تفرز
التحولات السياسية الكبرى حركات سياسية كبرى؛ هي حصاد المرحلة والجسر الذي تعبر به
الشعوب والجماهير إلى المستقبل بعد أن تأتي الحروب الكبرى على أركان الماضي. وهذا
ما حدث في
لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 الذي أتى وسط حرب أهلية قاسية،
بقيت حركة أمل وولد من رحمها
حزب الله.
بقي
حزب الله على الساحة نحو أربعة عقود، ثلاثة منها تحت قيادة أمينه العام الراحل
السيد حسن
نصر الله. قاد الحزب خلال هذه الفترة
المقاومة ورفع شعاراتها، وتوارت
معه أية مشاريع مقاومة لبنانية أخرى مثل قوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية
السنية في لبنان. نحت حزب الله نموذجا للمقاومة اللبنانية طبق به الآفاق ونجح على
مدار عقدين في العبور على جسر الطائفية محليا وعربيا وإسلاميا؛ القوميون
والناصريون وجدوا في نصر الله نموذج الزعيم الذي تفتقده الساحة العربية بعد الرئيس
الراحل جمال عبد الناصر، فهو المفوه المقاوم المقدام، والمتدينون تغاضوا عن اختلاف
مذهبه واكتفوا بدائرة الإسلام والمقاومة ليصبح ممثلا للمقاومة العربية والإسلامية
في مواجهة إسرائيل، وكانت صورة السيد بجوار خالد مشعل قديما كفيلة بتأكيد هذا
المعنى.
أتت
رياح الثورات العربية قبل نحو عشر سنوات لتصيب هذه الصورة في مقتل وتصنع شرخا
هائلا، وهو شرخ ليس أقل من شرخ غزو الكويت في مطلع التسعينات، ليطرح الجميع
الأسئلة الصعبة: ما هو الحد الفاصل بين ما هو سياسي وما هو أخلاقي؟ وهل تكفي
مقاومة إسرائيل لغفران أية سياسات عسكرية أخرى ضربت الأخ والشقيق في مقتل؟ ووصلنا
إلى النقطة الفاصلة والطوفان الأكبر يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
في وقت كان يحسب حزب الله حسابات استراتيجية معقدة لا تخرق قواعد الاشتباك، داست إسرائيل على كل القواعد والمعادلات واغتالت رئيس حماس السابق إسماعيل هنية في طهران، قبل أن تلتفت لتركز على لبنان وليسدل الستار على هذه الجولة باغتيال نصر الله
اختطف
وهج رئيس حماس يحيى السنوار الأضواء من السيد حسن نصر الله، واختطفت حركة حماس
زمام المبادرة. بقي حزب الله والمقاومة اللبنانية في دور المساند ورضوا بهذا الدور
مساندة للمقاومة في غزة مع جبهات اليمن والعراق. وفي وقت كان يحسب حزب الله حسابات
استراتيجية معقدة لا تخرق قواعد الاشتباك، داست إسرائيل على كل القواعد والمعادلات
واغتالت رئيس حماس السابق إسماعيل هنية في طهران، قبل أن تلتفت لتركز على لبنان وليسدل
الستار على هذه الجولة باغتيال نصر الله.
أصبح
مصير المقاومة اللبنانية أو ما يمكن أن يسمى حاليا بجبهة إسناد غزة في لبنان في
مهب الريح. هل هي نهاية حزب الله؟ ربما، لكنها غالبا لن تكون نهاية المقاومة
اللبنانية. فمن سيحمل المشعل هذه المرة ومن سيمثل المقاومة؟ لا شك أن البلاد تمر
بأيام صعبة، فهي من جهة تخشى من اجتياح بري يعيد للأذهان اجتياح بيروت 1982، ومن
جهة أخرى لا تملك أوراق ضغط تكبح جماح تل أبيب.
الخيار الإيراني في منطقة نفوذه في لبنان أصبح محدود الموارد، فلبنان ليس العراق من جهة المحاصصات الطائفية والتوازنات الإقليمية والتماس الحدودي المباشر مع إسرائيل وسوريا
سيناريو
التهدئة هو الأقرب من الناحية الواقعية. من الزاوية الإسرائيلية هي لحظة مواتية
لوقف إطلاق النار شمالا وإعادة السكان للشمال، وهو ما يعني هزيمة مرة لحزب الله
والمقاومة بشكل عام في لبنان.
في
هذه اللحظات العصيبة تقف الدولة اللبنانية بكافة مكوناتها وأطيافها منذ اتفاق
الطائف أمام مفترق طرق مصيري، فهي بدون المقاومة وسلاحها بلا غطاء حقيقي في مواجهة
العدوان الإسرائيلي، والجراح قد أثخنت المقاومة بشكل يصعب فيه أن تدعي تمثيلا
وحماية للبنان، على الأقل في الوقت الراهن.
الخيار
الإيراني في منطقة نفوذه في لبنان أصبح محدود الموارد، فلبنان ليس العراق من جهة
المحاصصات الطائفية والتوازنات الإقليمية والتماس الحدودي المباشر مع إسرائيل
وسوريا، وقوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية لا تملك من النفوذ والدعم ما
يؤهلها لترث مكان ومكانة حزب الله بين عشية وضحها. هي اللحظات التاريخية ذاتها
التي يمر بها العالم العربي وتحمل تحولات كبرى على صعيد الدول والحركات وموازين
القوى.
twitter.com/HanyBeshr