالات اللازمة.
وتنفذ جماعات من قبائل "التبو" و"الطوارق" عمليات تهريب بهذه الطريقة اللامركزية.
وفي الجنوب الغربي، يبدو أن مدينة "سبها" هي أكثر نقاط الانتقال شيوعا بين المهربين، الذين يتعاملون مع تدفقات المهاجرين عبر الحدود من الدول المجاورة، وينتقلون ويسهلون حركة المهاجرين إلى الساحل.
وفي شمالي سبها، والمدن الساحلية الشمالية خاصة، كثيرا ما تشارك الجماعات المسلحة مباشرة في التهريب، فمن الصعب إدارة عمليات في هذه المناطق دون دفع "إتاوات" لتلك الجماعات.
وفي هذه المواقع، تتحكم الجماعات المسلحة في المناطق القريبة من الساحل، وتحمي نقاط انطلاق القوارب.
وتمثل مدينة "الزاوية" (شمال غرب)، وهي إحدى النقاط الأساسية للمهاجرين إلى أوروبا، مثالا على ذلك النفوذ، ونافذة على طريقة عمل اقتصاد الحرب.
ويقع فرع إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية في "الزاوية" تحت سيطرة مليشيا تدعى "لواء النصر"، ويقع مقر المليشيا في مركز الاحتجاز الحكومي نفسه.
وورد أن قائد خفر السواحل بـ"الزاوية"، عبد الرحمن ميلاد، على صلة وثيقة بأحد قادة "لواء النصر"، ويدعى محمد الخُشلاف.
سرقة الوقود
في كانون الثاني/ يناير 2017، أفاد مكتب التحقيقات الخاص بالمدعي العام الليبي بأن تهريب الوقود كلف البلاد خمسة مليارات دينار (3.6 مليارات دولار)، دون تحديد فترة زمنية.
وأفاد تقرير رسمي تم تسريبه، بأن الدولة تسلمت حوالي 15 بالمئة فقط من الدخل المتوقع من الضرائب على منتجات الوقود المكرر الموزَّع محليا، بين كانون الثاني/ يناير وتشرين الثاني/ نوفمبر 2017.
كما يعتقد مكتب التدقيق الليبي أن حوالي 30 بالمئة من الوقود المدعوم يتم تهريبه، ويرجح أن الدولة خسرت نحو 1.8 مليار دولار سنويا على مدى السنوات الخمس الماضية.
ويتم تهريب الوقود بثلاث طرق رئيسية: التهريب البري عبر الحدود لكميات صغيرة، وتحويل إمدادات الوقود داخل البلاد بشكل غير قانوني، ليتم بيعها بأسعار السوق السوداء، بدلا من الأسعار المدعومة، والتهريب البحري لكميات كبيرة.
والأكثر شيوعا هو عبور مجموعة صغيرة نسبيا من المهرّبين الحدود التونسية، باستخدام سيارات معدلة وعربات صغيرة مزودة بخزانات وقود كبيرة الحجم أو سلسلة من الدِلاء البلاستيكية الصغيرة.
تجارة السلاح
ما تزال ليبيا منذ سنوات، سوقا ونقطة عبور للأسلحة من غربي إفريقيا إلى شرقها.
وثبت أن مخزونات أسلحة القذافي استخدمت بكثافة في العنف الذي مارسه "الطوارق" والجماعات المسلحة في مالي، عام 2012.
كما دعمت هذه المخزونات الجهات المسلحة في جميع أنحاء منطقة الساحل بمعدات عسكرية، تضمنت أسلحة صغيرة وأنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف.
وتم الكشف عن أسلحة مهربة من ليبيا في ساحة الحرب السورية، إذ يعتقد بوصول أسلحة إلى تنظيم "داعش".
كما ينقل متمردو إقليم دارفور (غربي السودان) أسلحة ثقيلة، كالأسلحة المضادة للطائرات والمدافع المضادة للدبابات، من ليبيا إلى دارفور.
ومن المرجح أن جهود منع التهريب لعبت دورا في الحد من هذه التدفقات، منذ 2014، لكن ذلك جاء بالتزامن مع تزايد الطلب المحلي على الأسلحة في ليبيا، بجانب ارتفاع وتيرة الصراع الداخلي.
منذ 2011، تم استخدام أساليب معقدة، تضم شبكات إجرامية دولية ودول أجنبية، لنقل الأسلحة، خاصة عالية التقنية، إلى العناصر الليبية، ما يعد انتهاكا لحظر الأسلحة، الذي تفرضه الأمم المتحدة.
ورصد فريق خبراء أممي، عام 2017، "المساعدة المادية والمباشرة التي قدمتها الإمارات إلى الجيش الوطني الليبي، بقيادة خليفة حفتر، دعما لمحاولات الأخير تطوير قواته الجوية".
كما يزعم مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، مؤخرا، نقلا عن مصادر مخابراتية لم تسمها، أن مصر وروسيا باعتا أيضا أسلحة إلى حفتر.
انتشار المخدرات
يُعتقد أن تهريب وتعاطي المخدرات زاد منذ 2011، إذ تفيد دراسات متاحة بأن ليبيا تمثل سوقا نشطة لتهريب وتجارة مخدر الحشيش، ونقطة عبور للهيروين والكوكايين والميثامفيتامين (الميث).
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، تم ضبط أكثر من 18 مليون حبة من مادة الأراميد الأفيونية بميناء بنغازي (شمال شرق).
وتفيد تقارير بأنه منذ 2011 زاد استخدام العقاقير المخدرة، خاصة مسكنات الألم، التي تصرف بوصفة طبية، مثل الترامادول.
الخطف مقابل الفدية
يعد الخطف من أجل الفدية أمرا شائعا؛ بسبب فشل الدولة في توفير الأمن.
ولا توجد إحصاءات حديثة، لكن بين فبراير/ شباط 2014 وأبريل/ نيسان 2015، تم الإبلاغ عن فقدان أكثر من 600 شخص.
واختفي 676 شخصا في (العاصمة) طرابلس وحدها، عام 2017، عاد منهم 100 فقط، بحلول نهاية ذلك العام.
وذكرت تقارير أنه في إحدى الحالات بمدينة صبراتة (شمال غرب)، عام 2016، تلقى مسلحون فدية 2 مليون دينار (1.4 مليون دولار).