تحولت مؤخراً بعض النقاط الحدودية بين مناطق
سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري إلى معابر تجارية يتبادل من
خلالها كلا الطرفين مصالح اقتصادية تجمع بينهم بعدما فرقتهم السياسة والنزاع بين
تأييدِ للنظام السوري وآخرين ضده.
من طرف، يشرف على هذه الحدود قوات النظام
وميليشياته وبخاصة قوات "أمن الفرقة الرابعة" التابعة للمدعو "علي
مهنا"، أحد المقربين من ماهر
الأسد شقيق بشار الأسد، والتي سيطرت مؤخراً على
جميع الطرق التجارية الهامة في
سوريا وأنشأت حواجز لها لجني الأتاوات والخوّات جراء
المرور من خلالها إلى أي من المناطق السوري.
فيما يشرف على الطرف الآخر، عناصر من فصائل
الجيش الحر وجبهة النصرة وفصائل أخرى معارضة تحت مسميات مختلفة متواجدة في
إدلب
وريف
حماة الشمالي والشمالي الغربي، فيما أن المسافة الفاصلة بين كلا الطرفين لا
تتجاوز مئات الأمتار، لكن المصالح الاقتصادية تجمع فيما بينهم، عقب تحييد تلك
المعابر إلى حدّ ما عن النزاع العسكري وعمليات القصف.
وتحت اتفاقيات تكاد تكون أقرب للسريّة بين
الطرفين، يعمل النظام على غض النظر عن تلك البضائع المستوردة من تركيا عبر الشمالي
السوري إلى مناطقه، وكذلك عن البضائع التي تصدّر من مناطق سيطرته إلى مناطق
المعارضة في محافظة إدلب، وذلك بأمر من النظام لتلك الحواجز بتسيير أمور البضائع
من وإلى المعابر، وكذلك قوات المعارضة التي تعمل على تسهيل عبور الحافلات من وإلى
المعابر الحدودية التي تصل مناطق المعارضة بمناطق النظام.
ومن أهم تلك الطرقات والمعابر الاقتصادية والتي
تعد طريق التهريب الأكبر بين تركيا وسوريا في العموم، هو الطريق الواصل بين حماة الخاضعة
لسيطرة النظام وإدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، ذاك المعبر الذي يشهد أكبر حركة
تجارية واقتصادية يومية بين الطرفين، فعشرات الحافلات تنتقل من مناطق النظام
للمعارضة وبالعكس.
يقول نضال الياسين، الناشط الميداني في حماة،
في حديثه لـ"
عربي21"، إن حماة تتصل مع مناطق المعارضة بطريقين تجاريين
يجمعان بين النظام والمعارضة، يتبادل من خلالهما كلا الطرفين مصالحهم التجارية،
أحدهم هو طريق "حماة-أبو دالي" الذي كان من أهم طرق نقل البضائع بين
الطرفين، حيث تقع بلدة أبو دالي بريف حماة الشرقي، والتي كان يسيطر عليها عشائر
موالية للنظام تتبع لعضو مجلس الشعب "أحمد درويش"، لكن بعد تقدم
المعارضة الأخير منذ شهور بريف حماة الشرقي، فقد توقف عمل هذا الطريق بشكل تام.
أما المعبر الآخر بين إدلب وحماة فهو معبر قلعة
المضيق، والتي تقوم عمليات التجارة بين الطرفين عبره بشكل كبير عقب توقف معبر أبو
دالي، حيث تقع قلعة المضيق في مدخل سهل الغاب غربي مدينة حماة، حيث أنها تعد
خاصراً لمنطقة جبل شحشبو التي تمتد لمنطقة جبل الزاوية بريف إدلب، تلك المنطقة
الواقعة تحت سيطرة
المعارضة السورية، والتي تعد معبراً وطريقاً واصلاً مع مناطق
النظام الموالية للنظام كالسقيلبية وسلحب على بعد عدّة كيلو مترات فقط، يتم تهريب
مواد المحروقات والألبسة المستعملة واللحوم المثلجة عبره.
ويضيف أبو عمر، أحد تجار ريف حماة، ويعمل على
نقل بضاعته عبر هذا المعبر، أن الكثير من المواد الغذائية وقطع تبديل السيارات
والدهانات والألواح الخشبية يتم نقلها من مدينة حماة إلى مناطق ريف إدلب عبر هذا
الطريق، ومن مميزات هذا المعبر سهولة إيصال البضاعة التجارية عبره دون المسائلة
القانونية من قبل النظام، وكذلك سهولة عبور تلك البضاعة عبر مناطق المعارضة من جبل
الزاوية ومن ثم إلى مدينة إدلب.
وأشار إلى أن هذه الأتاوات والخوّات لا بدّ من
دفعها على بعض حواجز النظام المتواجدة في بداية الطريق الواصل بين حماة وقلعة
المضيق، خصوصاً عند مرورها في مناطق السقيلبية وسلحب التي تعد من أكبر منابع العصابات في ريف حماة، وقد تصل تلك الأتاوات إلى أكثر من مئتي ألف ليرة
سورية على الحافلة الواحدة، فيما اعتبرها أبو عمر بأن هذه الأتاوة تسهّل نقل البضاعة
عبر المناطق.
وعن أسباب حركة الشراء الكبيرة من قبل الأهالي
والساكنين في مناطق المعارضة للبضائع من قبل النظام رغم غلائها، قال: إن البضاعة
السورية المحلية ورغم غلاء سعرها جراء تراكم مصاريف النقل والأتاوات وربح التاجر
إلّا أنها تعد أرخص بكثير من البضائع التركية التي يتم استيرادها لمناطق المعارضة
عبر الحدود السورية التركية، خاصة المواد التجارية كالدهانات والأخشاب والمواد
الصناعية.
مضيفاً بأن فرق عمليات البيع والشراء بين
السوريين بالليرة السورية تعد ذات ربح أكبر من العمليات التجارية مع التجار الأتراك
بالدولار الأمريكي.
بدوره، قال أبو ياسين أحد تجار مدينة إدلب
لـ"
عربي21": إن كلا الطرفين من النظام والمعارضة مرغمان على قبول نقل
البضائع فيما بينهما، وذلك للفائدة الاقتصادية العائدة على كلّ منهما، فعمليات البيع
والشراء وحركة السوق التجارية والاقتصادية في مدينة إدلب ومناطق المعارضة هي ذات
فائدة كبيرة للمعارضة ومصدر تمويل لهم، فالمعارضة فرضت رسوما جمركية رسمية على
البضاعة المستوردة من مناطق النظام، وكذلك على البضائع التجارية المصدّرة إليها،
حتى لو كانت ذات منشأ تركي.
وتتضمن تلك الرسوم، بحسب أبو ياسين، حماية البضاعة
من لحظة دخولها لمناطق المعارضة حتى وصولها إلى آخر نقطة تخضع لسيطرتها، وتحسب
كلفة الجمركة حسب وزن البضاعة ونوعها، ويشرف على ذلك لجان متخصصة من الفصائل
المسلحة المشرفة على المعبر، فيما تعود أرباح تلك المعابر على الفصائل ذاتها فقط.
كما عمل النظام على ذلك أيضاً، فعقب فرض الرسوم
الجمركية من قبل المعارضة، بدأ النظام بفرض رسوم جمركية على البضائع التركية
والبضائع الواردة من مناطق المعارضة وبشكل رسمي، فيما أن هذه الرسوم لا تتعهد بحماية البضاعة عقب دخولها مناطق النظام، لتتعرض بذلك إبان نقلها عبر حواجز النظام
في مدينة حماة وباقي المحافظات لعشرات الأتاوات لتسهيل عبورها، لكن هذه الرسوم في
ذات الحين تتضمن عدم الملاحقة والمساءلة القانونية من قبل مديرية الجمارك في حماة
وعدم مصادرة البضائع.
ومن الناحية الاقتصادية، فعمليات الاستيراد
والتصدير عبر الحدود السورية تعود على النظام بفوائد اقتصادية كبيرة منها
تصدير الإنتاج المحلي إلى مناطق المعارضة ومنها إلى تركيا، وخاصة أن الأسواق
السورية لم تعد تحتمل كميات الإنتاج المنتجة محلياً لضعف الاقتصاد السوري، كما أنه
يعمل على رفع سعر الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي في سبيل الحفاظ نوعاً ما
على قيمة الليرة.
تجار محليّون في مدينة حماة أكدّوا
لـ"
عربي21"، أن أسعار الجمركة من قبل النظام تتراوح بين المئة ألف ليرة
سورية حتى المليون ليرة سورية، وهذا ما يرغم النظام على القبول بالمفاوضات
والتعاملات التجارية مع مسلحي المعارضة.