تبدأ السلطة عادة من أعلى، ويبدأ التغيير دائما من أسفل.. تبدأ السياسات من قرارات الرئيس والبرلمان والوزير والمحافظ، ويبدأ التغيير من الثقافة والتعليم والإعلام والمجتمع المدني. تستطيع السياسة أن تفرض تغييرات وقوانين لحظية باستخدام القوة، لكنها لا تضمن لها الاستمرارية. وفي مصر كانت المعادلة مستقرة لأمد لطويل: الإسلاميون وحلفاؤهم يعملون من أسفل، والعسكر وحلفاؤهم يعملون من أعلى.. لم يكن واردا أن تتبدل المعادلة في المدى القصير أو المتوسط، حتى زلزلت الأرض زلزالها في كانون الثاني/ يناير 2011.
في غضون أشهر قليلة اتخذ الإسلاميون وحلفاؤهم في مصر الطريق إلى أعلى الهرم، لا فرق إن فعلوا ذلك مجبرين أم مختارين، فالنتيجة واحدة.. واتجه العسكر تدريجا إلى أسفل؛ يبحثون عن تحالفات مع المثقفين والأذرع الإعلامية والرموز الاجتماعية. فعلوا ذلك قطعا تحت إجبار شارع غاضب ومحيط عالمي مضطرب وموقف سياسي وأمني مهزوز.. أصبح الهرم التقليدي في مصر مقلوبا.
أنفذت الدولة العميقة الإسلاميين من دهاليزها، بينما استرخى العسكر وسخَّر كل إمكانياتهم في بناء تحالفات نخبوية وإعلامية سريعة، حتى وصلنا للنقطة الصفرية التي حدث فيها تغيير غير دستوري في البلاد ليس له سوى تعريف واحد: انقلاب
حينما تتغير الأدوار تتغير الأولويات ويتغير الخطاب السياسي. وفي الظروف العادية، فإن هذا مقبولا في بيئة سياسية صحية يتعلم الجميع فيها من أخطائه ويعتاد على طبيعة دوره الجديد، لكن حينما يتم في لحظات مفصلية فارقة، فإنه ينشئ وضعا هشا قابلا للكسر في أي لحظة. من ملامح هذا الوضع الهش، أن كثيرين من كل الاتجاهات رأوا في جلوس اللواءات وأركان الحرب مع المثقفين والفنانين تواضعا واقترابا من المجتمع، وتعلما من دروس الماضي، ولم يكن الأمر كذلك. في الوقت نفسه، رأى كثيرون من كافة المشارب أن وجود الإسلاميين المظلومين الخارجين لتوهم من السجون في مواقع المسؤولية السياسية والإدارية في البلاد على اختلاف مستوياتها؛ انتهازية وتحول غير طبيعي، ولم يكن كذلك أيضا. أنفذت الدولة العميقة الإسلاميين من دهاليزها، بينما استرخى العسكر وسخَّر كل إمكانياتهم في بناء تحالفات نخبوية وإعلامية سريعة، حتى وصلنا للنقطة الصفرية التي حدث فيها تغيير غير دستوري في البلاد ليس له سوى تعريف واحد: انقلاب.
وبدلا من اللوم المستمر لمن شرعنوا الحدث من القوى السياسية المختلفة، أو لوم الإسلاميين الذين لم ينجحوا في كبح جماح هؤلاء وأولئك، ثمة طريق ثالث يستهدف إنهاء الانقسام ذاته
بعد خمس سنوات من الانقلاب، لم يعد العسكر كما كانوا، ولم يعد الإسلاميون كما كانوا، ولم يعد الشعب المصري كما كان
بل بدأ الانقلاب يوم تنحى مبارك
إعلام "فرعون".. والإخوان.. وانقلاب 3 يوليو