قضايا وآراء

سؤال اليوم التالي في العالم العربي

"سؤال اليوم التالي في دول مثل تونس والأردن ولبنان مثلا فهو مفتوح على احتمالات عديدة"- عربي21
ترسم الدول والمجتمعات الخطوط العريضة لسنواتها القادمة وفق تقديرات سياسية واقتصادية واجتماعية على شكل خطط خمسية وعشرية ومضاعفاتها من الأرقام، لكن الغريب أن يقوم بذلك المحتل كما تفعل إسرائيل التي تطرح سؤال اليوم التالي في غزة. والأغرب أن يصير هذا التخطيط هو حديث العالم العربي الذي لا تعرف كثير من الدول العربية فيه ما هي خطط اليوم التالي فيها أصلا. وهو سؤال لم يجد فرصته في الطرح وتقديم الحلول والبدائل على صعيد أكثر من بلد عربي، وهو أولى بالالتفات إليه على صعيد الدول العربية أكثر من طرحه على أهل غزة الذي ينزفون تحت وطأة حصار غاشم لا يرحم؛ لأن سؤال اليوم التالي في غزة لا محل له من الإعراب فلسطينيا سوى وفقا لقواعد اللغة الإسرائيلية الفاسدة، وإجابته تنطوي على خيارات صراعية وعدائية أكثر منها حلول تهم أهل غزة ورفعا لمعاناتهم.

على عكس ما هو متوقع، تبدو سيناريوهات اليوم التالي في غزة محصورة في عدة خيارات شبه معروفة، أما سؤال اليوم التالي في دول مثل تونس والأردن ولبنان مثلا فهو مفتوح على احتمالات عديدة، يمكن فتح القوس ووضع عدد لا نهائي من الاحتمالات، ومع ذلك لا يحظى سؤال اليوم التالي بالأهمية ذاتها الذي يحظى بها في سياق العدوان الإسرائيلي الحالي
على عكس ما هو متوقع، تبدو سيناريوهات اليوم التالي في غزة محصورة في عدة خيارات شبه معروفة، أما سؤال اليوم التالي في دول مثل تونس والأردن ولبنان مثلا فهو مفتوح على احتمالات عديدة، يمكن فتح القوس ووضع عدد لا نهائي من الاحتمالات، ومع ذلك لا يحظى سؤال اليوم التالي بالأهمية ذاتها الذي يحظى بها في سياق العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة
على غزة مع كل الاعتبار لسياق شلال الدم الهادر والمعاناة الهائلة لإخوتنا في فلسطين. ولكن سؤال اليوم التالي لم يطرحه الفلسطينيون، ولكن من يطرحه هو الاحتلال، والأجدر به أن يوجه للسياق العربي المحيط وليس إلى غزة.

فإذا بدأنا من المغرب العربي، نجد أن الساحة التونسية تراوح مكانها في ظل انتخابات رئاسية مشوبة بمعارك قانونية وقضائية وإقصاء لمرشحين، زاد من حدتها مظاهرات عارمة تزداد اشتعالا وقت كتابة هذا المقال. اليوم التالي في تونس البلد الذي أشعل شرارة الثورات العربية؛ مفتوح على احتمالات عديدة، فخلال أكثر من عشر سنوات، فشلت معادلة توافق الإسلاميين والعلمانيين وفشل مشروع الرئيس الفرد الأوحد. وتمضي البلاد قدما في واقع اقتصادي مأزوم وواقع إقليمي مشتعل ومتوتر، وقد أصاب كل القوى الفاعلة فيه الإنهاك الشديد، والثابت الوحيد هو علامات الاستفهام حول ملامح اليوم التالي اقتصاديا وسياسيا.

أما الأردن فقد استفاق على زلزال الفوز التاريخي للإسلامين في الانتخابات البرلمانية غير المتكرر منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهو ما طرح أسئلة شائكة حول طبيعة مشاركة الإسلاميين في الحكومة القادمة مع الحرب العربية الضروس عليهم التي لم تهدأ منذ 2013، ودور ذلك في المخاطر التي تحيق بالأردن على وقع العدوان على غزة والعربدة الإسرائيلية التي بلغت أوجها وتخطت كل الحدود.
سؤال اليوم التالي هو سؤال عربي مشروع، وربما مطلوب في ظل ظروف صعبة تمر بها أكثر من دولة عربية يستحق الالتفات إليها أكثر من مجاراة الخطط الإسرائيلية تجاه غزة
وسؤال اليوم التالي في الأردن ليس سؤالا محليا فقط، بل هو سؤال إقليمي وفلسطيني وعربي وإسلامي، فأي خطوة في هذا البلد المتاخم لفلسطين المحتلة في ظل الأوضاع الراهنة سيكون لها ما بعده.

وفي لبنان يبدو سؤال اليوم التالي أكثر غموضا وربما رعبا، فالبلد الذي لم ينخرط رسميا في حرب مع إسرائيل يعيش أجواء توتر مشوبة بالحذر وترقب لاندلاع حرب بين الفينة والأخرى، ناهيك عن القصف الذي يطال قرى الجنوب بشكل مستمر. لبنان المثقل أصلا بمشاكل اقتصادية كبيرة كان ينظر لسؤال اليوم التالي اقتصاديا بعين الشك والريبة، والآن تضاعف القلق والتوتر أمنيا وعسكريا على وقع طبول الحرب.

إن سؤال اليوم التالي هو سؤال عربي مشروع، وربما مطلوب في ظل ظروف صعبة تمر بها أكثر من دولة عربية يستحق الالتفات إليها أكثر من مجاراة الخطط الإسرائيلية تجاه غزة.

x.com/HanyBeshr